الأديب القدير عِذاب الركابي يكتب: الشاعر نص يواصل كتابة ذاته!
” نجمة .. بعد حين “..
ديوان الشاعر العراقيّ الكبير حميد سعيد
.” الشعرُ احتفاءٌ بالأشياء المُهدّدة ، الأشياءُ التي بدونها ، تفتقدُ الحياة قيمتها” – ديفيد قسنطين !
الشعرُ – الحُلمُ المتلوّ باليقظةِ المستحيلة ، والشاعرُ حالمٌ وكائنٌ أثيري ، والمبدعُ الكبير حميد سعيد يبدو نصّهُ وهو يواصلُ كتابة ذاته ، إمبراطورُ الحنين بامتياز!! وهو يمارسهُ ببساطةٍ ، ويؤسّسُ لهُ ، وحجرُ أساسهِ دمعٌ من كرستالِ اللحظةِ – التجربة الطويلة القاسية في البعدِ والغربةِ ، وإذا بالحنين جينات ينقلها إلى كل حرفٍ في قوافي القصيدة ، ويتبادلان تأثيرها معاً :” لقد عشتُ تجربة مفارقة المكان والعائلة والخلان في وقتٍ مبكّر من حياتي ” .
وليسَ إلاّ الحُلم بتقنية الشعر ، ولا مكان مخمليّ إسطوري ، جغرافيتهُ الأفقُ ، وعمرهُ الأزل إلاّ بغداد ، رحمُ الحضارات الأولى ، وهي تتناسلُ في آخر ليلِ العالم الحالك ، ولا تنجبُ إلاّ الشعراء والمغنين والعشاق ، وتوُسمهم بوسم الغربةِ والرحيل إلى اللامكان .. !هيّ بغداد التي يسكنُ فيها الشاعرُ الأوحدُ ، بلْ تسكنُ فيه ، وتحلّ محلَ ذاته المبعثرة ، ويتماهيان في موطن أسرار القصيدةِ التي أرّقت جدّنا العظيم “جلجامش” ، ودفعتهُ إلى البحث عن عشبةِ الخلود ، وليسَ لدى الشاعر الكبير حميد سعيد من عشبة خلود إلاّ بغداد ، ترياق البقاء على قيد الحياة ..!
وهي الذكريات التي اختزنتها الذاكرة ، وما رمتهُ مرغمة ً في سلةِ النسيان ، تدفيءُ القلبَ ، وتمزقُ ما بقي من لحمِ الروح أشلاءَ .. وهي بغدادُ سيدة الوقتِ ، العاشقة المعشوقة أبداً ، لا تفاخرُ بدخولها التاريخ بفستانها الحضاري الزاهي ، وخطوات عشقها الليلكية ، بلْ التاريخ بكل رواتهِ الأزليين ، يأتي إلبها طائعاً متوسلاً نورَها الكونيّ :
تزورني بغدادُ في معتزلي
تُعيدُ لي
ما كانَ من طفولةٍ في لغتي ،
ما كنتُ قد أودعتهُ في زمنِ العشقِ
من الأسرارْ
أكلّما رأيتها تُدخلني مضاربَ الريح
وتستقبلني قبيلة الأنهارْ
رأيتُ تحتَ كلّ خيمةٍ قصيدة تعرفني
وعندَ كلّ باب
حكاية أعرففها ،
سألتها .. أهذا إرثُ شهريارْ – ص5
ولم يبق للشاعر الكبير – برومثيوس عصرهِ الذي “تحتلُ القصيدة كيانه” إلاّ أن يراوغَ الزمن ، وسلاحهُ قوافي القصيدة ، صفوة اللغة ورحيقها ، وهو بين خيارين ، أما أن يهزمَ الزمن الذي يراهُ فلاسفة العصر المنتصر الوحيد ، أو ينأى عن التسكع فيه ، ويراوغهُ بحراب لحظات زمنٍ ذهبي مضى يؤرقهُ أبداً ، وهو في شجاعةٍ يُسفّهُ الحاضر الزخرفي الزائف ، بلا ظلال تموزية ، وقد غدت فيه الأحلامُ كوابيسَ نهارية – ليلية :
للعاشق المقيم في ما لا يُرى
كتابه الأبيضُ
ما يذكرهُ الآنَ من الماضي .. هوَ الماضي
وما يذكرهُ الآنَ من الحاضرِ
لا يعلمُ إنْ كانَ هوَ الحاضرُ
هذهِ مدينةٌ أخرى – ص8.
