أرواح صغيرة بقلم مهرائيل هاني
“ أرواح صغار ” فكرت يومًا قائلة في نفسي؛ هل نداء صوت ضحايا الطفولة يسمعه العالم الغارق في المادة، والذخيرة، وجني الأموال؟ هل أنينهم يوقظ الواسنين فى الأبراج الباهظة التي هي أيضًا بُنيت من تعب أناس لا يجدون فى مسائهم إلا لقيمات خبز يمضغونها بصمت؟.. أين أحلام طفولتهم؟.. ألم نستطع سماع صوتهم أبدًا؟.. أم حولنا صوتهم إلى مقطوعات موسيقية نسمعها بأذن المنافق ونصفق للعازف، ومن ثم نعرض وجهنا لهم، ونتوجه عائدين إلى ملاذات الحياة، التي نغرق فيها، غرق السباح في الأمتار الأولى! ما شعورنا تجاه أنفسنا أولًا حين نرى طفلاً وهو ينظر لقطعة حلوى لا تصلها يده؟ آهٍ لطفولة؛ فرحنا برؤيتها لأول مرة-فقط-ثم وبدون أي تعقيب؛ أخرسنا آلامها وآمالها للأبد.. لابد وأن نتفق جميعًا على أن هؤلاء الأطفال هم ضحايا المجتمع وليسوا بأطفال شوارع، ضحايا ظروفهم الأسرية والاجتماعية والمجتمعية أيضًا.. هم ليسوا مجرمين بالفطرة ولا مشردين برغبتهم، بل قذفت بهم الظروف القاسية التي كانت هي أيضًا أقوى منهم.. جعلتهم ضائعين، مشردين، لا مأوى لهم، لا طعام، لا شيء يحميهم من البرد القارس فى الشتاء، لا يستطيعون توفير قوت يومهم.. جراء ما يتعرضون له من رفض مجتمعى. يعيشون في أزقة الشوارع، تحت الكباري، في القطارات المخزّنة، على الأرصفة.. ياصديقي، هم أطفال بريئة قذفتهم الظروف القاسية ليصبحوا هكذا.. جزء كبير من هؤلاء الأطفال مازالوا يعيشون في نفس الظروف، بل أسوأ.. والأغلب إن لم تأخذهم عربة الدوريات، تقذف بهم الشوارع إلى الخطيئة التي يرفضها المجتمع.. لماذا لا ننظر لهم؟ لماذا لا نسعى لإنقاذهم من التشرد والضياع والمصير المظلم الذى ينتظرهم؟ فإنقاذهم هو إنقاذ جزء من مستقبلنا-ومستقبلهم– لابد أن نتذكر أنهم لو اختاروا هذا المصير بأنفسهم وما فُرض عليهم؛ الظلم والفقر والحرمان لما تعرضوا للإنحراف والضياع.. أتعلموا كيف يعيش هؤلاء الصغار؟ أطفال يعيشون على هامش الحياة وعلى هامش المدن وعلى هامش الطفولة أيضًا.. لا يغطى أجسادهم سوى قطعة ممزقة من القماش البالي.. وجوه متسخة تغطيها الحزن والتعب.. تلفح وجوههم الشمس الحارقة.. أضناهم الفقر والجوع والحرمان.. فما أن يلبثوا ويكبروا، وينتهون من طفولتهم، حتى يصنع منهم الشارع العاطل والقاتل والسارق وتاجر المخدرات حتى نلقى بهم فى السجون، دون أن نسأل عن الأسباب ودون أن نتهم أنفسنا أولًا بتهمة صانعي القتلة والمجرمين.. أتتوقع من طفل عاش حياته فى الشارع يبحث عن قوت يومه في صناديق القمامة أن يصبح طبيبًا أم سفيرًا للنوايا الحسنة أم شرطيًا يحمي الوطن؟!! أيتها الشعوب فى كل العالم نحن ملتزمون بمطالبة الدول والحكومات بضرورة منح الفرص لهؤلاء الصغار.. ومنع كل الممارسات التى تقع ضد هؤلاء الأطفال.. ونقر مبدأ لاحترام آدميتهم والتعامل معهم كأنهم أطفال لا مجرمين.. ومن أجل هؤلاء الأبرياء نرفع أصواتنا في كل مكان حتى يعم الخير والرحمة.. ولنعمل معًا لايجاد رعاية اجتماعية وتعليمية وصحية وأمنية وعدالة لدعم وقاية هؤلاء الأطفال من كل أنواع الظلم والاستغلال… ” الرحمة حياة تُعاش وكل ذى رحمة فهو إنسان عظيم “