أخبار عاجلةساحة الإبداع

هشام العطار يكتب المحاصر

قصة قصيرة

استفتحت أضواء عيناي مخترقا ظلام الغرفة فوجدت الشمس أوشكت على البزوغ طالعتها من النافذة فوجدتها قرصا دافئا يظهر منه قوس يشق البحر و إذا بي ألمح وحوش البحر السوداء تزحف نحو شاطئ القرية ..
سألت نفسي لماذا اليوم بالذات تقترب تلك الوحوش من بيوتنا هكذا ؟.. لقد دنت من قريتنا وتركت الأفق الرحب ، لعلها جائعة ، ألا يكفيها ما تلتهمه يوميا من أرزاق العباد من أسماك الصيادين .
ها هو كبيرهم يتصدر الصورة إنه عملاق أسطواني ضخم يخرج من المحيط الهائل المتلاطم الامواج..
نزعت غطاء نومى الملتصق بجسدي ففارقني الحلم الواعد وطار خلف الوسادة كي يتنحى عن المشهد .
هرعت الى النافذة أراقب صعود كبير الوحوش من البحر فألفيته يتحرك نحو الشاطئ المحيط بغرفتي ..
قفزت الى الباب فتذكرت أنى قد أحكمت إغلاقه البارحة فلم ينفتح و لم أدر ماذا أفعل …
فكرت أن أقفز من النافدة قبل وصوله إلى غرفتي حتى طرق بابي رجل برونزي البدن نحاسي الوجه فسألني ببرود عن سبب انزعاجي فأجبته ودمدمة طبول قلبي تشق الفراغ ” استيقظت اليوم عند بزوغ الشمس فلاحظت أن الوحوش السوداء ..كذا وكذا”.
وسردت له القصة فتمتم قائلا “أنا يا سيدى رجل بسيط لا أفقه كثيرا مما تقول سوى أن بابك صعب الفتح ” .. فأخرج مطرقة وضرب القفل فحررني قائلا “حمد الله علي السلامة” و بسط كفه نحوي فملأته بعشرة فنظر الي باستنكار فناولته عشرة أخرى حتى يرضى .
حلقت في الفضاء الجاثم حول قريتنا و توهمت أنى مطلق السراح فصرت أهرول مذعورا فى كل مكان حتى صادفت أكواما من البشر حولي يتكتلون تحت مظلات بيع الخضروات و آخرون يخفون رؤوسهم و أعينهم داخل قبعات عريضة فى لا مبالاة.
رأيتهم يأكلون و يشربون ولما اقترب أحد الوحوش السود لم يأبهوا لدنوه بل تجاهلوا الحدث و تصنعوا ائتلافهم مع ذلك الكائن المرعب .. حتى انه هم بالتهام أحدهم ففر من بين فكيه بصعوبة بالغه و العجيب أنهم برغم ذعرهم منه كانوا يلقون عليه السلام كلما مر بجانبهم .
إنهم يستقطعون نصف أقواتهم فيطعمون كبير الوحوش ما لذ وطاب ليأمنوا شره ..
استوقفت أحد المارة قائلا : “اسمعني يا هذا .. ألا ترى ان تلك الوحوش خطيرة جدا ؟ ألا تخشون على أولادكم ؟ فنظر الى قائلا “امض في سبيلك و اتركهم يبتلعون الأقوات .. إني أحذرك أن تعترضهم أيها الرجل ولتعلم أن ملك المحيطات السبع يحميهم ، إنني من عامليه فلا ترغمني على إيذائك.. هيا امض في طريقك و انظر أمامك و لا تلتفت لأحد ”
.. على الجانب الاخر من السوق وجدت أناسا يأكلون اظافرهم و رجالا يرتقون ثيابهم و نساء يصطحبن أطفالا مشردين و أخريات يحملن أوعية ماء مثقوبة تقطر ماء آسنا .. و شبابا ينظرون الي شاشات ضوئية تشع أوهاما مجسمة فى الفراغ فيسجدون لها انبهارا و تبجيلا..
لاحت في الأفق عاصفة رملية انقشعت عن سيارة الاستاذ مصلح صديق طفولتي
فتوقف عندي قائلا:
– خيرا يا صديقي لماذا أراك منزعجا
