كصندوق بريدٍ مفتوحٍ أسفلهُ، إلى جوار بابٍ مغلق، منذُ ألف عام،
كلَّما وضع فيه ساعي بريد رسالة، تسقط، فتتلقَّفها الرّيح.
قلبي عربةٌ تنقلُ الأعنابَ والتّينَ من الكروم إلى معاصرٍ الخمر.
عربةٌ تجرّها عشرةُ أفراس، كلُّ واحدةٍ؛ تصولُ في اتجاهٍ مخالف للأخرى.
ألا لعنةُ العشقِ عليه؛ الظمآنُ إلى لقياكِ، كنهرٍ أرعنٍ إلى حتفهِ يلهثُ،
وذئبٍ على اكتمالِ بدركِ يتوكَّلُ.
قلبي؛ تيهٌ حنونٌ، على نونَي نهديك، عَقدَ عزمهُ،
وفي سحرِ لُجينِكِ يتوغَّلُ.
ليلُ، مخمورٌ، كشاعرٍ لا يريدُ التَّوبةَ مِن فُحشِهِ،
سائرًا إلى الجحيم، بثقةِ مَن لم يشركِ بسجودهِ لغير ربّه أحدا،
ألا ترينهُ رافعًا رمحه، يُرتّلُ الدروبَ إليكِ ترتيلا؟
لا يدَّخرُ في حبِّكِ موتًا، أو سبيلا.
ليسَ يهمُّه إن كان قاتلاً أو قتيلا.
*
في ما مضى، كُنتُ بابًا، كُلَّما فتحتهُ امرأة، أغلقتهُ أخرى على نفسها.
ونافذةً كُلَّما شرَّعتها امرأةٌ على ليلِ القصيد،
أغلقتها أخرى، على فضيحةٍ جديدةٍ للمجاز.
فجأةً، وجدتُني حربًا خاضتها امرأةٌ على أخرى،
اختلفتا على قصيدةٍ كتبتُها، واتّفقتا على أنني عاشق.
كُنتُ بئرًا سحيقة، ردمتها نساءٌ كثيراتٌ بأسرارهنَّ.
بئرٌ فقدَت القدرةَ على النُّطقِ، وتحوَّلَت إلى مشعوذٍ،
لا يحلو لهُ كتابةَ التَّمائم إلاَّ تحت ثنيةِ نهودِ النّساء.
والآن، ما زلتُ كوخًا تسكنهُ ألفُ امرأةٍ مِن ألفي قبيلة.
كوخٌ لم يتبقَّ منهُ شيء، إلاَّ بابهُ ونافذتهُ المكسورة.
*
على أحدنا إطفاءُ هذا الطّريق المتهوّرِ الذي نسلكهُ، وثنيهُ عن المغادرة.
وجودهُ في قواميسِ ذاكرتينا كنز،
ورحيله؛ جلاَّدٌ يقودُ نصوصنا إلى أعواد المشانق.
طريقٌ فرشهُ لنا شياطينُ العشقِ وسلاطينهُ بنواياهم اللئيمة
كي نعبرَ مِن جحيمٍ دائمٍ في القصائد
إلى جحيمٍ غائمٍ يجوبُ الأزمنةَ والأمكنةَ، مِن دونِ رحمة.
على أحدنا إرشادُ الخيالِ إلى النّهاية العمياءِ التي ضلَّت سبيلها
وتعثّرت، واصطدمت ببداياتٍ كثيرة.
البداياتُ مسكينةٌ، لا تحتملُ كيدَ وكمائنَ النهاياتِ اللعينة.
النهايةُ ليست دومًا أستاذًا حكيمًا،
والبداية ليست دائمًا تلميذةً مشاغبة.
عليَّ تعويدكِ على غيابي، ليس لتتأكَّدي مِن حُبّي،
ولا كي تعيدي ترتيب أقداركِ كما ترتبين ملابسكِ الداخليّة في حقائب سفرك،
بل لأن عشقي يأمرني بذلك.
على أحدنا أن ينهي هذه القصيدة العليلة، ويشفي غليلها
بمزيد من الطّيش والمراهقة التي لا تريد أن تنتهي.
*
داهمَ رمدُ العشق عينَيَّ مُتأخِّرًا،
بعدَ صعودِ عطرِ الخُبزِ مِن تنانيرِ القرية، آناء الفجر، بقليل.
أوصاني زهرُ اللوز، أن تقطَّرَ امرأةٌ رَمَّلتْها فصولها الخمسُ باكرًا،
قطرَتي حليب من نهديها في عينَي.
أشارَ زهرُ الكرز، أن تمسحَ شاعرةٌ رمَّلتها دواوينها باكرًا،
بلعابها على جفنَي.
نصحني حاخام متقاعد بوضع القليل من رمادِ سجائركِ فيهما،
والتوجُّه نحو كوكب الزهرة، صباحَ مساء.
فعلتُ ذلك، فتحوّل الرَّمدُ إلى عمى.
31/03/2022
أوستند – بلجيكا