دراسات ومقالات

المستشار محمد عبد العال يكتب تحت الأقدام

المستشار محمد عبد العال يكتب
تحت الأقدام

افترضنا في المقال الأول من سلسلة حكايات منسية عودة الحياة إلى كلوت بك  لنجده يرتمي تحت أقدام الخديوي إسماعيل لإلغاء تسمية شارع كلوت بك بهذا الاسم نظرا لسوء سمعته، وفي المقال الثاني عاد الخديوي إسماعيل من منفاه في تابوت بعد أن غادرته الحياة في الليلة ذاتها التي كانت تعزف فيها أوبرا عايدة بالأوبرا الخديوية التي قام ببنائها.

و الآن آن لنا أن نعرف من هي عايدة التي بنيت الأوبرا الخديوية من أجل عزفها؟ وماذا لو عادت هي الأخرى؟

إنها ابنة (عمو نصر) قائد الأحباش الذين كانوا يناوشون القوات المصرية في الجنوب، أسرها قائد الجيوش المصرية “راداميس” ولم يعلم أحد من المصريين أنها ابنة الملك الأثيوبي، أصبحت خادمة ل (امنيرس) ابنة فرعون مصر، وسقط (راداميس) في شباك غرامها؛  فحقدت عليها ابنة الملك التي كانت تعشقه هي الأخرى.

وعندما حارب (راداميس) الملك الأثيوبي (عمو نصر) انتصر عليه وآسره هو الآخر، واتخذه أسيرا بقصر الفرعون في ممفيس، وهناك تمكن من أن يلتقي بابنته عايدة في القصر، وأدرك أن (راداميس) يعشقها، أقنعها أن تغزل خيوط العشق حول قلب راداميس ليخبرها بموعد وطريق الهجوم الجديد على الأحباش الذي أعلن الفرعون المصري أنه عازم عليه. 

وكانت (امنيرس) تراقبهم.

صراع يدور في عقل (راداميس) بين عشقه لعايدة وحبه للوطن، حتى استسلم للحب وأخبرها بالموعد والطريق، فأطبق عليهم جنود الفرعون، قتلوا ( عمو نصر) ملك الأحباش واعتقلوا (راداميس) ودفنوه حيا في قبر ارتمت أسفل شاهده عايدة؛ لتنتحب عليه،.

لقد خلق الموسيقى الإيطالي “فيردى” في تلك الملحمة صراعاً بين الوطن والعشق ، لكنه أخفى شيئاً عظيما في كلا الجانبين المصري و الأثيوبي ، لقد أخفى الأم ، لقد تعرضت عايدة لنوعين من الضغوط، عشقها لراداميس، والسلطة الأبوية ممثلة في والدها الذي يدفعها للتضحية من أجل الوطن، لقد كانت عايدة في أمس الحاجة في تلك اللحظة للشخص الوحيد القادر على إحداث التوازن في تلك المعضلة ولو بكلمة …..(الأم)

لذا لن نفترض عودة الحياة إلى عايدة بل عودة الحياة لمن كانت عايدة في احتياج إليها في تلك اللحظة ( والدتها).

لقد تواكب هذا المقال من ذكرى عيد الأم، وهو العيد الأول الذي لا أحتفل به؛ للسبب المنطقي الذي أدركته أنت الآن كقارئ، نعم لقد توفيت والدتي منذ عدة أسابيع.

لقد بدأت فكرة هذا الاحتفال عالميا بعيد الأم بعد عدة أيام من وفاة أبى الوطنية في مصر الزعيم مصطفى كامل في 1908/2/8، مات الأب فجاء الاحتفال بالأم، فماذا لو افترضنا عودة الحياة للذين غادرونا دون ترتيب، ماذا لو عادت الحياة إلى أمهاتنا؟

إذاً لن نفترض عودة الحياة إلى عايدة بل لوالدتها بل لأمهاتنا جميعا.

اعتقد في تلك الحالة أننا سنسترجع مشهدا من المقال الأول عندما ارتمى كلوت بك تحت قدم الخديوي إسماعيل ليقبل قدمه.

تخيل عالم كامل يرتمي تحت أقدام النساء، تخيل هذا المشهد، إن الله -سبحانه وتعالى-  جعل الإسلام خاتم الديانات السماوية وجعل للإنسان حرية الاعتقاد و أصبحت حرية العقيدة أحد الأسس التي يبنى عليها أي دستور بل نستطيع أن نقول إن هذا المبدأ مما يطلق عليه مبادئ فوق دستورية لا يمكن التخلي عنها أو التفكير في إلغائها.

في البلد الواحد ستجد العديد من الديانات بل في المدينة الواحدة بل في القرية الواحدة و المنزل الواحد، بل قد تتواجد ديانات مختلفة في العائلة الواحدة. لقد أتاح الله -سبحانه وتعالى- تلك الحرية للإنسان، ومعها وحد الله -سبحانه وتعالى- أمرا آخر “الانتماء إلى الأم”.

لو عادت أمهاتنا لركع لهن جميع من في الكون، قالها الحبيب (صلى الله عليه وسلم)عندما قال ” الجنة تحت أقدام الأمهات”.

لو عادت الحياة لأمهاتنا، سنرتمي جميعا تحت أقدامهن.

رحمة الله على من غاب مصطحباً قلوبنا معه.

رحمة الله عليك يا أمي…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى