دراسات ومقالات

سيد سليم بين الكاتب والداعية المعتدل



كتب :  الجميلي أحمد

سيد سليم بين الكاتب والداعية المعتدل

الأزهري كشف سر التطرف منذ عشرات السنين

الرواية تكشف ظهور التطرف في مركزي أبنوب والفتح

تمثل رواية الأزهري والجماعة للكاتب سيد سليم معايشةً حية وواقعية وتجربة حقيقية لما دار بين الأزهري وبين تيارات الجماعات الإسلامية من حوارات حدثت على أرض الواقع اتخذ بعضها طابع الهدوء أحيانا واتسم بعضها بالنقاش الحاد والمجادلة العنيفة في أحايين أخرى.

 وقد بدأت هذه الحوارات منذ كان طالبا في التعليم الثانوي الأزهري، فالجامعي ثم من خلال عمله في التدريس والدعوة. كل هذا أتاح له أن يعيش تلك التجربة الحية علي أرض الواقع ويتعامل مع أصحاب الفكر المتطرف في شتى مواقعهم ومختلف مراحلهم العمرية التي يغلب عليها طابع الشباب، حيث يمثل الشباب فيها أكثر من تسعين في المائة، خاصة في المرحلة العمرية المنحصرة بين الخامسة عشرة والأربعين. وهؤلاء الشباب وقعوا فريسة لجبابرة الفكر المتطرف الذين تحركهم دوافع الزعامة وتيجان الإمارة والأحلام الواهمة التي لا تجد  لها مكاناً علي أرض الواقع إلا في تصوراتهم الخاطئة وأوهامهم الكاذبة وأفكارهم الزائفة التي غلفوها بغلاف الدين لتحريك العواطف وشحذ الهمم؛ للخروج عن صحيح الدين والمروق من سبيل الجماعة، علموا بذلك أم جهلوا.

وعن سبب الكتابة يقول الأزهري  ( سيد سليم ) عن نفسه:
 جاءت فكرة الكتابة في مجملها (كتاب أو رواية) عن إلحاحٌ داخلي منذ كنت طالبا في السنة الثالثة من جامعة الأزهر وهي من أخصب سنوات العمر في العطاء الروحي والفيض الإلهي والمدد الرباني ولازلت أتذكر هذا العام 1987م وما أيدني الله فيه بيان بعدهم عن الرشد واتباعهم لتيار بعينه متطرف خارجي عند جمهور علماء الإسلام، وقد اتضح لمعظمهم بعد حين صواب ما كنت عليه، وخطأ ما كان عليه شيوخهم، وكم أيدني الله ـ عز وجل ـ في معاركي الدعوية والفكرية عليهم وأمدني بانتصارات علي هؤلاء المتطرفين الخارجين علي الجماعة. 
وتمضى الأيام والشهور والسنوات التي انهمكت فيها في تقويم ومقاومة التيار المتطرف علي صورة أوسع ومساحات مكانية وفكرية أكبر لدرجة جعلتني متخصصاً في هذا المجال مما حفزني أن يكون الرد علي هذا التيار المتطرف شاغلي الأول؛ لأنه يمثل أكثر التيارات خطورة، وقد زاد وطغى في تلك الحقبة.
 وظلت تلك الحوارات والمعايشات مجرد ذكريات تروى في أكثر من منتدى ثقافي وحوار فكرى أو مجابهة مشابهة تستجد بعد اعتقال غالبية هذا التيار.
ويكمل سيد سليم قائلا عدت من اللقاء إلى قريتي (عرب مطير) وكلي إصرار علي إخراج هذا الكتاب من المذكرات والذاكرة؛ تنفيذا للوعد والموعد المتفق عليه بيني وبين الأستاذ خالد بتسليمه النسخة المخطوطة في يناير1995 وبدأت الإعداد والكتابة، وفي أول صفحة من المقدمة وجدت نفسي في حوار داخلي دفعني إلي التوقف عن فكرة نشر الكتاب بدافع المروءة وقلت في نفسي: “كنت أحاربهم وهم طلقاء أقوياء وهم اليوم ضعفاء أسرى ومن طبعي أن أعف عن محاربة الضعفاء أو الأسرى”. وصار هذا الموقف وتلك العبارة حديثا بيني وبين الكثيرين بعد ذلك ـ وكان قد مر على اعتقالهم جمعيا ما يقرب من عامين ـ وانتهى الأمر بالنسبة لي عند هذا الموقف. 
كنت قد أخبرت البعض بعزمي على تأليف هذا الكتاب وبموعد تسليمه للناشر فجاءني أحد الذين شجعوا وباركوا تأليف الكتاب وسألني: إلي أين وصلت في الكتاب؟ فقلت: في المقدمة توقفت؛ فسأل: لماذا؟ فقلت له: كنت أحاربهم وهم أقوياء طلقاء أما وقد أصبحوا ضعفاء أسرى فإنني أعف عن منازلة الأسرى.
فضحك فرحا علي بلاغة العبارة وقال: رغم جمال التعبير إلا أنى أختلف معك في المضمون فقلت هات ما عندك، فقال: يا أخ سيد أ أنت تحارب الأشخاصَ أم الأفكار؟ فقلت: أحارب فكرا يحمله أشخاص غير موجودين الآن فقال: إن من الواجب عليك وقد عشت تجارب حقيقية مع هؤلاء الشباب أن تبين للناس مدى ما هم عليه من فكر منحرف، ثم قلت لهذا المحب لي الكاره لهم: أعلم أن الفكر لا يموت بموت أصحابة أو تغييبهم، ولكن أعشم في تقديرك لموقفي الذي فرضته المروءة. 
**
                      
بداية الرواية
1
ـ وكانت البداية في رحاب الأزهر 
في عام 1979م التحق الراوي بالسنة الأولى الثانوية الأزهرية، وكان تيار الجماعة الإسلامية قد توغل في المدارس والجماعات ليجذب إليه كثرة من الشباب الغض إلا أن الأزهر الشريف بمعاهده وجامعاته كان مصدا لهم؛ فلم يستطع هذا التيار اختراقه اللهم إلا من قلة نادرة ورثت هذا الفكر عن طريق معايشتهم لبعض أهلهم وجيرانهم المنتمين للجماعة الإسلامية، وكان من هؤلاء القلة زميلان له التقى بهما، وبعد التعارف عرضا عليه بعض المطبوعات الخاصة بالجماعة الإسلامية وهى عبارة عن كتيبات صادرة عن رعاية شباب اتحاد طلاب جامعة القاهرة في سلسلة تحمل عنوانا ثابتاً (صوت الحق ـ الجماعة الإسلامية) اشترى منها كتابا اسمه (نظام الحكم في الإسلام) 
ودارت بينه وبينهم حوارات ومناقشات حول الجماعة وأسلوبها ومنهجها والهدف من وجودها. 
كان من الطبيعي أن يجد إلحاحا من زميليه للانضمام إلي الجماعة، إلا أنه كان يقابل ذلك بالرفض التام وكان قوى الحجة محصن الفكر في مناقشاته وردوده وكان يرى التبرم والضيق علي وجهيهما بسبب ما كان يثيره من تساؤلات محرجة لهما وكان من بين هذه الأسئلة التي كان يسوقها بانفعال، ولم يجد جوابها لها:
* لماذا تطلقون علي أنفسكم اسم (الجماعة الإسلامية)؟!
 *ولماذا تجعلون الإسلام حكرا عليكم وحدكم؟! 
*وهل كل من لا ينتمي إليكم يعتبر من غير الجماعة الإسلامية!
 وكان يجيب موبخا لهما: 
إن أساس التسمية لديكم خطأ وفيه مدح وتزكية لأنفسكم وفيه اتهام لغيركم وكأنكم وحدكم مسلمون وسواكم غير مسلمين وانقطع الحوار بينه وبينهم؛ بسبب عدم جدوى حوارهما، وبعد عامين سمع باعتقالهما بتهمة أحداث عيد الأضحى واغتيال الرئيس السادات ـ رحمة الله ـ ولم يلتق يهما بعد ذلك والله أعلم أين هما الآن. 
   **                           2 
غزو قريتنا 
قرية ـ عرب مطير ـ إحدى القرى التي تحتضنها صحراء أسيوط الشرقية وهى أصل قبيلة مطير في مصر ولها فروع في أسيوط كعرب مطير المطمر مركز الساحل، وعرب مطير البداري، وفي أكثر من محافظة كالشرقية والصف والفيوم والمنيا وقنا.
ويشتهر أهل القرى بالكرم والمروءة والتدين الطبيعي، وللقرية نظامها الاجتماعي الذي يسوده نظام العائلات كما يرتبط أغلب أهل القرية بصلة القرابة أو المصاهرة فيما بينهم ويأخذ أهل القرية أحكام دينهم عن الفقهاء وقراء القرآن الكريم.
بدأ أمراء الجماعة الإسلامية في مركزي أبنوب والفتح غزو القرية عن طريق استقطاب أحد الأفراد المحتكين بهم والذي أطلق لحيته وتم تعيينه أميرا للقرية ـ وهو شباب موظف في الصحة وكان والده أحد معلمي أهل القرية أحكام الفقه في الدين فقيها نابها معتدلا في فكره لم يكمل تعليمه الأزهري؛ لظروف اجتماعية، إلا أن ابنه هذا لم يستفد من علمه؛ فقد قد توفي الوالد قبل نضج هذا الابن الذي جاء على كبر ـ   وبدوره استقطب الأمير الشاب مجموعة من الشباب الذين كانوا يذهبون بصحبته إلي أمراء الجماعة في المركز الرئيس (أبنوب) لتلقى الفكر الجماعاتي على أيديهم.
 بدأ هؤلاء الشباب بقيادة الأمير يعرضون فكرهم علي الناس في المساجد وعن طريق انتداب الأمراء الكبار في المركز وقد اتخذوا أكثر من مسجد كمنابر لدعوتهم وبث فكرهم الجديد الغريب على أهل القرية وبدأ الناس يتسامعون عن حماس هؤلاء الشباب وما لهم من نشاط دعوى في أكثر من مكان وصار الناس ما بين مادح لهم وقادح فيهم إلي أن حدثت أكثر من مفاجأة تستدعى المواجهة.
x

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى