أحمد فاروق بيضون يكتب المتخيل والأنا المتشظية في راهبة الريح لمنال رضوان

حاولت إيغال عدسة الكاميرا هناك حيث تلهث تلك الأنا الملتاعة وراء ثلاث: الريح – العزلة – المسافات؛ فلم أجدني أقوى على تأويلها في هذا العالم الأسود ولكن في ذاك المتخيَّل من عالم مواز تتصومع في جنباته راهبة الريح، لا غرو بأن تلك الأنا المتشظية ترفل في الوجود كجسد عاث في الظلام ويكاد لا يبين شمسا من أمل وحقيقة ومحجة بيضاء _ بلْ أن الأدهى من ذلك العجز هو الرعونة وانعدام الكياسة وتفرس الوضع الراهن بأنها في عزلة قميئة تبكيها وترثي لحالها، إنها راهبة منبثَّة من تلك الكائنة التي تسرد أبياتاََ شاعرة مثخنة بالأسى وممجوجة بالندم، لاشيء – كأنَّ ميلان كونديرا يستلهم كائنه في مهب الريح ومغبة روتين ممل، أو أنه مسخ كفكاوي يعربش في جهات أربع فقدت اتزان بوصلتها، تلك النقرات الملتهبة ترصع جبين جسد انبجس في قدسية راهبة زهدت ملذات الدنيا وأسلمت ذاتها الخبيئة إلى الخواء، باتت تلك الراهبة تسعى بين الذات الشاعرة وأناها تتلبس هيئة ريح هبوب عرمرم تطأ أطلالا من ذكريات مهلهلة ولا تصل حتى اللحظة، لا شيء يذكر عن آثرتها سوى بقايا نخالة ثم تمضي لحال سبيلها؛ لتتحفنا القاصة بزيف الحقيقة وازدواج العزلة بين عزلتها عن ذاتها من جهة واستلابها عن العالم كشيء مهمل ينتظر نباريس هداية من راهبة أو صكوكا الغفران للتطهر والخلاص، ما العزلة إلا مرآة تعج بالقبعات التي تكسو كل ما مضى من ماض تليد بلا أوبة، ربما تحمل في حشاشها أبابة ونوستالجيا لحديث كأسنمة أزلية مضت في تاريخها السحيق وأماطتها من حاضرها، لربما أحدثت الصورة العميقة والمشهدية الفائقة ارتباكاََ أ شيئا من التناقض قصدته الشاعرة ليفطنها كل من شاح ببصره للكلمات بأنها العزلة حرية وقيد في نفس الوقت، إنها تستجدينا وتطنبنا بتأويل المسافات؛ ليتبدى بصيص شعاع على إثر تلك الخرافات من رؤى واضحة، لتبرهن ولاتجتث صورة غائبة بأن الظل الذي يراوغها ويستحوذ على أناها لم يعد يلاحقها، كأنها تتخلى عن الأنا أو قد تمادت في جلد الذات حتى استيقنت بأن ما مر من ده راسف وحاضر مجهول لا يستحق كل العناء لدرجة الاستغناء، ربما كان الظل جاثما هناك حيث صقيع وقرٍّ يتوسد محيطها، يترقب عن كثب كلصٍّ سرق الكثير من رضاب ولم يظل إلا جسم بلا روح ينزوي بين دثار المصير.
دام الإبداع والعطاء شاعرتنا الملهمة في لغتها ونسقها ونسيجها وكأن الريح مازالت تحرك الحروف بحثا عن راهبة في محراب بيارق الشعراء.. السؤال الذي يفرض نفسه عند خط النهاية: هل يمكننا العيش بدون الأنا أوننتظر راهبة الريح لتهدينا طوق النجاة؟.. طوبى للغُرباء!
قراءة تفكيكية بقلمي / أحمد فاروق بيضون
***************************
(راهبة الريح)
هناك..
لم تُصدّق الأنا عزلتها
نفضت الشمس برعونة،
جبينُ انتظاري ترصعه
نقراتُ أنامل من لهب
نظرت إلى الجهات الأربع
كمن سئم أن يكون الخواء مركزًا
الريحُ..
راهبة متعبة،
مرّت على أطلالِ ما بيننا، ولم تصل
نثرت نخالتها في دروب رطبة،
ومضت!!
العزلةُ..
لم تكن قيدًا؛
بل مرآة تكسوها البقعات،
تلامس ما ودعته خلفك،
حين لا يعود في الغد ما يُرتجى
أعتذر عن ذلك الارتباك؛
لكن بين الضوءِ وهذه الخرافاتِ
ثمة مسافة؛
تخبرنا أن ظلها المراوغ
لم يعد يتبعها…
إنما يختلس النظر إليها،
كلصٍ أتعبه الصقيع!
#منال_رضوان





