الشاعر والناقد القدير الجميلي أحمد يكتب “أصوات الشجن ورحلة البحث عن الذات”
قصائد علية طلحة وتجارب الفراق والأم
تحظى شاعرية أهالي الصعيد بمكانة خاصة في المشهد الأدبي المصري، حيث تتميز بثراء اللغة والتعبير العميق عن المشاعر والتجارب الحياتية. تنطوي هذه الشاعرية على تراث غني من الشعر الشعبي والفولكلور الذي يعكس تاريخ وثقافة الصعيد وتجارب سكانه.
وشاعرتنا اليوم هي الشاعرة علية طلحة، التي تنحدر من أقصى جنوب مصر في محافظة أسوان والتي أثرت بقصائدها في المشهد الأدبي. يظهر تأثير البيئة الصعيدية على قصائدها من خلال تعبيرها عن قضايا وتجارب محلية تعكس واقع المجتمع والحياة في الصعيد.
البيئة الصعيدية، بما في ذلك الطبيعة الصحراوية الخصبة ونهر النيل، تلعب دورًا هامًا في تشكيل الهوية الثقافية والأدبية للشعراء والكتاب. فهي تمنحهم مصادر إلهام فريدة تنعكس في أعمالهم الأدبية بشكل ملحوظ.
تتميز قصائد الشعراء هناك بعمق العواطف والمشاعر، وتعبيرهم الصادق عن تجاربهم ومعاناتهم وآمالهم. كما يتخذون من اللهجة الصعيدية العريقة والممتزجة بالعربية الفصحى أسلوبًا أدبيًا للتعبير عن هذه المشاعر، مما يضفي على قصائدهم طابعًا فريدًا وجاذبية للقارئ.
تتسم قصائد الشاعرة الجنوبية علية عبد القادر طلحة بمسيرة حافلة بالإبداع والتميّز في عالم الشعر والأدب. ولدت في أسوان عام ١٩٧٣، وتعد أحد الشخصيات الأدبية في صعيد مصر، حيث تتمتع بخلفية ثقافية قوية وهي حاصلة على ليسانس أداب من جامعة القاهرة بقسم علم الاجتماع التطبيقي. علية طلحة شاعرة متميّزة في كتابة الشعر بالعامية، وقد أثبتت ذلك من خلال قصائدها. تتميز أعمالها بالعمق والبساطة، وقد نشرت في العديد من الصحف والمجلات الأدبية المعروفة مثل جريدة الجمهورية وجريدة المساء وجريدة أسوان والمجلة الثقافية الجديدة، بالإضافة إلى مشاركتها في العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية. تعد علية طلحة شاعرة تحظى بتقدير واحترام الجمهور والنقاد، حيث حصلت على جوائز متعددة في مسابقات الشباب والرياضة في مجال الشعر والزجل، بالإضافة إلى تكريمها في العديد من المؤتمرات والملتقيات الأدبية. تتمتع علية طلحة بحضور فعّال في الساحة الأدبية المصرية وتُعتبر إحدى الأصوات المميزة التي تساهم في إثراء الحركة الثقافية بتجاربها الشعرية الفريدة.
تتميز مسيرة علية طلحة بالتنوع والإثراء الثقافي، حيث شاركت في عدد من المؤتمرات الأدبية والفاعليات الثقافية المختلفة، كما أن لها بصمة قوية في المشاركة في المعارض الثقافية مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب وليالي رمضان الثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث تعتبر من الأصوات المؤثرة في دعم وتعزيز الحياة الثقافية والأدبية في مصر.
بالإضافة إلى ذلك، تتميز علية طلحة بنشاطها الثقافي المستمر وحضورها اللافت في أندية الأدب بمحافظات مصر المختلفة، حيث تشارك في النقاشات والفعاليات الأدبية، وتُعَدُّ عليه طلحة أحدي الناشطات في مجال الشعر والأدب.
ومن هنا ننطلق معا للبحث في قصائد علية طلحة ففي قصيدة { طريق البوح } والتي تقول فيها
طريق البوح
افرد حبال الحقايق
علي الطريق
أعرج بلون الأسئلة
بتشغلك القصائد
علي الورق
سن القلم بيحذرك
ريش القلم منفوش
مفهوش بلل
مال واتعدل
متشقلبة كل الحروف
فضاح يا خوف
ومين يكتمك و يألمك
وانت طريق البوح
بتشخبط وتلون
قلبي اليتيم
سلم خلاص
قلبي الحزين رحل
ويا سواد الليل
هذه القصيدة والتي تتحدث عن رحلة الشاعرة في طريق البوح والتعبير عن مشاعرها وأفكارها من خلال الشعر. تصوّر الشاعرة هذا الطريق بأنه مليء بجبال الحقائق والأسئلة، وهي تعبر فيه بألوان الأسئلة التي تشغلها وتثير فضولها. تصف الشاعرة القلم وهو يسنحذرها ويرشدها، مظهرًا بذلك عمق العمل الشعري والتحديات التي قد تواجهها الشاعرة في طريقها. تواجها الشاعرة التشتت والفوضى في الكلمات والأفكار وتصف قلبها بأنه يتشقلب ويتألم، مشيرًة إلى الصراع الداخلي الذي يختبره في رحلتها. وفي النهاية، تشير الشاعرة إلى الإفراج عن قلبها من الحزن والوحدة والسواد، مظهرًة بذلك أملها في الخلاص والتحرر من الألم.
أما القصيدة فهي غنية بالصور الجمالية ومنها
“افرد حبال الحقايق على الطريق”: صورة تُظهر البداية الصعبة للشاعر في رحلته للتعبير عن الحقائق والمشاعر.
“أعرج بلون الأسئلة بتشغلك القصائد على الورق”: هذه الصورة تُظهر الشاعرة وهي تنتقل بحرفية بين الأفكار والأسئلة، مما يشغل عقلها ويثير فضولها.
“سن القلم بيحذرك”: هذه الصورة توحي بأن الكتابة هي عملية دقيقة ومهمة تتطلب حذرًا وتأني في التعبير.
“ريش القلم منفوش مفهوش بلل مال واتعدل”: هذه الصورة تُظهر القلم وهو يتحرك بحرية وانسيابية على الورق، مما يعكس حرية التعبير والإبداع.
“متشقلبة كل الحروف فضاح يا خوف”: هذه الصورة توحي بالفوضى والتشتت في أفكار الشاعرة وتضطربه، مما يعكس تعقيدات الحياة وصراعات النفس.
“ومين يكتمك و يألمك وانت طريق البوح”: هذه الصورة تُظهر تحول الشاعرة إلى مكان تشعر فيه بالحرية للتعبير عن مشاعرها دون قيود.
“بتشخبط وتلون قلبي اليتيم”: هذه الصورة تُظهر الشعور بالوحدة والتشتت الداخلي في قلب الشاعرة، مما يُعكس صراعها الداخلي.
“قلبي الحزين رحل ويا سواد الليل”: هذه الصورة تُظهر نهاية الشعر بصورة ملموسة، مع إشارة إلى الأمل والتحرر من الحزن والظلام.
تلك الصور الجمالية تضيف عمقًا وإحساسًا فنيًا للقصيدة، وتعزز من قوة التعبير عن المشاعر والأفكار التي تحملها.
أما في قصيدة { لحظة حلم } والتي تقول فيها
لحظة حلم
خلصت القول
في قصيدة
بتنزف هم الروح
جوايا
قلبي مش حمل الوجع
يا كل أوجاع القصيدة
الحلم كان حلمي أنا
وأنا مش اول بنت تحب بجد
ولا اخر بنت
بتتهجي حروف الوقت الضايع
لحظة ما الحلم
يزق باب القلب يعدي
يلاقي الكبت
علي صدري كابووووس
يتمد الحلم
في علم الغيب
تتمد اللحظة
بطول العمر
النازف ..هم
ملعونة اللحظة
الهربانة من الفرح
ملعون القلب اللي بيعشق واحد
ما بيعرفش يحب
فالقصيدة تعبر عن حالة من الألم واليأس، حيث يتم تصوير النفس وهي تنزف همومها وأوجاعها من خلال كلماتها. تبدأ القصيدة بتصريح بأن الحلم قد انتهى، مما يظهر استسلامها للواقع المؤلم. تصف الشاعرة قلبها كلاحملٍ للألم، وتظهر القصيدة تشتتها وتأثرها بكلمات الزمان والمكان المضطربة.
تعبر علية طلحة عن حزنها لفشل حلمها، وتشير إلى أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي تعاني من هذا الألم، مما يعكس صراعها الداخلي وانكسارها أمام الواقع القاسي. تصوّر القصيدة الحلم كنوع من الهروب من الواقع المؤلم، لكنه يتمدد في العمق والزمن، مما يظهر الاستسلام النهائي للألم واليأس.
تعبر الشاعرة عن لعنتها للحظة النازفة التي تجلب الحزن وتهرب من الفرح، وتلعن القلب الذي يعشق دون أن يفهم كيفية الحب، مما يعكس الإحباط واليأس من تجارب العلاقات والحب.
أما عن تحليل الصور الجمالية للقصيدة فكل جملة من جمل القصيدة تحمل صورة جمالية بوصفها جزء مكمل للقصيدة ومن هذه الصور
“لحظة حلم”: هذه العبارة تُظهر بداية القصيدة بتسليط الضوء على لحظة الحلم، وهي صورة تشير إلى الأمل والتطلع نحو مستقبل أفضل.
“يزق باب القلب يعدي”: هذه الصورة توحي بتحطيم أمل الشاعرة واستسلامها للواقع المؤلم، حيث يُصوّر فتح القلب كفتح باب يُمكن اختراقه بسهولة.
“الكبت على صدري كابوس”: هذه الصورة تُظهر الشاعرة وهي تصف الضغوط والهموم التي تثقل كاهلها، وتشبه الضغوط بكابوس يضايقها ويعتريها.
“النازف ..هم”: هذه الصورة تُظهر الألم واليأس الذي ينزف من داخل الشاعرة كصورة متجسِّدة للمشاعر الداخلية المؤلمة.
“ملعونة اللحظة الهربانة من الفرح”: هذه الصورة تُظهر الحزن واليأس الذي ينبعث من الشاعرة حيال الفرح والسعادة التي تفلت من بين يديها.
“ملعون القلب اللي بيعشق واحد ما بيعرفش يحب”: هذه الصورة توحي بالتناقض بين الحب واليأس، حيث يُظهر القلب المحب المكبوت والمنكوب الذي يعشق بلا فهم حقيقي لطبيعة الحب والعلاقات.
تلك الصور الجمالية تضفي عمقًا وإحساسًا فنيًا للقصيدة، وتعزز من قوة التعبير عن المشاعر الداخلية والتجارب الشخصية التي تمر بها الشاعرة.
أما قصيدة { شبابيك الصمت } والتي تقول فيها
شبابيك الصمت
طلعت فى يوم لفيت
دقيت بيبان كل الخلق
لا سمعت صوت
ولا حد رد
روحت وحلمي في حضني
سمرت عيني قصادي لحد ما وصلت
دخلت ….
فتحت شبابيك الصمت
نفخت في ناي الحلم
الشحن سرسبلي صوت أنين الحلم
فتحت باب الفكر
سألت….
ياتري أنا جوا الحلم
ولا الحلم جوايا؟
تُظهر قصيدة شبابيك الصمت للشاعرة علية طلحة لحظة من التفكير والتأمل الداخلي لدى الشاعرة. تبدأ القصيدة بتشبيه الصمت بـ “شبابيك” تفتحها الشاعرة، مما يوحي برغبتها في الاتصال مع عوالم الحلم والتأمل. تصوّر الشاعرة نفسها وهي تخترق الصمت وتخوض رحلة داخلية لاستكشاف عالم الأفكار والأحلام.
القصيدة بها صور جمالية تجعل منها لوحة فنية مثل “نفخت في ناي الحلم” و “صوت أنين الحلم” قدرة الشاعرة على إنشاء لحنٍ جديد من خلال تجربة الحلم والتأمل. كما تُظهر صورة “فتحت باب الفكر” استعداد الشاعرة لاستقبال الأفكار الجديدة والتعبير عنها بحرية.
تعكس القصيدة رغبة الشاعرة في التواصل مع الذات والتعبير عن مشاعرها وأفكارها بشكل فني وجمالي. تتميز القصيدة بقصرها وبساطتها، لكنها تحمل عمقًا فلسفيًا يدعو إلى التأمل والتفكير في طبيعة الوجود والحقيقة.
وفي قصيدة { حجر داير } والتي تقول فيها علية طلحة
حجر داير
حجر في الزمن داير
رحابة بتطحن الأيام
فك الرحايا الحجر
ساعتي متظبطة علي عقربين إتنين
واحد ع الاحلام والتاني ع الأمل
ماشبعتش من حلمي
يا ساعتي يا أم الأمل
واقف علي امبارح
زي الزمن دوري
فاضلي إيه في دنيتي
ماخرجت من دوري
قلبي اللي عاشق واقف
أما الحجر داير
تبدأ القصيدة بصورة تشير إلى الزمن كحجرٍ دائرٍ، مما يُظهر استمراريته وثباته في التحكم بمسار الحياة. تصوّر الشاعرة الرحابة كآلة تطحن الأيام، مما يُظهر كيفية تأثير الزمن وتلاشي الأمور مع مرور الوقت.
“فك الرحايا الحجر”: هذه الصورة تُظهر الرغبة في كسر القيود والعوائق التي تمنع من التقدم والتطور في الحياة.
“ساعتي متظبطة علي عقربين إتنين”: تُظهر هذه الصورة الشاعرة وهي تصف ساعتها، حيث تربط العقرب الأول بالأحلام والثاني بالأمل، مما يُظهر أهمية هاتين العنصرين في حياتها.
“يا ساعتي يا أم الأمل”: وفي هذا السطر الشعري نجد صورة تُظهر الشاعرة وهي تلجأ إلى ساعتها كمصدر للأمل والتحفيز في الحياة، مما يُظهر تعلقها بالأمل كمصدر للقوة والتحمل.
“واقف علي امبارح زي الزمن دوري”: صورة تُظهر الشاعرة وهي تواجه الزمن وتتأمل في الماضي، مما يُظهر تأثير الذكريات والتجارب السابقة على حياتها وتفكيرها.
“قلبي اللي عاشق واقف”: تُظهر هذه الصورة والتي صنعتها علية طلحة نفسها الشاعرة وهي تصف حالة قلبها، حيث يبقى متأثرًا بالعاطفة والعشق رغم تداخلات الزمن وتحولات الحياة.
تتميز القصيدة ببساطتها وعمق رسالتها، حيث تُظهر الشاعرة الصراع بين الزمن والأمل والحلم، وتعبر عن تأملاتها واستفساراتها حول معنى الوجود والبقاء.
وفي قصيدة { إشارة يد } للشاعرة الجنوبية المتميزة علية طلحة والتي تقول فيها
،،،، إشارة يد ،،،
كل الخلايق
مادة الايدين
بتشحت منك
بقين كلام
وانا بشحت وشك من الشوارع
وشوش بتسلم
عليك
وعنيك بتطبطب
علي روحي
اللي انكمشت
جوه ضلوعي
خجلانة من
نغمة صوتك
وانت بترمي
سلامك بإشارة يد
الشاعرة تصوّر الفراق والانفصال بصورة مؤلمة، حيث يتجلى ذلك في انحسار الحوار والتواصل بين الأشخاص، وتشير إلى ذلك بوصف الأشياء الطبيعية وهي “مادة الأيدين” وهي تتشحت وتختفي، مما يعكس انعكاس الفراق على العلاقات الإنسانية.
تُظهر الصور الجمالية في القصيدة مثل “شوارع” و “عنيك بتطبطب على روحي” و “نغمة صوتك” قدرة الشاعرة على التعبير عن الحزن والألم بشكل فني وجميل، مما يُضفي عمقًا على المشهد ويزيد من قوة الإحساس بالفراق والوداع.
تنتهي القصيدة بصورة رمزية مؤثرة، حيث يُظهر الشخص الآخر إشارة يد الوداع، وهي تعبر عن الفراق والاعتراف بالحب والوداع بشكل رمزي ومؤثر.
حيث تعبر الشاعرة عن مشاعر الحزن والفراق بشكل راقي ومؤثر، وتصل إلى القارئ بصور فنية تعكس تجربة الفراق بكل مكوناتها وتأثيراتها العاطفية.
في ختام دراستي عن الشاعرة الجنوبية علية طلحة، يظهر بوضوح أن مصدر الحزن والألم والفراق يشكل ملامح متشابهة في كل قصائدها. يبدو أن وفاة زوجها ورفيق دربها قد أثرت بشكل كبير في تشكيل هذه الأحاسيس العميقة والمؤثرة في قصائدها.
على مدار دراسة أعمالها، نرى كيف أن الحزن والألم يعكسان واقعًا شخصيًا يتجلى في الفراق والفقدان. تمتزج مشاعر الحنين والوجع بروح الشعر لتخلق لوحات مؤثرة تنطق بعمق العاطفة والتجربة الإنسانية.
تظهر قصائد علية طلحة موهبتها في التعبير عن الحزن والألم بأسلوب شاعري راقي ومؤثر، ويعكس ذلك تجربتها الشخصية ورحلتها من خلال الحياة والمواقف التي مرت بها. تبقى قصائدها نموذجًا للتعبير الشعري عن الأحاسيس الإنسانية العميقة وتجسيدًا للصراعات الداخلية والخارجية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من تجربة الحياة.
بهذا، تترك دراسة شاعرة الجنوب علية طلحة أثرًا عميقًا في نفسي وفي عالم الشعر.