أخبار عاجلةساحة الإبداع

منى محمد صالح تكتب امرأةٌ تنبت أزهارَ العزلةِ بين أصابعها

شعر

منى محمد صالح تكتب
امرأةٌ تنبت أزهارَ العزلةِ بين أصابعها

 

وحدها الريح تعرفني،
لا أملك سوى ملامحي التي لم تروّضها المرايا،
عاريةٌ من كلِّ انتماء.

امرأةٌ، بخفّة غيمةٍ، تعبرُ نافذةَ الليلِ
وتذرُ خطى ارتباكٍ دافئ
وعطرَ وداعٍ قديم…
دونَ التفات.

عبثاً أرادوا لي أن أكون:
خفيفةً كظلٍّ يتلاشى دون أن يتركَ أثراً،
هشّةً كارتعاشةِ شمعةٍ في ممرٍّ مهجور،
كحزنٍ يسقطُ على حواف الذكرى،
صورةٍ باليةٍ على جدرانِ الرثاء.

لكنني لم أكن يوماً ظلاً،
ولا حريراً،
أو إطاراً يُعلَّقُ في ذاكرةٍ باردة.
دوّامةٌ تبتلعُ المدى،
وتمحو أثرَ المسافات.

تحملني إلى حيث لا أرى…
امرأةٌ يتناثر الليلُ نديّاً في عينيها،
تغزلُ من أحزانها شِباكاً للضوء.

أنا امرأةُ هذا التيه …

أعيد ترتيب أصداف الحنين
والأسماءَ المنسيةَ في أسفارِ اللغةِ الأولى

لم أكن يوماً امرأةً تخاف الوقوعَ في الحب،
لكنني أخشاهُ؛
أن يكون عابراً كأفقٍ بعيد،
أن يولد أعزلاً،
طيفاً بلا جسد.

أن يغيّر النهر أسراره،
كلما إلتقى بعاشقين مثلنا

أخشاهُ، حين يُقال على عجلٍِ
ينسى تركوازيّة الأبديّ،
وأغنيات الأيائل في إنحناءاتٍ الغيم

أن يكون وحيداً مثلي،
أو يأتي متأخراً… متأخراً،
كغريبٍ يبحثُ عن اسمٍ في مدينةٍ تجهل حرائقه.

تستفيق الذاكرةُ من موتها المؤقّت،
ترتدي وجوهَ العابرين،
تُنزف كأمنيّةٍ لم تولد بعد.

فالذين يُبرعون في فنِّ الرحيل،
لا يُحسنون قراءةَ فصولِ العودة..

ولا أولئك الذين يطرقون الأبوابَ بكفٍّ من ندم،
يعرفون كيف ينصتون لصدى الرجاء.

أن تنجو من هذا العبء الشفّاف،
كطائرٍ يحترقُ في أعالي السماء،
ثم يعودُ رماداً،
يتسلّل خفيفاً مع الريح…
دون ظلالٍ،
دون ملامح،
تشبهه.

ليتكَ لو عرفتني قليلًا…

أنا امرأةٌ يسكنها نزقُ البدايات…
تبحث خرائط اللهفة في صدرها عن لحن غائب
غيمةٌ تمضي بي إلى أبجديّاتها الساربة،
قلبٌ يعرفُ طُرقاتِ نزفهِ الحنون.

كنتُ أبحثُ عنكَ كثيراً…

عن دفءٍٍ لا يغادره الضوء،
قُبلةٌ مشتهاة،
نديٌّةٌ كارتعاشةِ وشمٍ قديم.

عشتارُ القصيدةِ حين تنهضُ من رمادها،
ثم ترحل…
وتتركني
في نغمةٍ واحدة،
معلّقةٍ في سماءٍ متّسعة،
وصوتٍ ينكسر
على أزمنةٍ لا تعرفُ أسماءنا.

لم أبحثْ أكثرَ من ملاذٍ في عينيك،
امرأةٌ يرتبكُ ندى أنينها،
كلّما اشتاقت إليكَ،
كما لو أنّ العالمَ لا يحتاجُ أكثرَ من عناقٍ
كي يصبح أقلّ وحشة.

ضوءٌ خجولٌ لا يُفلتني،
طاولةٌ لا تضجُّ بالأسئلة،
ولا أكثرَ من وقتٍ
لا ينفرطُ بيننا كظلٍّ يذوبُ عند المساءِ.

أنا امرأةٌ تنامُ على تنهيدةِ عشقها ..
كأنّها النبضةُ الأولى لكلّ شيء،
مَجذوبةً إلى قلبي
منذ نداءٍ خفيٍّ، بعيد.

كلُّ ما أردتُه؛ يدًا تتلوُني…
كما تُتلى قصائدُ الشحاذينَ على أبوابِ الكنائس،
صوتاً يتكئُ على أكتاف الحنين
مثل عطرٍٍ ينسى كيفَ يتبدّدُ شذاه في أزقّةِ المدائنِ القديمة،
والسالكينَ في صحراءِ القلب.

امرأةٌ تُطرّز فساتينَ التعبِ مثلَ زهرِ الليل،
تحوّلُ غنجَ أغنياتها إلى مشيٍ مترنّح،
نزقٍ حنونٍ، أستقيمُ به..
على مهلٍ.

كنتُ أجهلُ، أن الرجالَ يخشَون النساءَ اللواتي لا تُقدَّمُ لهنّ تذاكرُ العبور،
يهابون امرأةً تجلسُ بثقلِ وضوحها،
تُتقنُ الصمتَ كما تُتقنُ الغياب،
تحفظُ خرائطَ الرحيلِ جيداً.

وتتمتمُ بالأغنياتِ القديمة
في غفلةِ الريح،
كما لو أنها…
تُبصرُ حقيقتهم لأوّلِ مرّة.

امرأةٌ تُجيد تحليقَ مخاوفِها
فراشةٍ تحملها الريح
بلا قيدٍ،
بلا تسارع،
بلا سقوط.

أردتُ أن أكون هدنةً تُشبهُ حضناً في آخرِ التعب،
خفقةً تنجو بصمتٍ،
لا تؤجِّلُ غناءَ السفرجل
غيمةً لا تسألُ متى تمطر،
نهراً لا يحتاجُ إلى ضفافٍ ليعترفَ بجريانه.

أنا امرأةٌ تغفو أحلامُ الأطفال، والملائكة، والدراويش على وجنتيها،
رَشقةُ نجومٍ حالمة،
كأغنيةٍ في مهدِ الليل.

كنتُ أرسمُ خطواتِنا البعيدة،
وتواريخَ اللقاءاتِ المفقودةِ بيننا،
أتركها تنامُ في يدي كطينٍ لم يُشكّل بعد،
ريحٍ تذروها خرائطُ البكاءِ الشاردة.

امرأةٌ تنبت أزهارَ العزلةِ بين أصابعها
دفءٌ يُراقص همسَها في المساءاتِ المتعبة،
يتسلّلُ خفيةً في خاصرةِ الليل،
سحرٌ يتلعثم في عينيها

ليتكَ لو عرفتني قليلًا…

كنتُ فقط، أريدُ أن أراني في عينيك،
سماءً أقلَّ زرقة،
نرتديها في زمنٍ آخر،
أكثرَ قابليّةً للنجاة،
لأنكَ هنا.

أن أُخبركَ يوماً:
لا بأس إن مرَّ التعب،
سأغفو لحظةً في عينيك،
أربتُ على كتفِ المسافاتِ بيننا.
وتهدأ في القلب
فوضى الصهيل.

لا بأس إن شعرتَ بالضياع،
سأترك بوحاً يشبهنا، على الطرقاتِ المنسيّة،
وسأمنحُ سربَ الغيماتِ عشبَ الحنين،
كي تعرفَ طريقَ الرجوعِ إلينا.

لم أبحثْ عن الكثير…

سوى وطنٍ لا يسألني عن اسمي في كلّ ممر،
قلبٍ لا يلبسُ ثوبَ خيباتنا المؤجّلة.

ذاكرةٍ، لا تُخطئ مواعيدَها،
لا تزرعُ في كفّها احتمالاتٍ مهجورة،
ولا تقبلُ بأنصافِ الحزن،
حين تصلُ خاليةَ اليدين،
مثقلةً بالجراحات.
يُضيئها ارتجافها…
كما لو كانت…
اعتذاراً غير مكتمل.

برمنجهام 8 أبريل 2025
#منى_محمّد_صالح #شعر #نصوص

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى