دراسات ومقالات

وداد أبوشنب تَكتُب : نحو غد بارد!! عالم السايبرغ-الأندرويد!!

“الكثرة تغلب الشجاعة” ذلك المثل الذي كثر ما سمعته، وكنت مقتنعة به لأنه كان مدعوما بالحديث النبوي الشريف “تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة”، وكنت أتناثر فرحا عندما أراني وسط إخوتي الستة من الذكور -أنا وأختي- مفاخرة أترابي، و التي كان لنا أنا وأختي الصدر في العائلة لأن أمي بكّرت بالبنات لا بالصبي كما تشتهي الأعراف.
تكاثرنا، وتناثرنا، فما ازدادت أمتنا إلا تراجعا، ربّما لأن شروط التكاثر لم تكن متّبعة جيدا، حيث غلّبنا منطق الكمية على منطق النوعية فكانت الكارثة.
من جهة أخرى يدعو العالم الغربي إلى تقليص عدد الولادات، وهم يتكاثرون، والشرق الأقصى يتكاثر حتى غدا أشبه بمساكن نمل (قرى نمل)، وأصبح يفرض على مواطنيه تحديد النسل باثنين ثم بواحد!!
تكاثرنا، وتكاثر الشرق والغرب، وأصبحنا في تعداد المليارات السبعة، وفي رحلة التكاثر تلك، كانت الثورات الحرفية تعتبر الإنسان مصدرا رئيسا للرزق، فاليد العاملة كانت هي عماد التطور في كل مكان، وكنا نعزي تراجع الصناعات والمجالات الزراعية إلى نقص اليد العاملة، لا سيما الصناعات اليدوية التي أثرت عليها المركزية فبقيت في القرى والأرياف، لكن طفرة صناعية ما طرأت على العالم، فازدادت نسبة الآلات إلى نسبة اليد العاملة، فأغلقت أغلب المصانع أو دُوِّرت، وبعدما كان أربعة عمال على ماكينة، أصبحت أربع آلات تحت سيطرة عامل واحد.. ومع ذلك فإن أحفاد جينكيز لم يهملوا الإنسان واستغلوه حتى أوّل عمر يمكنه الحركة والإنتاج فيه، فأضحى طفل السادسة يصنع أجهزة متواضعة في الوقت الذي كان نظيره في المشرق قرير الخدين يتمسك بجلباب أمه أينما حطت..
الأمر المقلق والمربك فعلا هو أن هناك قوتين الآن تتنازعان على قطبية السيطرة: الصين التي تدعو إلى الحفاظ على سكانها وجرذانها ومزارعها، والحفاظ على كل شيء، واستغلال المال والطاقة وكل سبل العيش وعدم هدرها لتخوفها من شح قد يصيب العالم ابتداء من 2022، والقوة الثانية هي بالطبع أمريكا التي نشرت بروباجاندا المليار الذهبي كي تقلصنا!! وهذا المليار سيتحقق تلقائيا عن طريق الشروط والإقصاء حسب ظروف مختلقة، لينقسم العالم إلى طبقتين واضحتي المعالم!
أمريكا التي نشرت فكرة الميتافيرس، فلا يُعرف الحي منا من الميت، وبرمجت التسوق عبر الإنترنت والعمل والدراسة عبر الإنترنت، وإنشاء مملكة الميتافيرس المقابلة لليونيفرس، ليصبح الكون واقعا على هامش وهم ما وراء الكون أو الكون الموازي، كما إنها وضعت خططا كخطة المطاعيم الإجبارية، تتمثل في خلق عالم السايبرغ أو عالم الإنسان الجديد!!
الجدير بالذكر هو أن العالم الأصفر لم يهمل أبدا فكرة السايبرغ، أو نصف الإنسان، فهو ينافس غريمه على الحافة الأخرى من العالم، لديه ميتافيرس من نوع آخر بدأ فتيله من إطلاق منصة التيك توك التي تتكاثر بكل ما فيها بسرعة رهيبة: متابعون، حسابات، سخافات، تريندات، إضاعة الوقت وهذا هو مربط الفرس، الصين تساهم في منصات هدر الوقت وهي التي نذرت نفسها للفناء عن طريق العمل، ربما كان التيك توك محطة لتخدير الإنسان من أجل تحضيره لمرحلة ما بعد الإنسان؟؟!!
خطة الانزواء والنحو بالإنسان منحى اللااجتماعية واللامركزية هذه قد بدأت تمهيديا منذ منصف القرن الماضي، حيث ميلاد مفهوم الجندرية والمناداة بأصل الجنس الواحد، هروبا من سلطة البطرياركية، لكن الهدف الأساس الذي تخدمه كل الأفكار هو إزالة الثنائيات بما فيها الذكر/الأنثى، تحضيرا لإنسان جديد، هو السايبورغ (السيبرنتيك العضوي) والذي لا يحتاج وجوده إلى ذكر وأنثى، لأن التكاثر لاحقا لن يبنى بطريقتيه البيولوجية والنفسية المعروفتين، إنما سيكون عن طريق الاستنساخ أو ما شابهه من تقنيات.
قد يكون الأمر مخيفا، لكننا نعتاده شيئا فشيئا، ففايرس كورونا تسبب في تراجع الوظيفة الذاكرية لدى الإنسان، وفي غضون سنين لن يكون الحل إلا بدعم الإنسان بشرائح تعزز ذاكرته، التي يمكننا رفع جودتها عن طريق إضافة وحدات تخزين الذاكرة (RAM)، وليس هذا بتصور مبني على فيلم خيال تابعته ذات فراغ، إنما هي معطيات تُقذف لنا على أرض الواقع، من أجل دخولنا حقبة الإنسان الجديد، تماما كما دخلنا من عالم الإنسان الأول (رجل الكهوف) إلى عالم الإنسان الحديث، والآن سندخل مرحلة الإنسان الجديد (السايبورغ) الذي سيتزامن مع الأندرويد (وهو الإنسان الآلي المكسو بجلد شبه بشري)، وهذا الأمر مبرمج لعقود لاحقة!!! تمتد إلى 2050، وليس ذلك بالبعيد!! وقتئذ سيتم بوضوح إنشاء طبقات مجتمعية جديدة بين سايبرغ وإنسان طبيعي، بعد اعتيادنا التفرقة بين الإنسان متلقي المطعوم وغير متلقيه!! فروقات مجتمعية ما فتئت تتشكل استجابة لبروباجندات سابقة!! صراعات بين قطبين عظيمين يتراجع معها الإنسان ما بين 2025 و2050!! فما مدى استجابة العالم لاستراتيجية الخطوات الأولى نحو الفناء!!
هل سيأتي يوم بعد قرون تقوم فيه حرب بين السايبرغ والأندرويد الذي يطوره الذكاء الصناعي فيصبح تلقائيا، وينتصر الآلي الصرف على الآلي العضوي، حيث المجد للأندرويد الذي يتمرد على صانعه وصانع صانعه؟؟؟
بداية عالم ما بعد بعد الحداثة: جليد الروح، عالم بلا أرواح!!!

 

 

 

أوبرا مصر ، دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى