الجميلي أحمد يكتب أهمية شعر العامية المصري
شِعر العامية واحد من فنون القول والإبداع الثقافي العربي الذي لا يختلف عن نظيره شِعر الفصحى في القيمة، وإن كان يختلف فقط في اللغة أو اللهجة، لكنه يحمل التأثير الدلالي والبلاغي نفسه الذي يحمله شعر الفصحى. ولقد انتهت تلك الفترة التي كان يُنظَر فيها إلى شعر العامية بصفته شعرًا من الدرجة الثانية، تلك الفترة التي سيطرت فيها مزاعم القومية بالظن أن شعر العامية بلهجته المغايرة ضد القومية، بينما النماذج الشعرية، بل الشعراء أنفسهم وتوجهاتهم، أثبتوا أن النزعة القومية بِنية أساسية من إبداع شعر العامية، وهو ما ظهر جليًا في أشعار بيرم وحدّاد وجاهين والأبنودي… ومن ثم استطاع شعر العامية أن يحتل مكانته ومنزلته على خارطة الإبداع العربي، وأصبح قادرًا على التعبير عن هموم الشعب والأمة وتطلعاتهما، فضلا عن قدرته على تقديم رؤية للعالم. لكن أهم ما يميز شعر العامية أنه يعمل على الحفاظ على هوية الوطن وانتماءاته من خلال استعانته الدائمة والمستمرة بالموروث الشعبي الذي يتسلل دائمًا إلى قصيدة العامية في صورتها المعروفة، ليس هذا فحسب بل إن هناك أنواعًا من شعر العامية تكاد تكون نموذجًا دالاً على حرصها دون غيرها على الموروث، كشعر الموال والمربعات والزجل وما إلى ذلك من أنواع تتميز بسماتٍ وخصائصَ تختلف في بنائها وأساليبها عن سمات شعر العامية وخصائصه. ولعل المنجز الشعري الكبير الذي تركه شعراء العامية الرواد والمؤسسون في مصر، استطاع أن يعبّر بوضوح وجلاء عن التأثير الفني الكبير في الذائقة العربية، وهو المنجز الذي استمر عطاؤه وتواصله مع الأجيال الشعرية الحديثة والمعاصرة التي استفادت واستثمرت منجز سابقيها فتفاعلت معه وأضافت إليه، وهو ما تمثل في نماذج شعرية حديثة ومعاصرة لا يمكن إغفالها أو إنكار بصمتها.