ملفات وحوارات

جولة مع العمالقة حول إبداعات عين الصقر أحمد نوّار

أجرت الحوار : نجلاء أحمد حسن

في يوم اعتبره إحدى نفحات الزمن حيث كنت بصحبة الفنان الكبير  أحمد الجنايني رئيس مجلس إدارة اتيليه القاهرة (جماعة الفنانين والكتّاب)، والناقد الفني الأسطورة الدكتور خالد البغدادي، كانت مقابلتنا وموعدنا مع عين الصقر الفنان الأسطوري الدكتور أحمد نوّار وحرمه الدكتورة وفاء – عميد كلية الفنون الجميلة جامعة المنيا السابق، في قصر عائشة فهمي مجمع الفنون ، وعلى أرض الفن ، على نيل الزمالك الساحر وفي رحاب العظمة والتاريخ والأثر الفني الأروع في مصر قصر عائشة فهمي التي يجمع قصرها الجمال والعظمة والسعادة والرقى، حيث يهوى إليه قلب الصغير والكبير متذوق الفن والمتخصص وحتى المتجول على أرض وشوارع المحروسة.
التقيت مع هذه الكوكبة بمناسبة افتتاح معرض الفنان الأسطوري الدكتور أحمد نوّار الذي تميز بقيمته الإنسانية والفنية الملهمة لجميع من تحدث معه أو التقط معه صورة تذكارية كأحد علامات العصر الحديث في مجال الفن التشكيلي الخالدة حول العالم، وفي مجال الإدارة الثقافية على مر ستين عامًا قضاها عابدًا لله في محراب الفن وخدمة الحركة الثقافية المصرية والعربية والعالمية.
كانت الجلسة ثرية جدا وكانت ملهمة لي بالكثير من الأعمال لتوثيقها ولكني انتبهت أن الحوار كان متصلا متلاحقا غنيا بالأفكار، فكل كلمة في الحوار يلزم لتفسيرها مرجعٌ لنقل ذلك الكم الغنى لما باحت به تلك العقول الملهمة والمحبة للفنون التشكيلية للمتلقين.
فكان اللقاء زاخرا بالعديد من الأفكار بدأها الفنان العالمي أحمد الجنايني حيث تحدث عن فلسفته في عرض اللوحات، وأن اللوحة دوما هي بطل المعرض، وهي بطلة القصة التي يصنعها الفنان، وأن قصر عائشة فهمي بطلٌ للجمال في كل عصوره وأن هناك صراعا ظهر له أثناء تجواله بمعرض الدكتور نوّار بالقصر بين عظمة اللوحات وجمال التفاصيل التي قدمها نوّار بلوحاته منذ أن كان طالبا بكلية الفنون الجميلة وحتى آخر لوحاته التي أنتجها فكره وأفرزتها فلسفته الفنية.
إن هذا الصراع نابعٌ من أن كليهما اللوحة والمكان يتساويان في الجمال والحرفية والإلهام، فقد كان المكان يسرد حكايات تحقق الإرث الثقافي المعماري الزاخر بعظمة القصر، التي تبعث مشاعر الرهبة في نفوس المترددين، وبين عظمة تلك اللوحات المغرقة في الجمال والسعادة والتفاصيل الفنية التي تأخذ المتلقى لها ساعات وساعات فقط بلا أدنى شعور بالوقت ولا ببرودة الجو ولا ساعات الوقوف، حيث يصبح صوت النزهة العقلية أعلى من صوت ألم الوقوف ساعات وساعات متأملا كل لوحة على حدة، وتأخذك اللوحات من تفصيلة لأخرى وكأنك تتحرك في سلم موسيقى طائر عبر نغمات أنامل خطوط وتفصيلات لوحات الدكتور أحمد نوّار المدهشة والمثيرة .
وتحدث الفنان العالمي أحمد الجنايني عن تكنيك الإبداع بألوان الفلوماستر التي تحير المتخصص، ويتساءل هل هي رسم أو تصوير؟ ولكنّك في نهاية الأمر تكتشف أنها تصوير بتكنيك عين الصقر الخبير اللاقط للصور ومجسدها في صورة متوالية موسيقية ممتعة، وأن الفلسفة والموسيقى تكمّل الصورة الذهنية للفنان وهو الإبداع بعينه .
تحدث أحمد الجنايني عن ثلاث نقاط لا بد أن تتوافر في لوحات الفنان المبدع، وهي الصنعة والموهبة والثقافة، وقد توافرت تلك النقاط المهمة في لوحات الدكتور نوّار محددًا مجموعة الأرض المقدسة التي مزجت بين الضوء والعمق والمساحات اللونية.
وتحدث الجنايني عن قضية قراءته للوحة فهناك إشكالية سطوة اللوحة وسطوة اسم الفنان المنتج لها ؟
فهو يتوجه دوما إلى اللوحة التي تثير تساؤله، من هو ذلك الفنان وكيف كانت تلك الدفقة الفنية التي جسدها بأنامله وتظهر إمكانياته الفنية والفكرية والثقافية معا.
وتحدث الناقد الفني الدكتور خالد البغدادي، وهو الخبير والمؤرخ لحركة الفن التشكيلي الحديث والمتخصص، وعلق على مجموعة فظائع داعش وبأن الفوأن تلك اللوحات تعتبر منهجًا دراسيًا عميقًا وملهمًا للفنانين ليحذو حذوه.
وكان ردّ الدكتور نوّار عليه “بأن الكولاج معروف تاريخه بقص الصور ولصقها ولكني قمت بلصق ما أراه مكملا للعمل الفني، وكأنه قطعة أصيلة بتكوين اللوحة وليس منفصلا عنها بل متناغمًا مع اللوحة شكلا ومضمونا” .
وتحدث الدكتور خالد عن لوحة يوم الحساب بفكرة التناص الأدبي، وتكرار الفكرة ولكن بتكنيك جديد وتم إمضائها بتاريخين مختلفين، ومعالجتها أكثر من مرة وهي اللوحة التي أعلنت للعالم فن وإبداع الطالب أحمد نوّار في بداية دراسته بكلية الفنون الجميلة، حيث قام باستدعاء صورة يوم الحساب بذهن نوّار، حيث إنها أدهشت الحضور وتعلقت عيونهم وأذهانهم ووقفوا لديها كثيرًا، ولكنّه تذكر أن تلك اللوحة كانت أكبر بكثير عن المعروضة بالمعرض الحالي، وأنها كانت معروضة قبل ذلك بتكنيك القلم الرصاص، وأنها الآن تظهر بالمعرض بقلم الفلوماستر وأيضا مؤرخة بتاريخين، فما قصتها ؟
وكان ردّ عين الصقر أحمد نوّار “أنها كانت لوحة بمقاس كبير بطول متر وعشرين سم / عرض ثلاثة أمتار، وأنها فكرة الدكتور/ إيهاب الذي كان يود عرض اللوحة الأصلية التي تعرضت للسرقة بالقطع بسلاح أداة (Cuter)
وتمت سرقتها، فقام نوّار بعمل اسكتش جديد لتلك اللوحة بتركيبة اللوحة الأصلية، ولكن كانت المعادلة الجديدة بين القلم الرصاص في اللوحة الأولى المسروقة وبين تكنيك قلم الفلوماستر باللوحة الأخيرة المعروضة حاليا، وأضاف نوّار أنه لديه صورة فوتوغرافية للوحة الأصلية التي أكملها عام 1967 بحجمها القديم بالأستوديو الخاص به”
وكان رأي الدكتور خالد، بأن يكرر دكتور نوّار هذه التجربة باستلهام الأساطير من قراءاته المتعددة والموسوعية، ورسمها برؤية وفكر عين الصقر أحمد نوّار، وبإمكانه عمل معالجات متنوعة ومتعددة لفكرة واحدة .
وردّ الفنان نوّار “أنه دوما في حالة بحث وفي حالة دراسة مستمرة ويضيف المزيد من الجودة كعادة الفنان المبدع الذي يتوق فكره دوما إلى الكمال والتكامل في أعماله الفنية المختلفة، فهو لا يمل من الدراسة، ولا يكتفى بخبرته اليومية المتراكمة، بل دوما يحمل في وجدانه العالم المتعطش دوما للعلم والمعرفة وكل ما هو جديد، وكل ما هو يثير دهشته، ولكنّه يمتزجه في أفكاره وتختمر الصورة الذهنية لديه وتكتمل، وهي التي تمنحه تلك الدفقة الشعورية التي تطغى عليه وتسيطر على مخيلته ولا تهدأ إلّا باكتمال العمل الفني، الذي يمارس حريته الفنية تحت سطوتها”.
وعن سؤال البغدادي للدكتور نوار عن تجربة معالجة الفكرة أكثر من مرة في أكثر من عمل أصيل لنفس الفنان؟
أسرد الدكتور نوّار “أن الفنان جريكولاس قام بتكرار بعض أعماله خمس مرات فمنها ما هو موجود في بيته في أسبانيا وأكثر من متحف” .

وعن تجربة تكرار الفنان لبعض أعماله أشار البغدادي إلى “تجربة لوحات محمود سعيد الفنان التشكيلي الذي عُيّن قاضيًا بالمنصورة، واستلهم معظم مفردات و موتيفات بيئة ريف المنصورة، من شكل الفلاحين ومصاحبة الحيوانات بالحقول مثل الحمار، ورصد شكل ملابس المرأة بالملاية اللف، مثل لوحة المدينة كان نفذها إسكتش صغير، وكانت أفضل من اللوحة الكبيرة.
وقد أثار البغدادي نقطة انتشار معارض الفنون، وأنا أجدها رواجًا لحالة المجتمع واتّجاهه نحو الفن، وأن تلك حالة جيدة باللجوء إلى الفن التشكيلي، والخلاص من فكرة اللجوء للعنف والتعصب إلى سلام ورحابة واحة الفنون التشكيلية، ولكن قد ينقص الفنان الفطري لعمل وعرض فنه للساحة الفنية المتخصصة مقومات مهمة، منها: العلم وفهم فلسفة الرسم والتشكيل والعمل على دراسة الفن أكاديميًا حتى لا يصبح مجال الفن التشكيلي مشوهًا ومؤثرًا بالسلب على الذوق العام للمتلقي، وخصوصا أن الموقف أصبح سهلا لمن أراد، فقط عليه استئجار قاعة عرض والكتابة عن المعرض المزعوم، وهو ما اتّفق عليه الدكتور/ نوّار “أن الفنان يلزمه الدراسة العميقة بجوار الموهبة والصنعة لتشكيل خريطة الفنان الذهنية السليمة على أساس علمي، وليس ملئًا لوقت الفراغ” ، وقد اتّفق الجنابني والبغدادي.
إن الموهبة وحدها لا تصنع فنانًا حقيقيًا ولا بد أن يكون مثقفًا ومستمعًا للموسيقى، وأيضا قارئًا جيدًا للفلسفة ومطلعًا على حركة الفن التشكيلي قديمًا وحديثًا، وأهم تلك الكتب مؤلفات “الفيلسوف شوبنهور” التي تغير خريطة العقل للفنان المبدع القارئ له .
وكان سؤال الجنايني: ماذا لو تفرغ نوّار لفنه فقط بلا مناصب ؟
وكان ردّ الدكتور خالد البغدادي العالم والدارس لحركة الفن التشكيلي “أنّ الدكتور نوّار كان هو من سيكسب ولكنّ حركة الفن التشكيلي ستخسر إدارة فنية عبقرية أضافت لتاريخ إدارة الفنون الحكمة والمرونة والإدارة الرشيدة، لا يوجد متحفٌ إلّا وكان نوّار إمّا مؤسسًا أو مقررًا بترميم المتحف او صاحب قرار تاريخي مضيفا الجديد للثقافة بشكل عام ولحركة الفن التشكيلي بشكل خاص ، أو كان أحد تلاميذه مديرًا له، أو كان مستلهمًا لفكرة خلود الفن التشكيلي بقرار تاريخي او باقامة العديد من الملتقيات الفنية التي عززت حركة الفن التشكيلي ، وتداول اسم مصر الفني دوليا وعالميا ، فحركة الفن عمرها يتقارب من 110 أعوام، منها ستون عامًا من حياتها تزخر بفن وحركة ونشاط عين الصقر الملهم عبر تلك الحركة الفنية” .

 

 

 

 

 

أوبرا مصر ، ملفات وحوارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى