حديث الرصاصة العمياء ل محمود جمعة
استوقفتْني والريحُ تذهبُ بي: – هل أنتَ (محمود) الذي… – نعم سيّدتي، لكنّني لم أهضم الدنيا، لفظتُها مرّتَين وهي تلوكُني؛ فصرتُ في خارجِها شهاباً تائهاً في الفضاء.. – ألستَ (محمود) ال…. – نعم نعم، عشتُ أيام الغربة الصدئة أخلعُ الرصاصةَ العمياء من عينِ عصفورٍ أرادَ الصيادُ قتْلَهُ لكنّهُ تمسّكَ بصدرِ طفلةٍ دافئ يعرفُ أنّها سريعةُ البكاء… – أنتَ لا تكفُّ عن الكلام! أردتُ أن أقولَ: أنت مَن…. – أوافق يا سيّدتي، على اتهامك. أعترف بأنّني سرقتُ عشرينَ قلباً فضيّاً وقيّدتُ عشرينَ روحاً لؤلؤيّة وتلمّستُ مئات الجلودِ الناعمة وصرعتْني عشرونَ فاتنة لكنّني مقيّدٌ الآن للوراء، لا ألوي على شيء.. – أتعبتَني! ألا تسمع؟ كل ما أردتُ قولَه إنّهم… – لا يا سيّدتي، هم كاذبون. لم يمنحوني إذناً لأعيش داخلي لقد أغلقوا صدري.. لم يتركوا مساحةً للعابرينَ في دمي وعلقوا على جدار القلب (وللحريّة الحمراء باب)، لكنّنا أغلقناه؛ فعادَ كلُّ مَن دعوتهم ولم يحضر أحدٌ العشاء الأخير… – استمع إليّ مرةً واحدة! قالت عنك… – صدّقيها يا سيدتي، دخلتُ غابات الليل في عينيها وحيداً صادقتُ الوحوشَ في جنونِها وعزفتُ على بلابلِ حزنِها وحطّ نهدانِ أخضرانِ على يديّ وجرى جدولُ الحنينِ بينَنا يقطرُ الغرامَ لكنّني خرجتُ خائفاً دون أن أغتسلَ بدموعِها مَرّة.. – يا محمود، أرجوكَ استمِعْ إليّ مرّة! أأنت… – أنا أسكنُ الناسَ والشجرَ أبيتُ ليلةً في جيبِ طفلةٍ يتيمةٍ قطعةَ حلوى.. وليلةً في صدرِ أرملةٍ تنهيدةً أخيرةً.. أشي للزهور بموعدِ الرياحِ وأنطلقُ لأعلى لأُسقِطَ الرّطبَ للصغارِ وأنامَ فوقَ النخلة.. – تمهّلْ.. أسالُك عن… – لا أعرفُ يا سيدتي، مقدارَ عزلتي فآخر حرفينِ نطقتُ كانا “صه”.. ناديتُ بهما قلبي، فكفَّ عن النزيفِ، فقهقهَ الوطنُ ومنحَني رغيفاً واحداً وشهادةً بأنّني من قومٍ (صالح) ولستُ من أهلِ (عاد).. – أقسمتُ لو فتحتَ فمَك س…. – لا تقسمي، أجيبي مَن أنت؟ – أردتُ أن أقولَ لكَ منذ البدايةِ إنّني أنت.