ليل قصة سوزان كمال

كان صوتي وحيدا، باردا وخائفا
ببطء أمشي، أجرجر عظامي نحو الباب، أعرف تلك الطرقات جيدًا، يخفق قلبي النحيل، انظر للساعة المعلقة على الحائط، ثلاث دقائق قبل الثانية، مظلم بيتي والليل قاسٍ..
أعرف تلك الطرقات جيدا
أريد أن أعود إلى حجرتي، أهندم ثيابي، بيجامة نومي البنية التي تحبها، لا أقوى على الرجوع، وأخشى أن أتأخر عليها فترحل..
أفتح الباب، أنظر إليها، بصعوبة أتنفس، يخفق قلبي خفقات سريعة..
أنظر إليها، أريد أن أملأ رئتيّ بوجهها..
أحاول أن ابتسم، للمرة الأولى لا تبادلني الابتسام..
أقول لها بصوت متهدج، كسير، مجروح، مرتجف ومهدود: إنني متعب ومريض صدقيني!
أتكلم وتصمت، تبكي، تلقي برأسها على صدري يمامة طيبة مسالمة..
لا أقوى على رفع يديّ لاحتضانها، أكتفي بتمتمات ودموع..
تسحبني من يدي لنجلس على أريكتنا، تفتح النافذة، أنظر إلى المدينة التي يسيل دمعها..
أحاول أن أعتذر، تشير إلى فمي أن اصمت..
أعرف أنها تضمر الكثير والكثير من الحكايا لكني أسكت..
بهدوء تتجه إلى المطبخ لتصنع لنا كوبين من القهوة مع اللبن، بينما ببطء أذهب إلى الحمام، أغسل وجهي كثيرًا كي أتاكد تمامًا أنني لست أحلم..
تضع القهوة على الطاولة، أفتح درج مكتبي، أُخرج قطعة شيكولاتة، أفتحها، أضعها في كوبها كما تحب، تبتسم، تنير ابتسامتها وجهها، أفرح..
يا الله، ما زلت أستطيع الفرح!
تلومني أن تركت شرفتي متربة هكذا، أنظر للشرفة أرى المدينة التي تضحك شوارعها وبناياتها..
أجلس قريبًا منها، محيطًا رأسي بيديّ، تدنو، تفك تشابك كفيّ، تقبل رأسي وأقبل يديها..
تقول وهي تلمس لحيتي المبعثرة على وجهي: هل تعرف أنني أعرف ولدا وسيما، بوجه حليق ..
جاد هو جدًا وقت الجد، وشديد خفة الظل حين نأنس ونتسامر، كنا على أريكة واحدة نقرأ، نكتب، نأكل،
ونبتدأ الحب..
لم أتوقف عن حبك!
_ ولا أنا ..
تحكي وأحكي، كلانا يتكلم، وهي معي وأنا معها، ظمآنين كنا، نبحث عن الارتواء..
نضحك، تتناثر الضحكات وتبقى معلقة بسقف اللحظات التي نتشبث بها صغيرين، فرحين..
بسرعة تمر الساعات، ضوء الصباح يتخلل بيتي لأول مرة منذ شهور طالت وتوقفت عن عدها..
تقول: أنا جائعة
_ البيت خال من أي طعام..
أرتدي ملابسي بسرعة، تمسك بيدي كطفلة، ثم تتراجع..
اذهب انت احضر لنا إفطارا ولا تتأخر..
أهبط درجات السلم تائهًا، هائمًا وسعيدًا..
تفاجئني لفحة الهواء الباردة، والشارع المظلم إلا من ضوء مصباح على ناصيته، والمحلات المغلقة، والليل ..
أصعد حائرًا، أنظر للساعة المعلقة على الحائط، وقد تجاوزت الثانية بخمس دقائق ..