رواية “كاتانجا.. الخمر والبارود” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للروائي علي حسن
كتبت : منال رضوان
صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب رواية “كاتانجا.. الخمر والبارود” للروائي علي حسن، والتي تتناول كفاح الشعوب الأفريقية عمومًا، والكونغو تحديدًا، في الفترة ما بين عام ١٩٥٨إلى عام ١٩٦٨، وإن كانت غانا وكينيا لم يخرجا بعيدًا عن الصورة، والدور المصري العظيم والمؤثر في دعم ومساندة هذه الشعوب ساطع ينير هذه الصورة ويبعث فيها الأمل.
“كاتانجا الخمر والبارود” مأساة الأفارقة، تفضح التاريخ الأسود والبشع للقوى الاستعمارية في الكونغو، وكيف استعبدوا الشعوب الطيبة التي عاشت وما تزال على الفطرة، والنقاء، ولا تعرف الكره أو التدمير والخراب!
في رواية “كاتانجا الخمر والبارود” نتعرف إلى الزعيم الكونغولي “باتريس لومومبا” ونعرف تاريخه ونضاله، وكيف بعد كفاح طويل ومرير، إستطاع أن يظفر لوطنه “الكونغو” بالاستقلال عن التاج البلجيكي، ويحلق بعيدًا عن استعباد هذه المملكة الاستعمارية، ثم كيف تطورت الأمور نتيجة لرفض المحتل البلجيكي الرحيل عن الكونغو، أو التنازل عن إقليم “كاتانجا” الذي كان يعده ملك بلجيكا جوهرة تاجه.
“كاتانجا” تأريخ وتأصيل لأول انتخابات حرة، أتت بالزعيم “باتريس لومومبا” كأول رئيس وزراء، وتصف لنا كيف خانه تلميذه “موبوتو سيسيسيكو” وفرض سيطرته على كل أرجاء الكونغو كإمبراطور “سفاح” يهابه أبناء وطنه، ولا يستطيع أحد الاقتراب من ملكه!
“كاتانجا” مأساة أفريقية، تحمل الكثير من الدموع والألم والدم أيضًا، تفجر جراحًا ربما لا يتصور أحد أنه يمكن لها أن تلتئم، ومذابح لم يأتِ بها “هولاكو” رغم دمويته! تاريخ من الكفاح والنضال، وزعيم وطني يسلم الراية إلى زعيم آخر، فلا تسقط الراية من أيديهم إلا بالخيانات والقتل والتمثيل بجثثهم! ويبقى الشعب حائرًا، وتضيع الأسر في خضم هذه الصراعات الرهيبة، والخيانات القذرة، لكن مصر كعادتها تناصر المظلوم، وتؤيد الزعماء في نضالهم، وتفتح أرضها لعائلاتهم، وتعتني بأولادهم وتربيهم بكل محبة وود.
في “كاتانجا” نكتشف دور العقيد “سعد الدين الشاذلي” في إنقاذ أبناء “الزعيم باتريس لومومبا” ورعاية الزعيم الخالد “جمال عبد الناصر” لهذه الأسرة، كيف عاشوا مع أسرة الزعيم، ينعمون بحياة مستقرة، عبد الناصر والدهم والسيدة تحية” أمهم، وخالد وعبدالحكيم وهدى إخوة لهم، داخل بيت الزعيم في منشية البكري!
الرواية متعددة الأصوات، وتنتقل من مكان إلى آخر ومن دولة أفريقية إلى دولة أفريقية أخرى، تأخذك إلى عوالم ساحرة، تتميز بها قارتنا السمراء. أحداث تمنحك الهدوء، ثم تسلبه منك، تُنهِكك، تتركك مترقبًا، متوجسًا، تدفعك إلى البكاء على بشر مسالمين، لا يرغبون إلا في حياة بسيطة، تتعاطف، تكره، تحب، تبكي على بعضهم وتصب لعناتك على آخرين!
تأخذك “كاتانجا” مهاجرًا من مصر إلى إنجلترا، وعابرًا منها إلى كينيا، ثم هاربًا إلى غانا، ومتسللًا إلى الكونغو، شخوص متباينة، منهم الأسوياء، ومنهم أصحاب عقد نفسية شديدة التعقيد، تسبب فيها الاستعمار بعنصريته البغيضة، وألوان من تعذيب شيطاني أسود!
تستمر الرواية حتى تصل بنا إلى عام ٢٠٠٣، عندها تكون الصورة القاتمة قد بلغت من الوضوح ما يؤهلك إلى إعادة حساباتك، تمنحك نتائج مذهلة، تنزعك إلى عالم جديد، يترك الزمان والمكان، والأحداث المتعاقبة -المفجعة – أثرًا بالغًا في شخوص تألمت وصبرت وناضلت، لكنها تكون قد آمنت بأن هذا العالم ليس للفقراء والدول الضعيفة أبدًا، وإنما للدول التي تملك القوة والقدرة على حماية أمنها ومقدراتها وثرواتها، وأن الإنسان حين يفقد آدميته وإنسانيته سوف يكون خارج هذا العالم، ويصبح كائنًا آخر يشبه أي شيء لكنه أبدًا لن يشبه الإنسان!
من تعدد الأماكن إلى تعددت الأصوات في الرواية، وضمن هذه الأصوات، أسرة عظيمة اتخذت بريطانيا وطنًا لها، “إيمانويل” أو “إيمان فيما بعد، الزعيم الكونغولي، الذي كافح من أجل حرية وطنه، “بشرى” المصرية ابنة الطبيب المصري الشهير، “رشيد” صاحب الشخصية المعقدة، واللامنتمية، والتي تأخذ أكثر من منعطفٍ، وتتطور بشكل كبير وحاد، وتتغير من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ثم العكس. “جريس” الفتاة الكينية التي تعجب بالزعيم الكونغولي “إيمانويل”. علاقات جريس تنمو وتتطور، تتعرف إلى رشيد.
كفاح يولد تحت لواء زعيم مغدور به، ثم ينتقل الصراع الشريف إلى أقصى درجات الخيانة والألم، ويستمر الكفاح ضد العملاء، على أكتاف سنوات عشر من نضال آخر جديد، وذلك بسطوع نجم زعيم وطني عبقري، هو الزعيم “بيير موليلي” الذي يحمل لواء الصمود ومحاربة الدكتاتورية، تلك الدكتاتورية التي يقف الاستعمار خلفها ويدعمها بكل قوة!
يواجه الزعيم “موليلي” شراسة “موبوتو سيسيسيكو” ويقاوم خيانته بشراسة، لكن للنضال والانتصار حسابات ليست كما تعودنا دائمًا، وإنما حسابات أخرى، تدعمها الدول الاستعمارية بنهمها المتزايد إلى اليورانيوم والذهب وأحجار الماس!
نرى ونسمع أصوات طلقات الرصاص، والقنابل، ونبكي النبلاء حين يقتلهم الخونة، ويمثلون بجثثهم. دموية بشعة وعذاب وتعذيب لا مثيل لهما في عالم الأسوياء!
في “كاتانجا الخمر والبارود” وقائع كثيرة وحقائق تاريخية مذهلة، لكن التخييل يغلب عليها، فيفتح آفاقًا رحبة للاستمتاع بأجواء من الصعب أن ينتقل إليها القارئ دون وسيط، هذا “الوسيط” هو كاتب هذه الرواية، الذي عاش في إفريقيا أكثر من عشر سنوات، عانق خلالها تراب عشرات الدول الإفريقية، وتجول بين أنهارها وصحرائها ووديانها وغاباتها، وبنى صداقات وعلاقات طيبة مع هؤلاء البشر الطيبين.
في “كاتانجا الخمر والبارود” وقائع كثيرة وحقائق تاريخية مذهلة، لكن التخييل يغلب عليها، فيفتح آفاقًا رحبة للاستمتاع بأجواء من الصعب أن ينتقل إليها القارئ دون وسيط، هذا “الوسيط” هو كاتب هذه الرواية، الذي عاش في إفريقيا أكثر من عشر سنوات، عانق خلالها تراب عشرات الدول الإفريقية، وتجول بين أنهارها وصحرائها ووديانها وغاباتها، وبنى صداقات وعلاقات طيبة مع هؤلاء البشر الطيبين.