أهي بغدادُ التي :” تلوحُ من بعيدٍ ذكرى قاسية ، عبرَ جمال الماضي الذاهب بعيدا”؟ أمْ كانتْ بغداد ! وهي حين تستيقظ من نومِها القلقِ ، لتطمئن على أولادها الملائكيين ، تفزعها أفعى الغياب ، ولا تجدُ نفسها في بغداد !! أهي بغداد هذه التي يقلقنا بكاؤها ، أم “عمورية” أم ” سدوم” ، وهي في أنينها الكونيّ توقظُ ” بابل” و” سومر” ، تفزعهما مذعورين ، فقد ظلمها الوقتُ المهادنُ ، ولا تجدُ أولادها ، كما تركتهم سعداءَ آمنين ، يتأرجحون في شريان قلبها النابض بالحياة .. وهي في غفلةٍ من نومها ، مستعذبة أحلام الأمسِ القريبِ ، يُستباحُ كلّ ما هو نقيّ وأصيل ، ويذكّر بالإنسانية والحضارة ، فلمْ تعُدْ” لأبي نؤاس” أسراره التي خبأتها قوافي القصيدة ، وقد غابت بصماتُ “الرشيد ” من على أبواب بغداد الدهريةِ .. وبغداد تبحثُ عن بغداد:
هلْ تعرفُ الأوغاد من قبلُ
أستباحَ ما خبّأهُ أبو نواس في القصائد الأولى
مِنَ الأسرار
في ليلةٍ موحشةٍ
يطرقُ هارون الرشيد البابَ
مَنْ يفتحها ؟
وكلّ مَنْ كانَ هنا مضى إلى غيابْ
تمرُّ بغدادُ بهِ ،
ينكرها ،
يكادُ لا يعرفها
بغدادُ بستانُ الزبرجدِ
الذي مُذ خلق اللهُ البلاد
غرستهُ بينَ الكرخ والرصافة الملائكة – ص9.
فهلْ دخلت بغدادُ في الغياب ؟؟
وقد خرجتْ من التجربةِ بقلبٍ كورقةِ كتابٍ قديم ، وهل غابَ عشاقها الأسطوريون ، وطواهم الزمنُ الخؤون ، وهم يتنفسون من رئة الله ؟ تقولُ القصيدة المتمردة المشاغبة غير ذلك !!، وهي تعيدُ صوغ العالم ، حين تغيب بغداد ، لمْ تعُد هناك جغرافيا ولا تضاريس ، ولا خرائط ولا حدود تدلّ على العالم أجمع ، فقط بحار وأنهار تعارك نفسها ، فهي الأمّ – الحصن ، تفعلُ فعلها ، وكهرباء حنينها في روح الشاعر وعقله وقبله معاً ، وهم يتبارون في الانتصار لهُ ، والتعبير عما يشعرُ بهِ ، هي ملاذه على مستوى الذاكرة ، بل هي الذاكرة ، ولن يحتاج الشاعرُ حميد سعيد للبحث عمّن يبيع النسيان ، كما احتاج محمود درويش. وحين تتوزعُ قلوبُ أبنائها وعشاقها على المدن ، وهم يهدرون فاكهة أحاسيسهم على أرصفتها ، ويغدو الحنين بركاناً ، تأخذ القصيدة صداها إلى اللازمان ، ويصبحُ العشقُ لعبة وخدعة كونية :
لا قمرَ يدنو من الضباب
لا حمامة تُعيدُ للنوافذ البيض
البراءة
استظلَ هارون الرشيد بالقرنفلِ العتيقْ
فاختفى القرنفلُ العتيقْ
يبحثُ عن طريقْ – ص9.
.” القصيدةُ هي الحاضرُ الذي لايُمكنُ تحديدهُ ، بل يُعاشُ فقط”- هنري ميللر !
وقصيدة حميد سعيد نوعٌ من الكتابة الحفر ، ليستْ على آنية القلب وحسب ، بل وشم على وجه زمنٍ يصعبُ إخفاؤه ، والحاضرُ بلغة وكيمياء القصيدة الإلهية لا يعرفُ أبجدية الصبر ، وهو يُرواغ زمن المحنةِ والغياب ، والقصيدة ترواغُ هي الأخرى قوافيها ، والكلماتُ وهي تلدُ الكلمات مارثون أحاسيس ومشاعر ،والخيالُ بعدَ الخيال ، وقد بدت القصيدة تعويذة ، والكلمات في إيقاعها البسيط في انتظام أقرب إلى مشهد جنود الاستعراض ، حين يفعلُ المتخيّلُ فعله ، ويصبح الغياب حضوراً ، والحزنُ فرحاً ، واليأس أملاً ، في زمنٍ بين الواقعي والافتراضي . والشاعرُ في خطابٍ إيحائي تعبيري جمالي ، يقيم بلاداً أفتراضية ، تشبهُ البلاد التي أحبها ، ولا تشبهها ، وقد غدرت في عصافير أحلامه ، وفضّت بكارة بساتين الحنين والشوق .. وليسَ الغياب سوى كتابٍ ماسيّ ، يُقرأ فيه ما دُنّسَ من ملامح الماضي الجميل ، ويقترح ُ فسفور حروف حاضراً بعيداً من ” شذى وردة الكتابة “.
ولمْ يبقَ أمام القصيدة – التعويذة إلا أن تبدو سحراً ، لعبَ فنّي غريزي ، ولم يبق أمام الشاعر إلا احتراف غناء الحزن الشفيف ، حيث القصيدة تأخذ شكل ولغة المزامير .
دعيني أقيمُ بلاداً كما تتمنى البلاد
وأكتبُ آخرَ ملحمةٍ
تستعيرُ الملاحمُ منها
صحائف من سيرة الجمرِ
خبأتها في ثنايا الرماد
تخيلتُ أنكِ
حيث تقيمين
فاقتربتْ منكِ قافلة
لمْ أعُد أتبين مَنْ كان فيها
وما كانَ فيها
وقلتُ : افتحي البابَ
إنَّ الغياب
علّمني أن أراك قادمة
من شذى وردة الكتابة
أودعتُ بين الحروف .. وما لستُ أدركهُ
ومضيتُ ..
انتظرتكِ
حتى إذا ما التقينا
وجدتكِ غير التي كنتِ ،
أمْ أنا غير الذي كنت – ص16.
.” الشعرُ أحلامُ يقظة” – غاستون باشلار !
ولدى الشاعر الكبير حميد سعيد ليس تعبيرا عن مشاعر – فيزياء الكيان الإنساني ، بل تخلص منها ، والأحلام منطاد النجاة لمَن أدمن صلاة الغياب التي وضوؤها الحنين ، ولم يبق إلا عطر الذاكرة ، وهو لا ينفد كما نافورة الكلمات ، وحين يستأسدُ زمنُ المحنة ، يصعب على الشاعر حتىّ العتاب :
لم تعرفي محنة المحو مثلي
ولمْ تعرفي مدناً يتجاهلك الخوفُ فيها
إنَّ لي غيبتي
لا أعاتبُ حزنك قبلَ الغيابْ
أنا رجلٌ لا يجيدُ العتابْ – ص18.
.” لا أعرفُ كيفَ أحبّكِ
حاولتُ ..
كتبتُ إلكِ
وخاطبتكِ في السرّ – الديوان ص19.
مَنْ هذهِ الحبيبة المنيعة الجمال ، الشيطانية الإغواء والخطى ، البركانية في أحاسيس محبتها ؟، والشاعر يبحث عن لغة أنيقةٍ غير اللغة المتعارف عليها في الحب والغرام لوصفها ، أهو الشعرُ صمتُ اللسان ، حين يستعذب الشاعر نبيذ اللحظة المرعبة .. والشعر ليس سوى “جرس وضوء داخل اللغة ” – بتعبير هنري ميشونيك ، حيث الكلمات تمارسُ الحبَّ .. لحظتها فقط يمكن الاقتراب من كهرباء جمالها ، خافضا جناحَ الود لطيفها اللازورديّ ، وهو بقداسة الإيحاء والقصيدة ، للوصول وقطف ثمار ذاتها ، والتأرجح كطفلٍ مزهوٍ في شريان قلبها وهو من الليلك البري .
مَنْ هذه الخضراء التي تبرّر فيضان سيول الرغبة والحنين ، وتجيز شريعة الجنون ، والخراب الضروري الذي يشبهُ خراب- الذي انتعلَ الريحَ- آرتور رامبو ..؟؟
أهي بغداد ؟ ” أليست المدن أحلاماً ورغباتٍ ومخاوفَ” – كما قال إيتالو كالفينو ؟ ولِمَ لا تكون بغداد وقد غدت وليمة أحاسيس ، أنثى بارعة الجمال ، تصرع حتى الآلهة ، وأنها ترياق الوحشةِ والبعدِ والغياب .. أليست هي “عشتار” أخرى ، ذات النظرة الإلهية ، التي يلوذ طيفها السماوي في خلجات النفس ، ويبدو الخوفُ كلّ الخوف من البوح باسمها الفيروزيّ :
لا أعرفُ كيفَ أحبّكِ
عرفتكِ قبلَ نضوج ثمارك
خضراءَ
وعرفتك بعدَ نضوجِ ثمارك
بعدَ جفافْ
أخافُ
أنْ أفصحَ عمّا في النفسِ
أخافْ – ص20.
. بغدادُ الحبيبة ، و هي الحضور أمسِ واليوم وغداً ، وحي الآتي المتخيّل في فستانها الكستنائي ، هي الحضور الذي يعاندُ الحضورَ ، ويشاكسُ نسيج َالذاكرة ، وقد فقدت طزاجتها لكثرة عواصف التذكر والحنين ، وقد غدت فاكهة غادرتها المواسم .. بغداد أهو اسم وردي في أبجدية الحبّ ، الذي لا يكون إلا الحبّ – الموت الصغير برؤى ابن عربي ، وهي على شاشة الواقع مراوغة ، كموجةٍ فراتيةٍ ، داهمتها النوارس في كل الاتجاهات .. والشاعرُ المغنّي العاشق ، وقيثارة قلبٍ ، مبشرٍ بصباحات القصيدة – والكتابة والإبداع الموازي للحياة ..! هيَ الحضورُ المموسقُ عبر قوافي القصيدة ، وهو الماضي الذي يصعبُ نسيانه ، ووضعه على رفٍّ قديمٍ :
أعاتبُ الأشجارَ .. تغلق بابها دوني
وتتركني وحيداً
مَن سيسمعني وأنتِ بعيدة
وأنا هناكَ .. أرمّمُ الماضي
أحاولُ أن أراكِ .. كما رأيتك
توقظين الوردَ بالضحكِ الجميل
لكِ أن تقولي
بادلتٌ مضماري بمعتكفٍ
تضيقُ بهِ خيولي
لكِ كلّ قارات الحضور ،
ولي أفولي – ص25.
.” اللغة تنطقُ الوجود” – هيدجر !
وفي نص ” من أيام الفقير لله” الشعرُ لحظة إحساسٍ جمالي فائق اللغة ، لغة اللغة ، وما يُسمّيه ” أدونيس” بـ” التفجير اللغوي” وفحواهُ أن الكلمة في النصّ الشعري ، توشوشُ أخواتها من الكلمات الأخرى للتمرّد على النصّ ، ولم يبق أمام الشاعر الكبير إلا أن يعطي الكلمات حرية المبادرة – كما أوصى ” مالارميه ” !
وهو بالضبط ما يسعى إليه الشاعر ، خلاصة تجرية طويلة وريادة ، ومؤسس لٍأسلوب في القصيدة الحداثية العراقية والعربية ، حيث القصيدة لديه جمالياً كاتدرائية مهيبة ، نصّ يعتني بدفء الأحاسيس بقواعدهِ ، وهو يخلقها بنفسهِ ، متجاوزا وقته ، وبمفهوم ” ديكتاتورية الكتابة” الذي أطلقه ” رولان بارت” ، لا شكل للقصيدة ، والنصّ يخلق قواعده الخاصّة بنفسه ، بتعبير آخر ، النصّ ماوراء النصّ ، والمعنى حُلمُ المعنى .
يقولُ ” رولان بارت” : ” لا معنى لأي لغةٍ شعريةٍ ، إذا لمْ تُؤد إلى ما وراء المعنى”ولغة الكتابة الشعرية لدى الشاعر الكبير حميد سعيد ، بكل ما فيها من بساطةٍ عميقةٍ ، هي لغة الوصول إلى ما وراء الللغة ، والبحث فيها ليس عن المعنى ، بلْ حُلم المعنى :
والفقيرُ إلى الله مُذ كان .. وهو على موعدٍ والظنون
ويسألهُ الشرطيّ المدجّج بالشك
هلْ رأيتكَ من قبل ؟
يبدو الفقيرُ إلى الله .. مرتبكاً
يستعيرُ ملامحَ أخرى
وينأى عن الشرطي المدجّج بالشكّ
يغدو سعيداً بما هو فيه
لا أحد في المدينة يعرفُ ما هو فيه
كانت مغنية الحيّ تُطربهُ
يتخيلُ خلف الشبابيك ليلاً .. هوَ الليلُ
تبدو حرائقهُ في البيوت الحيية
بعدَ صلاة العشاء
ليس سوى الليل في مدن الفقراء – ص27.
وعلى إيقاع دموع بغداد ، وهي من كرستال وقتها ، وبكائها بطعم الفرح الهارب أبداً ، فإن القصيدة لدى الشاعر الكبير حميد سعيد ، تستلفُ الكثير من المتخيّل ، إذ الكتابة نزهة عقلية وروحية ، والكلمات وقد بدت على أصابعه الودود مارتون فرحٍ وتحرّرٍ ،وبلغة الشعر التي أطلق عليها نقاد الحداثة ” لغة الاعتكاف الروحي” ، يؤسس الشاعرُ في أسلوب سرديّ بارع إلى ” القصيدة – القصّة” و” القصيدة – الحكاية” ، ومَثلُ الكتابة الشعرية – السردية مثل ” فتح جرحٍ يجبُ أن يلمسَ بحُبّ” – كما يعبّر شارلس مورجان . حيث القصيدة وفق تقنية وكيمياء السرد ، تنتظمُ الكلمات فيها على الورق من تلقاء نفسها ، بسيطة مانحة ، وبتعبير ” إنطونيو تابوكي” ” حسب الترتيب العروضي للسوناتة” ، حيث كلّ شيء يمرّ عبر اللغة الشعرية ، وكلّ شيء هوَ اللغة :
يتذكرُ بغدادَ
بين الرصافةِ والجسرِ .. يحتفلُ الشعراء بما كتبوا
يقرأون قصائدهم في المقاهي .. وينتشرون
في الطريق إلى الأعظمية .. رافقني أحمُ العربي
وكُنّا على موعدٍ
سأحاولُ أن أتذكرَ مَنْ كانَ ثالثنا ،
وافترقنا – ص29.
. في قصائد الديوان متعة كلماتٍ ، شقية بجمالها ، وموسيقاها الكونية ، وإيقاعها الإنسانيّ .. متعة القصيدة السردية، كيمياء القصيدة – الحكاية – الحياة ، و” الشعرُ لغة الحياة الحقيقية ” – بتعبير “روبرت لويس ستيفنسن” ، وهذا يُقرأ في أسلوب حميد سعيد الشعري ، حيث الكلمات رموز سحرية أيضاً .
وبغدادُ أصلُ الحكاية ، أولُ وآخرُ قطاف بستان فاكهة الروح ، وقد غدتْ حكاياتٍ ، المكان والبشرُ بطلان عظيمان ، المكان زهرة الضوء في بغداد ، من الباب الشرقي إلى الميدان إلى الأعظمية وإلى اللامكان ، بورتريه لازورديّ ، لا تفاصيل لهُ إلا في تشكيل القصيدة …! وحكاية الآخر، عابري السبيل المضيء ، صُناع الجمال ، ابتداء من علي بن الجهم ، وزرياب ، والجاحظ ، وليس انتهاء بالمنصور وبشر الحافي ، رموز حضارية ، كواكب بغداد التي يضيء بعضها إلى البعض شعراً وفناً وفكراً وفلسفة .
والشاعر حميد سعيد وهو بزي السارد – الناصّ الأمثل ، وشعرهُ السرديّ الحكائي المُتقن ، وتحت عاصفة رؤى ، يحيل بغداد إلى الحبيبة الأولى والأخيرة ، وقد انفردت بوليمة مشاعرهِ وأحاسيسهِ ، ذكريات على صفحات كتاب القلب ، وقد أدمن خمر الذكرى ووجع القصيدة ، والجسد المبعثر ، وقد غدا محطات انتظارٍ لقمر بغداد جديدة ، لا صدى فيها لسعال المداهنين والنمامين ، وهي تأتيه كل صباحٍ بفستان عاشقة ، مطرزٍ باللؤلؤ والقبلات :
توقظهُ بغدادُ صباحاً
يفتحُ عينية ،
يراها
فيُقبّل جبهتها
ويشمّ عرارَ جدائلها ، وقرنفل ضحكتها
وأريج صباها
يسمعُ وقع خُطاها
في الروح من الباب الشرقي إلى الميدان- ص33
***
يتخيلها امرأة تجمعُ بين بداوة طلتها
وطراوة فاتنتها
تستوقفها دجلة بين الضفتين
تتجلى في الموج المتكبر
ساحرة ً
تستبدلُ ما كانَ بما سيكون
من معجمها خرجَ ابن الجهم عليٌّ
وعلى نقرات خُطاها
وقّعَ زريابُ العود – ص34.
والشاعر – الساردُ – الناصُّ حالة حُلمٍ واليقظة مستحيلة ..!!
وفق دفقٍ راقٍ من الحنين والشوق ، ما يصعبُ التعبير عنهُ إلا في هذا النسق الشعري ، شديد الشفافية والحميمية ، فيزياء روحٍ مريح وجارح في آنٍ . وقد تربعت بغداد على عرش أحلامه طائعاً مطيعاً ، هانئاً وظامئاً ، ووقته يخاصم وقته ، وقد تركها في زينتها فاتنة ، مهيبة ، معشوقة ، وقد عاش زمناً مخملياً على بريق زمرد ضحكتها الإلهية ، لكنهُ حين استيقظ على هواجس القصيدة ، وهي تلخصُ حكاية بغداد ، لم تعد بغداد هي بغداد ، بغداد خارج بغداد – وفق الروبورتاج الفني للصديق المخرج الكبير قاسم حول ، ولا عشاقها همُ أولئك العشاق الذي فضّضوا ليليها النواسية بالشعر والغناء والفن والدمع ، بغداد ليست هي ” جنان” التي تصب الماء فراتاً عذباً ، ولا هي ” ولادة” التي تقول جميل الشعر الرومانسي .. وقد نسيت مرغمةً ، وهي تعاني جرحها الكونيّ ، بما أوصاها بهِ الخليفة المنصور ، وهو في ظمأٍ للقائها المخملي ، لكنها لم تكن بعطرها الأندلسي ، ولا بلباسها الشامي ، والشاعرُ والتاريخ يؤؤقه ماضٍ بحلمهِ الفستقيّ ، ويخشى ” أنْ تصيبه الشيخوخة عندما يتوقف عن الحلم ، ومطاردة أحلامه” – كما يعبّر ماركيز :
دعيني في هذي الليلة وحدي
ابتعدي ..ما عدتُ أراكِ كما كنتِ
يساورني قلقي .. وأشكّ برؤياي
أأنتِ ؟
لماذا ماعُدتِ تجيئين إليّ بطلعتك العباسية
ولماذا فرّطتِ بما أوصاك بهِ المنصور
أن احتفظي بالعطر الأندلسي ، وقمصان الشام ،
وطلعتك المكية – ص36.
. قصيدة حميد سعيد عابرة للنوع !!
وهذا الدفق الشعري ، “رؤية ما لايُرى ، وسماعُ ما لايُسمع” – بتعبير ” أدونيس” براعة في تفجير طاقاتِ النثر ، والاستعانات السردية ، قصيدة تُقرأُ وتُشاهدُ في آنْ ، شعرُ السرد ، وسردُ الشعر ، ألم يستحسنهُ ” التوحيدي ” في عبارتهِ الشهيرة : ” أحسنُ الكلام ، ماقامت صورتهُ بينَ نظمٍ كأنهُ نثر ، ونثرٍ كأنهُ نظم ” ..!
وتحت ذبذباتِ كهرباء أصابع الشاعر حميد سعيد، فإن الشعرَ السرديّ ، بكل ما فيه من كيمياء بساطة مضادة ، أقوى مفعولية ، كما هوَ ظاهرٌ ويُقرأ في مجملِ قصائد الديوان . وتأخذ القصيدة ، وهي على قافيةِ الشوق والحنين صلب هندسة الحكاية ، وهي تُقرأ تارة مرثية للروح التي عشقت ، وتبعثرت أوصالها هياماً ، ولم تنلْ غير حُمّى الهجر والبعد والانتظار ، وتارة أخرى ابتهالاَ فيه من عطر اللهِ ، درءاَ لتعب الروح وهي تكابر ُ ، وجرحها النازفُ ، فاغرٌ فاه ، في زمن الغدر والغياب ، قد عاشهُ الشاعرُ ، وهو يترك القلب رهينة في ظلال الوصية ، إذ ليس هناك أجملُ من ضحكة النخل العراقي عند المساء ، ولا أقوى من إغواء أنثى بغدادية – هدير الوجود :
يا بلادي التي أنشأتني كما النخل
أوصيكِ بالنخلِ
إني على موعدٍ والغياب
وأوصيكِ بامرأةٍ .. ستكون معي حيثما كنتُ
تنذرُ أنْ ستقصّ جدائلها
كي يعودَ الذي راحَ منها – ص58.
. يقولُ ” ابن عربي” : ” جمالُ الشعر والكلام ، أن يجمعَ بينَ اللفظ الرائق ، والمعنى الشائق” .. وذلك ماكانت عليه القصيدة – الحلم لدى الشاعر الكبير حميد سعيد ، تناغم في الشكل والمضمون ، ألفاظ طازجة الحروف ، توشوشُ بعضها للغوص في نهر الجمال ، ومعانِ تُسمعُ وتُرى عبرَ موسيقا الشوق إلى البلاد القريبة البعيدة ، وقد غادرتْ الشاعر في ليلٍ ثلجيّ ليس كل الليالي القاسية ، يتذكرُ فيه وحشته ، وغدا اغترابه السرمدي ، وقد خبّأهُ في لحم الروح ، معاتباً حميمياً من بلادٍ تغادرهُ وهي تسكنُ فيه أبداً :
يا بلادي التي أتقصّى عذاباتها في اغترابي
ولأنّي أخافُ عليها
أخبّيءُ عنها عذابي
أكتمُ حُبّاً برى جسدي
وأعيشُ على أملٍ ، أنْ أراها تُطلُ بفتنتها
حينَ أفتحُ بابي
على صفحةٍ من كتابِ القرنفلِ
كنتُ أكتبُ إليها ،
أقولُ لها ..
كيفَ ترضي الذي أنا فيه ؟ – ص59.
.” رافقتنا نخلة الله إلى حيث نزلنا ،
وأقامت معنا حيثُ أقمنا
أتُراها تستعيدُ الآنَ ما كانَ مِنَ الماضي
وهلْ نبّأها النهرُ بما حلّ بنا ” – الديوان ص63.
القصيدة هي : ” تردّدٌ طويلُ الأمدِ بين الجرس والمعنى ” – كما يقول ” هنري ميشونيك” !
وبلغة حميد سعيد القصيدة نبأ الواقع ، قناة الروح وهي في بثّها الحميميّ الصوفيّ تصفعُ الواقع على وجهه ، تهينُ الوقتَ وتشككهُ في وقته ، وتحاكم عالماً بلا قلب ، بما بقي من دمعٍ حجري يسكبهُ الشاعرُ المسكون بماضي الوطن ، والوطن الماضي ، وهو جزءٌ منه ، يسمع كلّ ليلةٍ حالكةٍ ، صوت أمواج أنهاره ، ومزاح أسماكها ، وتناسل نوارسها ، وهي تدعوه إلى اختصار زمن الغياب ، والعودة لإحياء الحبّ الذي فاق في لهيبه كلّ قصص العشق والغرام .
والقصيدة وهي تنسجُ بحورها من فتافيت جسدِ الشاعر ، وقد تعدت بمهارةٍ الستة عشر بحراً المُملة إلى الستمئة بحر وأكثر ، بما لم يخطر على بال ” الفراهيدي” من أوزان وقوافٍ ، فهي تصبحُ وتُقرأ أغنية ، عندما يهوى الغناء ، وتغدو دمعة كرستاية حين يحلو ويريحهُ البكاء ، وتأخذه طائعاً كامرأة حبيبةٍ ، وهي تجرهُ من شريان فلبه إلى بحار البهجة المؤجلة ، حين تداهمهُ عواصف الأحزان ، وهي ترتّبُ لهُ سريراً مخملياً للحُلم ، حين تضيقُ به طرق اليقظةِ المستحيلة ، وهو والقصيدة روحان متحابان متشابهان يلتقيان ، في صلاة الحنين إلى الوطن ، وهو يراوغُ محبيه بالمواعيد الخلبية :
عُدنا إلى أوراقنا الأولى
وماعادَ القصيدُ
اكتملت رحلتنا
واعتزلت أيامنا الأحلام
أوقدنا الشموعَ السودَ في ليلِ البلاد – ص63.
. هل الوطنُ هو :” الشكلُ الهندسيّ للعقلِ الكلي ، وللحرية العُليا” – كما يقولُ “تيري أجيلتن” ..؟ فلماذا برؤى القصيدة يبتعدُ كلّما اقتربنا ، ويضيقُ كلما اتّسعت أحلامنا ، وها نحنُ لا نخطيءُ أبداً خطاه المتعثرة في الطريق إلينا !! لكنهُ الوطنُ وكفى !! الأمّ – الحصن ، ترياق الوحشة والبعد ، ولنا على ضفاف طيشه الكثير من الدمع والدم والحسرات والأماني ، ولنا في خضرة سعف نخله مشاريع أحلام عديدة ، ونحنُ نسمعُ نخلة الله تنادي ، ولم تنس أسماءنا أبدا : حسب الشيخ جعفر ، سعدي يوسف ، عبد الوهاب البيات ، عبدالرحمن الربيعي ، قاسم حول ، جمعة اللامي ، دنيا ميخائيل .. وووو كلّ مَن حضروا ومَن غابوا و ملامحهم من ضحكةِ الأرض ، وبريق الكواكب ، كٌلّنا واحدٌ ، ملوك وأنبياء في الغربة ، وفقراء مهمشون في الوطن ، وأحياء بعيداً عن سعال القبائل الهزيلة التي فرّطت بفرح الوطن وكنوز أمانه ، واستعذبت سواد الغيم ، وليس هناك ثمة مطر :
تتراءى نخلة الله لنا أمّاً
تنادينا ،
فلا نسمعها !
صرنا بعيدين ، وصار الوطنُ العذبُ بعيداً
فافتحي الباب لها واعتذري عنّا
فما نحنُ عققناها ،
ولكن الذي كانَ ..افترى عاصفة رعناءَ
أنستنا الكلام – ص64.
. وخلال ما يُسمّى بـ” إمبراطورية الحواس” و” ديكتاتورية العواطف” ، وقد تمثلا في كلّ سطرٍ وجملةٍ وعبارةٍ في قصيدة حميد سعيد .. تُرى مَن هذه التي تحرسُ إمبراطورية الحواس المنيعة ؟ مَن هذه المشدودة إلى الخاصرة التي يفوح منها عطر الذكريات ، وتسير بأتجاهها عقاربُ ساعة القلب والوقت .. هي بغداد !! التي لا يشك أحدٌ في كيمياء جمالها ، عاصمة الكون ، ومركز العالم الحضاري – الإنساني ، هي الأنثى – الشكل الأسمى للوجود ، وقد نافست المقدّس في ضحكتها الإلهية ، وفي إغوائها الباذخ في الرغبة والشهوة ، وهي القِبلة التي لا يُمكنُ تغييرها ، وحدها مَنْ يُعيدُ الذي ضاع من كنوز العمر ، وما تبدد من جميل أيامه :
لقد رأيتكِ
أو تخيلتُ التي ستُعيد لي ما ضاعَ منّي
أو تبدّد من سنيني
والتقتيكِ ..
لستِ أنتِ ،
وكلما نحاولُ أنْ نجمعَ ما تناثرَ
من أريج حدائق الماضي
وجدتكِ لستِ أنتِ
في كلّ أرضٍ كنتُ أبحثُ عنكِ
في المدنِ التي شاركتني فيها لياليها
وفي ثبج البحار
ولستِ أنتِ !
أغويتني زمناً .. كتبتُ إليك أجملَ ما كتبتُ
ولستِ أنتِ – ص71.
هيَ بغدادُ ، وإن تغيرت ملامحُها علينا ، أو اختلفنا مرغمين قي عطرِ بريق وجهها الملائكي ، قرُبت أو بُعدت ، أحبت أو هجرت ، تهنا في جمالها الكوني ، أو تاهت في أحزاننا وغربتنا ، هي جمرُ السؤال ، والإجابة في لهفةٍ مستحيلة .. هي قصيدة الحُبّ الأولى ، أول العشق ، حزنها الشفيفُ بطعم الفرح ، وهزيمتنا في حبّها بإيقاع الانتصار ، هي صاحبة العينين اللوزيتين اللتين لا يغزوهما اليأس ، والأملُ في طلتها الصباحية لا يكذبُ ، هي الحُلم الوردي الذي يلغي كلّ مشروعٍ ليقظةٍ متاهةٍ حزينة :
لستِ أنتِ
كنتُ اغتسلتُ بجمر أسئلتي .. فأدركني الرماد
لِمَ جئتِ ..؟ أوْ لِمَ جئتُ ..؟
في زمنٍ ذوت أشجارنا فيه
تُضيئين الثمار
رأيتُ أحزاني ترافقني إليكِ
تعودُ منكِ كما ..
أحّبّك .. أستعيد صِبا حرائقنا البعيدة
ثمّ أقولُ ..
ها هي نجمةٌ أفلت ،
وتظهرُ بعدَ حين – ص73.
. القصيدة بلغة حميد سعيد خطابٌ وإيحا ..!!
و” القصيدة في قيمتها الإيحائية” – برؤى نوفاليس !
وعبر مايكروسكوب التعبير الإيحائي الجمالي ، البلاد بوصلة الذات ، وهي في حيرةٍ وامتحانٍ عسيرٍ ، تُرى أينَ أيامها التي كانت تسابق بعضها ، وتتبارى فرحاً وأماناً وحياة ، ها هي تعاركُ نفسها في نبال الذكريات ، وتنتظمُ في مليشيات قلقٍ ، وهي تنسجُ خرائط الضياع ، والحزن ، والحيرة ، فالنهارات التي كانت تفاخرُ بكرستال ضوئها ظلمة وشاحبة ، والشمسُ
المعتدة بنفسها تشرق سوداء ، قد سُرِقت ضفائرُ نورها ، وخمرة الليل النواسي بلا طعم ، ليل أقسى من ليل – امريء القيس الذي شُدت نجومه إلى جبل يذبل ، والشجرُ الوارف الظلال يبحث عن ظلال ، وقد غادرتها عصافيره حين خانتها الزقزقة ، هاربة ببراءتها إلى اللامكان ، والظلام يحكم كلّ رمشةِ جفنٍ للنور :
شمسانِ سوداوانِ في أفقِ البلاد
تتجمعُ الأيامُ في ليلٍ طويلٍ
ليسَ من أثرٍ لزقزقة العصافير البريئة .. في الضفاف
وليسَ من شجرٍ سخيّ يستظلُ به العُفاة
كانَ الرجالُ الواهبون يُطوّعون البحرَ
يلتقطون لؤلؤه
وينتزعون من غاباتهِ المرجان
مازالوا هناك
ولمْ تعُد سفن مباركة إلى أعشاشها الأولى
وتُبجرُ في المحال
هل أوقفتها موجة الضفة البعيدة
أمْ تخطفها الظلام ؟ – ص89.
. الشاعرُ الكبير حميد سعيد والقصيدة توأمان !!
يبحث كلّ منها عن الآخر ، كتبَ وانكتبَ في آنٍ ، المسافرُ أبداً من القصيدة وإليها ، القصيدة – التعويذة ، وهي كل الزمن الماضي والحاضر والآتي ، والشاعر والقصديدة كلاهما لا زمنيين .
حميد سعيد وعلى امتداد مساحة أعماله الشعرية المثيرة ، داخلٌ في التجربة ، فقط ليجد مكاناً لهُ داخل نفسه ، أبداً في لحطة إنصات للذات – بوصلته ، لا ليعيدَ صوغ العالم ، بل ليخلق عالماً آخرَ بتضاريس ، وجغرافيا بإمضاء القلب ، ومادة القصيدة لديه هي الإنسانية .
حميد سعيد والكتابة هوسُها التحرّرُ ، وهو البارعُ في لغتهِ التفجيرية ، حيث توشوشُ الكلمة أخواتها لنصٍّ متمرّدٍ جميلٍ ، في براعة تجمع بين ” اللغة التداولية” السهلة الإيقاع
و” كأنهُ يقيم بيته في قلب الجمهور المتزاحم ” – بتعبير بودلير ، وبين ” اللغة الإبداعية” مصدر الجذب الدهشة ، ورؤيتهُ إنَّ الشعر والحياة شيء واحدٌ ، وحسب تعبيره :”أحسّ بالحياة حينَ أكتب ، وتتجدّد بالكتابة حياتي ، وحينَ أكتب أكونُ أقرب إلى الحياة “!!
حميد سعيد أسلوب مختلف الإيقاع والرؤى ، لا يُشبهُ أحداً ، ولا أحد يشبههُ ، وعبرَ تجربته الطويلة ، مُتجدّدٌ ، بل مؤسس لٍأسلوب في قصيدة الحداثة العراقية والعربية ، ولهذا هو يحتفظ ُ بمكانهِ اللائق في الفضاء الشعري والإبداعي العربي .
وهو القائلُ : ” لم أتوقف منذ بدايات تجربتي الشعرية عن أسلوبٍ واحدٍ ، واستمرت قصيدتي في حال متغيراتٍ ، تكادُ تكون دائمة ” !!