دراسات ومقالات

حسين عبد البصير يكتب : “حكايات حول الأهرامات”

مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية ..

لا يدخل أي سائح مصر دون أن يأخذه الفضول إلى زيارة الأهرامات. وعادة تكون هذه الوجهة هي الهدف من وراء زيارة هذا البلد العظيم؛ فالأهرامات واحدة من عجائب الدنيا السبع، وفيها الكثير من الغرائب التي حيرت العلماء، فوقفوا عاجزين أمام كشف أسرار بنائها، وظلت اللغز المحير الذي نسج حوله الناس الأساطير المختلفة. ووصف العرب الأقدمون أهرامات الجيزة: “ليس من شيءٍ إلا وأنا أرحمه من الدهر، إلا الهرمين، فإني أرحم الدهر منهما.” وعانت أهرامات مصر من محاولات عدة للهدم والتشويه، خصوصًا أهرامات الجيزة، غيرها أنها بقيت صامدة أبد الدهر. وهناك قصص وكثيرة مثيرة حول الأهرامات.
كانت أولى محاولات استكشاف الأهرامات على يد الخليفة العباسي المأمون، ابن هارون الرشيد، الذي حاول دخول الهرم الأكبر، فحفر نفقًا داخل الهرم، وسُمي لاحقًا باسم “نفق المأمون”، والذي ما يزال مستخدمًا كمدخل الهرم إلى الآن. والذي يظهر بوضوح لمشاهدي الهرم من الخارج. وقد ترك لنا تقريرًا مفصَّلًا عن أول بعثة استكشافية داخل هرم الملك خوفو أو هرم الجيزة الأكبر. فبعد أن قاد رجاله عبر سلسلة من الممرات الكاذبة والمداخل المسدودة، نجح أخيرًا في الوصول إلى غرفة الدفن الخاصة بالملك خوفو في الثلث الأخير من جسم الهرم. غير أن الإحباط سيطر عليه وعلى رجاله للغاية؛ إذ لم يجد أيَّ شيء سوى تابوتٍ حجريٍّ فارغ! وادعي بعض المؤرخين عثور المأمون على كنوز داخل الهرم.
عين صلاحُ الدين الأيوبي الوزيرَ بهاء الدين قراقوش نائبًا له بالديار المصرية لفترة. وأثناء تلك الفترة، قام قراقوش بهدم العديد من الأهرامات الصغيرة من أجل بناء قلعة الجبل، وأسوار القاهرة، وقناطر الجيزة. وكتب عبد اللطيف البغدادي في كتابه “الإفادة والاعتبار في الأمور والمشاهدات والحوادث المعاينة بأرض مصر”: “قد كان منها (أي الأهرامات)، بالجيزة عدد كثير لكنها صغار، فهُدمت في زمن صلاح الدين، يوسف بن أيوب، على يدي قراقوش”. وربما أزال قراقوش كسوة أهرامات الجيزة لاستخدامها في بناء أسوار القاهرة.
بعد وفاة صلاح الدين حاول ابنه العزيز عثمان بن يوسف هدم الأهرامات. وبدأ بهرم الملك منكاورع. وعلى الرغم تسخير الكثير من العمال والموارد، فإنه لم يستطع خلع إلا بعض الأحجار البسيطة. وبعد بضعة أشهر، يأس من تلك المهمة. يقول المؤرخ عبد اللطيف البغدادي في كتابه “الإفادة والاعتبار”: “وكان الملك العزيز عثمان بن يوسف لما استقل بعد أبيه، سوّل له جهلة أصحابه أن يهدم هذه الأهرام، فبدأ بالصغير الأحمر وهو ثالثة الأثافي. فأخرج إليه الحلبية والنقابين والحجارين وجماعة من عظماء دولته وأمراء مملكته، وأمرهم بهدمه ووكّلهم بخرابه، فخيّموا عندها وحشروا عليها الرجال والصنَّاع ووفروا عليهم النفقات، وأقاموا نحو ثمانية أشهر بخيلهم ورجلهم يهدمون كل يوم بعد بذل الجهد واستفراغ الوسع الحجر والحجرين”. ويكمل البغدادي: “فلما طال ثواؤهم ونفدت نفقاتهم وتضاعف نصبهم ووهنت عظامهم وخارت قواهم، كفّوا محسورين مذمومين، لم ينالوا بغية ولا بلغوا غاية، بل كانت غايتهم أن شوّهوا الهرم، وأبانوا عن عجز وفشل.”

أوبرا مصر ، دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى