عوني سيف يكتب الناب الأزرق. /عونى سيف ، القاهرة.
خرجت رسمية من إحدى العيادات الخاصة بأمراض النساء و الولادة. هى قليلاً ما تذهب إلى المدينة إلا للاستشارات الطبية. يدها اليسرى خلف ظهرها لكى تسند نفسها و اليد اليمنى على كتف زوجها عبد الباسط.
رسمية شابة فى ثلاثينيات العمر، حامل فى شهرها الأخير ، زوجها عبد الباسط يكبّرها بسنوات قليلة.يترددان على المدينة للضرورات فقط.
قبيل الولادة بأيام عدة ، تربص حمدان إلى عبد الباسط و هو ذاهب إلى الحقل. أطلق الرصاص عليه، قتله، فهذا دم متوارث ، مشكلة قديمة قائمة بين العائلتين.
مشكلة تشبة الدائرة المفرغة . كل فترة يقُتَل شخص من هذه العائلة أو تلك.انه ثأر قديم يشبه جدول من الدم يمر بين بيوت العائلتين.
رفضت عائلة عبد الباسط استقبال العزاء ، لكن ليست رفض كلي.
وضعوا خيارات أمام رسمية ، فبعض أفراد العائلة يودوا أن ينهوا هذه العادة السيئة.
رفضت رسمية أصوات التصالح ، و رفضت أيضاً استقبال المعزيين.و رفضت أن يسلّم حمدان إلى العدالة.وضعت نفسها فى الدائرة المفرغة التى عانت منها العائلتين.قالت سوف ناخذ بالثأر. هذا المولود الذى لم يري نور الحياة بعد ، سوف يقتل حمدان ، ويأخذ بثأر أبيه.
حمدان لا يكبّر عبد الباسط كثيراً. أختار عبد الباسط لكى يقتله ثأرا لقتل أحد اخواته منذ عقود. اختياره ليس هباءاً بل لأن عبد الباسط احسن إخوته . فالثأر فى بعض قرى صعيد مصر يشبه أُضحية الآلهة ، عيب على من يريد الأخذ بالثأر ان يقتل مريض أو ذو إعاقة أو طاعن فى السن.بل يختار من الرجال أحسنهم و اقيمهم من العائلة الأخرى.
أتى رسمية المخاض فجراً ، ولدت مصطفى يتيماً ،اهتمت بتعليمه ، فالاهتمام بالتعليم بدأ فى زيادة بين العائلات فى هذه الفترة.كبر مصطفى و دخل كلية الطب بجامعة سوهاج ، تخصص فى القلب و الأوعية الدموية.تفوق فى تخصصه ، لمع نجمه سريعاً ، أصبح له اسم براق بين أطباء المحافظة. تزوج وسكن المدينة ليكون قريباً من عمله بالمستشفى الجامعي.
حمدان أيضاً لديه إبن ، سيد تخرج فى كلية الصيدلة بعد مصطفى بعامين. رفض أن يسكن المدينة ، فتح صيدلية فى أطراف القرية خدمةً لأهل القرية ، لأن القرية لم يكن بها صيدليات من قبل. كانوا يذهبون إلى قرية مجاورة لشراء الأدوية.سيد مثل مصطفى يحب الناس ومساعدتهم.
إنه يوم جمعة ، فى أحدى عطلات نهاية الأسابيع ، ذهب مصطفى إلى القرية ليطمئن على والدته. أخبرته بسر موت أبيه قتيلاً ، وقصت له مجرى الثأر القديم ، أخذته إلى غرفة نومها، أخرجت من تحت السرير بندقية قديمة روسية الصنع.قالت:
حان الوقت يا مصطفى أن تأخذ بثأر أبيك من عائلة حمدان. اصطدم هذا الكلام برأس مصطفى كأنه صاعقة برق. اخذت تجري جرذان من الأفكار فى رأسه .
ما هذا القدر الذى قدروه لي؟ أيريدون منى أن اقتل؟
كيف ؟ وانا الطبيب الذى كرس نفسه لإنقاذ الأرواح و مدواة القلوب المعطوبة؟ لكن أبى مات قتيلاً. أيموت أبى قتيلاً و اهنئ انا بحياتى؟
أثناء جرى كل هذه الأفكار فى رأسه ، منها ما يقع و منها ما يقوم ، كان صامتاً من هول الصدمة.
قالت له أمه ، انت متعلم ، إذا لم تعجبك البندقية ، اشترى لنفسك مسدس جديد ، أخف و أحسن.
خرج إلى سيارته ولم تخرج كلمة من فمه ، فهو ضد القتل ، حتى لو كان القاتل ، قاتل أبيه.لكن خيم على قلبه احساس غريب ، لم يحسه من قبل ، كانت له صدمة أن يعرف موت أبيه قتيلاً.
رسمية لديها أحزانها ، و قهر قديم لم تشفى منه ، و هموم متشابكة ، ثقيلة على القلب. هى تود أخذ ثأر زوجها ، تود أهل القرية يقولون ابنها رجلاً ، أخذ بثأر أبيه.
لديها ناب ازرق لم و لن ينخلع، وأيضاً تحب مصطفى حباً جنونيا و فى قاع قلبها تتمنى له السلامة و المستقبل السعيد.
هذه المعضلة فى عادات اهل الصعيد ، جعلت رسمية لا تنام .منذ أن اخبرت ابنها بالسر ، تراكمت على صدرها جبال من الهموم.
مصطفى سوف يرفض الأخذ بالثأر ، وهى قلبها تمزقه التناقضات.
وسوست لنفسها انا امرأه اكتوى قلبى بالنار ، ضاع من عمرى الكثير ، لم أنسى زوجى يوماً.
فى الصباح اخذت البندقية القديمة و ذهبت إلى صيدلية الدكتور سيد ، واطلقت على صدره أربعة خرطوشات .