اقتصاد وبنوك

محمد البنا يَكتُب : المقابلة بين تطبيق سعر صرف مرن للجنيه وكبح جماح التضخم في مصر

أ.د. محمد البنا أستاذ الاقتصاد والمالية العامة - جامعة المنوفية

نظام سعر الصرف المرن :

ليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها مصر إلى نظام سعر الصرف الأكثر مرونة، فالبداية كانت في نوفمبر 2016 عندما قام البنك المركزي بتعويم الجنيه مقابل العملات الأجنبية من أجل تحقيق سعر صرف مرن وعادل ينقذ الجنيه والاقتصاد من أزمة النقد الأجنبي التي شهدها في تلك الفترة.

وعبر برنامج الإصلاح الاقتصادي، فقد تم الانتقال إلى سعر الصرف المرن دون عقبات، وانتهت بالكامل تقريبا ظاهرة السوق الموازية ومشكلة عدم توافر العملة الأجنبية، وسجلت احتياطيات البنك المركزي زيادة كبيرة، تخطت 40 مليار دولار، وساهم إصلاح دعم الطاقة والسيطرة على الأجور وتطبيق ضريبة القيمة المضافة الجديدة في تخفيض عجز المالية العامة، كما ساعد على إفساح مجال للإنفاق الاجتماعي الداعم للفقراء، وبدأت مصر تسترد ثقة المستثمرين كما بدأ تزايد التدفقات الرأسمالية.

وحاليا يعتبر تخفيض التضخم أولوية قصوى بالنسبة للسلطات والبنك المركزي، حيث يشكل خطرا على الاستقرار الاقتصادي الكلي ويلحق الضرر بالفقراء، ويؤثر سلبا على مستويات المعيشة لغالبية المصريين، ويربك النشاط الاقتصادي، وقد اتخذ البنك المركزي –آنذاك- خطوات واسعة نحو تخفيض التضخم بتطبيق زيادة كبيرة في أسعار الفائدة الأساسية وامتصاص السيولة الفائضة، والحفاظ على سعر الصرف المرن، وهو عامل حيوي للوقاية من الصدمات والحفاظ على التنافسية وتراكم الاحتياطيات.
وقد أصدار البنك المركزي المصري، صباح يوم الخميس 27 أكتوبر2022 ، حزمة قرارات أهمها؛ زيادة سعر الفائدة وتحديد نظام سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية، وإلغاء تدريجي للتعليمات الصادرة بشأن الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد، إضافة إلى تطوير سوق المشتقات المالية لتعميق سوق الصرف الأجنبي.

وإذا كان البنك المركزي قد نجح في 2016 في النزول بالتضخم من مستويات 30 %، إلى مستوى 6% في 2019، فهل ينجح الأن في معالجة اختلال ميزان المدفوعات وتقليص معدلات التضخم إلى قرب النطاق المتسهدف عبر نظام سعر الصرف المرن اليوم مع تشعب المتغيرات والتحديات ؟ هذا ما ستكشفه الفترة المقبلة.

متطلبات نجاح سعر الصرف المرن ( التعويم الحر) :

يتطلب تطبيق نظام سعر الصرف المرن وجود سوق للنقد الأجنبي على درجة كافية من السيولة والكفاءة، وتتسم بضيق الفروق نسبيا بين سعر الشراء وسعر البيع، وانخفاض تكاليف المعاملات، وكفاية حجم الأعمال للحد من تأثير المتاجرات المنفردة على الأسعار، ووجود نظم للتداول والمقاصة والتسوية تساعد على سرعة تنفيذ الأوامر، والتنوع الكبير في قاعدة المشاركين النشطين في السوق، بما يسمح باستجابة سعر الصرف لقوى السوق، ويعمل على تخفيض عدد موجات التقلب المفرط والانحرافات عن سعر الصرف التوازني حتى تتحقق عملية اكتشاف هذا السعر.
غير أن أسواق النقد الأجنبي في العديد من البلدان النامية تتسم بالضحالة وعدم الكفاءة، وهو ما يرجع جزئيا إلى كثرة القواعد المنظمة للنقد الأجنبي كالقيود على تدفقات رؤوس الأموال عبر الحدود (وهي قيود تحد من حجم التداول في السوق)، والقيود الاحترازية الصارمة على صافي المراكز المفتوحة بالعملات الأجنبية، وشروط تسليم حصيلة النقد الأجنبي إلى البنك المركزي. وعادة ما تكون أسواق تداول النقد الأجنبي بين البنوك إن وجدت أسواقا محدودة مقارنة بأسواق التجزئة، الأمر الذي يحد من فرص اكتشاف السعر المناسب.

مزايا نظام سعر الصرف المرن :

عمليا اتضح أن البلدان التي تعتمد نظما لسعر الصرف الثابت تبدو معرضة لأزمات العملة، وكذلك الأزمات المصرفية، مقارنة بالبلدان التي تعتمد نظمًا أكثر من مرونة. وبالفعل يبدو أن المزايا المترتبة على مرونة سعر الصرف تزداد مع تطور الاقتصادات وارتباطها على نحو أوثق بالأسواق المالية والدولية.
وقد ازداد عدد البلدان التي اعتمدت نظما أكثر مرونة على مدار العقد السابق، ومنها البرازيل وشيلي وإسرائيل وبولندا. ومن المرجح استمرار هذا الاتجاه العام نحو زيادة المرونة في أسعار الصرف مع ازدياد عمق الروابط عبر الحدود وما تسببه من تعريض بلدان العملة المربوطة لتدفقات رأسمالية أكثر تقلبا، نظرا لما تكفله النظم المرنة من حماية أفضل ضد الصدمات الخارجية وما تحققه من استقلالية أكبر في السياسة النقدية، حيث ستكون قوى السوق (العرض والطلب) هي المحرك الرئيسي.
وقد نجحت بعض البلدان في التحول بشكل تدريجي سلس من أسعار الصرف الثابتة إلى الأسعار المرنة باعتمادها أشكالا وسيطة من نظم الصرف كالربط المرن، ونطاقات التقلب الأفقية والزاحفة، والتعويم الموجه قبل السماح بالتعويم الحر لأسعار الصرف.
غير أن التحول في بلدان أخرى كان تحولا غير منظم أي اقترن بانخفاض حاد في سعر العملة، وهو ما يخشى أن يكون هو الحال في مصر حاليا، وقد كان معظم التحولات إلى نظم سعر الصرف المرنة في الفترة من 1990 إلى 2002 تحولات من النوع غير المنظم.

 

 

أوبرا مصر ، اقتصاد وبنوك 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى