د. على خليفة يكتب السمات الفنية لمسرح الطفل عند عبده الزراع
لعل من أهم ما يميز مسرحيات عبده الزراع التي كتبها للطفل أن الطفل حاضر بقوة فيها، فهو الشخصية الرئيسة بها، ولم يختف الطفل عن الظهور في كل مسرحيات عبده الزراع للطفل إلا في مسرحية كوكب سيكا.
وتهتم هذه المسرحيات بعرض بعض قضايا الطفل خاصة قضية أهمية تسلح الطفل بالعلم والمعرفة؛ لمواكبة عصر العلم الذي نعيشه وتزيد فيه المعرفة بشكل واضح في كل لحظة.
ومن الواضح أن عبده الزراع قد جعل موضوع السعي للمعرفة والتقدم العلمي هو المحور الرئيس في أكثر مسرحياته للطفل، ففي أكثر مسرحياته للطفل نرى عرضا لهذا الموضوع، وتركيزا عليه، وأرى أن هذا التوجه في مسرحيات عبده الزراع للطفل يدل على وعيه بأهمية العلم في عصرنا الحديث، فهو مقياس تقدم الأمم وتحضرها، وقوتها في الوقت نفسه؛ ولهذا فإن عبده الزراع يدعو الأطفال في مسرحياته للطفل للتزود بالمعرفة والحرص على القراءة، كما نرى هذا بشكل واضح في مسرحية إمبراطور البلي، ومسرحية “أبو الأحلام في دنيا الخيال”.
ويظهر الكمبيوتر بأجزائه المختلفة مشخصا في بعض هذه المسرحيات، – كما نرى هذا في مسرحية النان ومسرحية القلم المغرور – وهو يعرف الأطفال بأهميته في ذلك العصر، ولكنه في الوقت نفسه لا يلغي القديم المتوارث في وسائل المعرفة التي يمكن الاستعانة بها، كالكتب والأقلام وأدوات الرسم وأدوات الهندسة التقليدية.
ويحث المؤلف الأطفال في بعض مسرحياته للطفل على اكتشاف مواهبهم في الاختراع والعمل على تنميتها، كما نرى ذلك في مسرحية “أبو الأحلام في دنيا الخيال”، ومسرحية كوكب سيكا، وعبده الزراع بذلك يحاول أن يبث في أطفالنا الحماسة؛ ليكون منهم كثير من المخترعين؛ لأنهم عماد الأمة الأساسي في نهضتها ومواكبتها الدول المتقدمة في هذا العصر.
ولم يغفل عبده الزراع في بعض مسرحياته للطفل تسليط الضوء على وجود بعض الأطفال ممن لم يكملوا تعليمهم لظروف صعبة تعرضوا لها – كوفاة أحد الوالدين أو كليهما – ولهذا نراه يستحث هؤلاء الأطفال على استكمال تعليمهم، كما نرى هذا بشكل واضح في مسرحية إمبراطور البلي.
وأيضا من القضايا التي يعرضها عبده الزراع في مسرحه للطفل قضية الصراع بين الجديد والقديم، وهو بلا شك ينتصر للجديد الذي يواكب التقدم العلمي، ولكنه في الوقت نفسه يدعو لعدم إهمال القديم الذي يمكن الإفادة منه، لا سيما ما يتعلق منه بموروثاتنا وعادادتنا، كما نرى هذا في مسرحية الفنان، ومسرحية القلم المغرور.
ونرى عبده الزراع يحث الأطفال في مسرحياته للطفل على التحلي بالقيم الحميدة، كقيمة مساعدة الآخرين ممن يحتاجون لمساعدتنا، وتقديم العون لهم، كما نرى هذا في مسرحية إمبراطور البلي، ومسرحية علاء الدين وملك، وكذلك يحثهم على قيمة التواضع وترك الغرور، كما نرى هذا في مسرحية القلم المغرور، وأيضا نراه يحثهم على قيمة احترام الآخرين وعدم السخرية منهم، كما نرى مثالا لذلك في مسرحية إمبراطور البلي.
وغالبا ما نرى عبده الزراع في مسرحياته للطفل يقدم بعض المعلومات العلمية لهم؛ حتى يعرفوها، وتستثار لديهم الرغبة في معرفة المزيد من هذه المعلومات بالقراءة والاطلاع، ونرى عبده الزراع يقدم تلك المعلومات العلمية بأسلوب سهل بسيط وبشكل سريع لا يبطئ الإيقاع الدرامي في مسرحه للطفل، كما نرى مثالا لذلك في مسرحية القلم المغرور حين تتحدث كل أداة من أدوات الهندسة عن فوائدها، وكذلك نرى مثالا آخر لذلك في مسرحية “أبو الأحلام في دنيا الخيال” في ذكر معلومات بسيطة عن كواكب المجموعة الشمسية.
وكذلك من خصائص مسرح عبده الزراع للطفل بساطة بناء مسرحه، فهو لا يلغز ولا يتجه للغموض فيه؛ وذلك حتى يتجاوب معه الأطفال الذين يتلقون هذه المسرحيات؛ سواء أكان هذا التلقي عن طريق مشاهدتها أو قراءتها.
ولكن يعيب البناء الدرامي في بعض مسرحيات عبده الزراع للطفل وجود بعض الاضطراب فيه، وقد يكون سبب هذا الاضطراب وجود حدثين في بعض هذه المسرحيات، ولا يوجد رابط قوي بينهما، كما نرى هذا في مسرحية علاء الدين وملك، وكذلك يظهر هذا الاضطراب في بعض مسرحياته للطفل في وجود أحداث كثيرة وأفكار عديدة في بعضها، مما يضعفها، كما نرى هذا في مسرحية سر الأسرار، فعلى الرغم من أن هذه المسرحية قصيرة، فقد احتوت على عدة أحداث يصعب الربط بينها، كما تعددت الأفكار فيها، ومن الأفكار التي تدعو إليها هذه المسرحية أهمية الاعتماد على المعرفة، وضرورة المزج بين الحكمة والقوة، وكذلك من الأفكار التي نراها في هذه المسرحية أن المعرفة تفتح كل الأبواب التي يصعب فتحها، وكذلك من أفكار هذه المسرحية أن من يعمل خيرا فلا بد أن يحصد خيرا، وأيضا من الأفكار التي تدعو إليها هذه المسرحية أن الإنسان هو سيد المخلوقات على هذه الأرض، وأن الله قد ميزه بالعقل الذي يستخدمه من أجل الارتقاء بالحياةعلى الأرض، ومساعدة كل المخلوقات التي تعيش عليها، خاصة الحيوانات.
ومن المعروف أن المسرحية بشكل عام – ومسرحية الطفل بوجه خاص – لا بد أن تحتوي على فكرة واحدة تشملها وتوحدها، وهي ما يعرف أيضا بالمقدمة المنطقية.
ونرى أيضا من مظاهر الاضطراب في البناء الدرامي في بعض مسرحيات عبده الزراع للطفل ضعف بعض النهايات فيها، كنهاية مسرحية إمبراطور البلي، فقد انتهت المسرحية بحل مريح للحدث الداخلي بها، ولكن الحدث الخارجي بها بقي بلا حل، فلم نر أثر هذا الحدث الداخلي على الطفل ميشو في نهايتها، لا سيما في استيعابه الدرس من ذلك الحدث الداخلي بها في توقفه عن الشقاوة والشغب.
وأيضا من سمات مسرح عبده الزراع للطفل أننا نرى حواره فيه يتصف بالرشاقة والقصر، ووجود مسحة من الكوميديا فيه، كما أنه غالبا ما يعبر خلال حواره عن كل شخصية بما يتناسب مع الصفات الموجودة فيها، ومثال على ذلك أننا نرى حوار ميشو في مسرحية إمبراطور البلي يعبر عن كونه ليس عنده أي قدر من الثقافة، وفيه قدر من “الفهلوة”، ومع ذلك فلا نرى في كلامه أي إسفاف، وهذا بالطبع مما يحسب للكاتب والشاعر عبده الزراع.
وكذلك من خصائص مسرح عبده الزراع للطفل أنه يمزج فيه بين الحوار النثري ووضع الأغاني، ومعظم أغانيه في مسرحياته للطفل تتصف بالجمال والعذوبة؛ مما يسهل تلحينها، ويجعل الأطفال يحفظونها، وهذا عن الأغاني التي كتبها بالعامية، أما الأغاني التي كتبها بالفصحى في بعض مسرحياته للطفل، فهي فيها خلل كبير في الوزن، وأنصح المؤلف بألا يكتبها مرة أخرى في أي مسرحية من تأليفه، وعليه أن يشير للمواضع التي يمكن وضع أغان باللغة العربية الفصحى فيها؛ ليكتبها شعراء متخصصون في كتابة شعر الفصحى للأطفال.
وكذلك من السمات الفنية لمسرح عبده الزراع للطفل تنوع عناصر الكوميديا فيها، وهو كثيرا ما يمزج بينها في مسرحياته للطفل؛ مما يزيد من جرعة الضحك فيها حين تلقي الأطفال لها، ومن عناصر الكوميديا التي يستعين بها في مسرحه للطفل المواقف الكوميدية، كما نرى هذا بشكل جيد في مسرحية كوكب سيكا، لا سيما عندما نرى فيها شخصين ساذجين يدخلان صاروخا، وينطلق بهما للفضاء، فتحدث منهما مواقف مثيرة للضحك.
وكذلك نرى عبده الزراع يستعين بالتكرار كوسيلة كوميدية يحبها الأطفال – لاسيما أطفال مرحلة الطفولة المبكرة – كما نرى هذا في مسرحية القلم المغرور؛ في تكرار فهمان وأمه لاسم الأستاذ خلوصي بشكل خاطئ يثير غضبه.
وكذلك من عناصر الكوميديا التي يستعين بها عبده الزراع في مسرحه للطفل توظيف الأنماط الكوميدية بها، كنمط الشخص الشديد الغرور، والكثير التباهي بنفسه – ولا شك أنه سيلقى جزاءه على ذلك الغرور والتكبر – كشخصية القلم المغرور في مسرحية القلم المغرور.
وأيضا من الأنماط الكوميدية التي وظفها عبده الزراع في مسرحه للطفل نمط الشخص الساذج الذي يثير الضحك بكلامه وأفعاله، لا سيما حين يتم وضعه في مواقف مثيرة للضحك، كما نرى هذا في مسرحية كوكب سيكا، وفي هذه المسرحية نرى نمطا آخر مثيرا للضحك هو الشخص المتزمت الذي يحلو له أن يأمر الآخرين، ولكنه هو نفسه يظهر كسولا ولا يميل للعمل، وقد جسد هذه الشخصية في هذه المسرحية الشاويش حسان.
وهذه أهم السمات الفنية لمسرح عبده الزراع للطفل، وقد سلطت الضوء عليها في هذا المقال، وأعتقد أن هذا الموضوع في حاجة لدراسة موسعة.