– ألا ترى ما نحن فيه يا مصلح ، الوحوش يسكنون بحرنا منذ زمن .. كنا نتوجس منهم و نراقبهم من بعيد ، أما اليوم فقد تطور الامر فاحتلوا الشاطئ.
لقد رأيتهم بنفسي يهاجموننا حتى كادوا التهام أحدهم .
… تبسم صالح قائلا : لا تقلق يا صديقي ، إن خروج الوحوش اليوم مسألة طارئة ستأخذ وقتها و سيعودون غدا أو بعد غد لمواقعهم فى عرض المحيط ، يبدو ان الصيادين تقاعسوا عن تقديم الوجبات المعتادة لهم مما أثار غضبهم ، فلتهدأ يا عزيزي…أقسم أنهم لن يعودوا للشاطئ طالما الصيادين يقدمون لهم الاقوات فى الموعد المحدد ..
.. لم أجد كلام مصلح منطقيا و لم اقتنع به فخرجت من سيارته بعد أن أوصلني إلى ابعد نقطه عن الشاطئ حسب طلبي .
صرتُ أهيم على وجهى باحثا عن ملاذ آمن فوجدت كوخا على أطراف القرية يقيم فيه مسن فى العقد الثامن من عمره و عندما طرقت بابه نادى من الداخل قائلا :” أدخل يا هذا فالباب مفتوح” فسألته : ألا تدلني يا شيخنا على ملاذ آمن احتمى به؟
– ممن يا بنى ؟
– من وحوش البحر يا شيخنا.
انهم يجتاحون القرية و أنا شارد أبحث عن مأوى
زاغ بصر الشيخ نحو الافق ثم قال : هل وصلوا الى هنا ؟
– ليس بعد و لكنهم لاشك انهم بعد سويعات سيصلون
– يا بنى اني قد فررت الى ذلك المكان منذ زمن بعيد بعد أن رأيت كبيرهم يسبح مسرعا من عمق البحر تجاه الشاطئ .. ففعلت مثلك بل و استجمعت قواي فاستنجدت بالناس و حاولت اقناعهم بالخطر المحدق بنا ولكن لم اجد استجابة ففكرت بهدوء فقلت في نفسي “هناك عدد لا بأس به من صائدي القروش المحترفين يقطنون قريتنا فلماذا لا أقترح عليهم هذا الصيد الثمين” . وتشاور الصيادون فى الامر ولكنهم رأوا ان تلك الوحوش تمنع وحوشا اكبر من الاقتراب من القرية وفضلوا أن يجمعوا جزءا يسيرا من أقوات أهل القرية ليقدموها قربانا لتلك الوحوش فيبتعدون الى البحر ثانية..
لا تقلق يا بنى إنهم سيرحلون الى البحر و يتركوننا في حالنا
– يا شيخنا هذه المرة لن يرحلوا .. إن جوعهم قد ازداد و توحشهم فاض من المحيط .
– لك الخيار يا بنى إما أن تنتظر ليأتوا و يلتهموننا جميعا أو تجمع الصيادين ليخرجوا اليهم في عرض المحيط. ولكن انتبه فأنا أعرف أهل القرية معرفة جيدة و أستطيع أن أجذم أنه لن يخرج معك أحد من الصيادين.

لم استطع تحمل الم الانتظار و الم الالتهام فاستحدثت حفرة في الرمال و أدخلت جسدي فيها أملا في أن اتحول الى كائن أفضل إلي أن جاءني العراف فقال لى : “ليطمئن قلبك يا ولدى سأخبرك بنبوءة مشايخ العرافين الذين يقرأون الطالع . لقد أفادوا بأن البطل الأسطوري سيهبط على قريتنا من سحابة زرقاء فيخرج منها ليمسك بجميع الوحوش و يقتل ملك المحيطات السبع و يحرر القرية كلها وينشر العدل و الرحمة”
استرحت لتلك النبوءة فاحتميت بشجرة توت باسقة وصرت أداوم على أن أخرج رأسي من الحفرة الرملية فأطلق عيناي في السماء باحثا عن السحابة الزرقاء فإذا لم أجدها أعود فأدس رأسي مرة أخرى فى الرمال و أنام .. وظل حالي هكذا حتى صرت عشبا بريا.

ساحة الإبداع – أوبرا مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى