محسن خزيم يكتب شذى قراءة انطباعية في منافي الرب لأشرف الخمايسي
أشرف الخمايسي قاص وروائي مصري معروف له العدد من الاعمال الأدبية المعروفة له ثلاث مجموعات قصصية وأكثر من رواية من أهمها رواية منافي الرب التي نحن بصدد قراءتها معكم. الان ……
تأتي رواية منافي الرب المنتمية في فلسفتها السردية إلى عالم ينتمي إليه الكاتب حسيا ومعنويا، لتجعلنا أمام كاتب متميز بقلم عذب وفياض له العديد من الابداعات القيمة ما يدعونا الان لفتح مغاليق الرواية فليس أحق من العنوان منطقة للولوج إلى عالمها وهو عنوان محير ويدعو إلى السؤال ماهي منافي الرب …؟ قد تكون أشياء نفي الإجابة عنها ربنا عز وجل للناس لأمر لا يعلمه الا هو مثل خلود الروح أو خلود الجسد وهو نفي مشروع لكنه يدعو إلى التساؤل غير مفصحا عن الاسم حتى يجذب القارئ إلي اخر حرف في الرواية معتمدا في ذلك علي أسلوبه ولغته لأيمانه أن اللغة أساس العمل الأدبي وليستقل القارئ بروح الباحث عن النعيم في استراحة فكرية ليصل به إلي المراد ومن هنا يخترق الكاتب أماكن غير مألوفة لبيئة مملوءة بالحكايات والاساطير والالغاز لذا فنحن بحضره كاتب متميز بعمق تجاربه الانسانية واكتشاف المجهول ففي “قرية الوعرة “في الواحات غرب مدينة أسيوط يحط رحال الكاتب الباحث المكتشف ليصور لنا هذه القرية بكل ما تحتوي من ثقافة وانتماء في محاولة لربط القارئ بروح المكان فالحيز الجغرافي ركنا أساسيا في بنه النص التي برع فيها الخمايسي عبر كتابة جاذبة ومغرية للبحث في متن الرواية لإشباع الذائقة الأدبية التي حرص عليها في محاولته الفذة تقديم الصحراء بغلظتها وبداوة ناسها. فتاقت نفس المتلقي لسكنة المكان والبحث فيه وتفقده وذلك من خلال دعوته للتعرف على شخصياته الاثرة وإلي روح الواحة العتيق والواقعي أن منافي الرب لم تكن رواية تدعو إلى الفنتازيا أو إلي الخيال بل هي رواية واقعية مقرونة بهواجس أهلها من خلال نقل تجربة أنسانيه لا مجازية ولا رمزية بل من صميم الواقع وفي يقيني الشخصي أن الكاتب لم يبتكر شخصيات روايته وأن كان قد قطع من حياته جزء وأضاف عليها بعض التجارب التي مر بها أو مرت به ولقد نجح في ذلك …
العجوز الذي لا يرهب الموت “حجيزي” الذي تخط ي المائة عام شغلته فكرة الحياة والموت سنوات عمره التي قضاها في هذا الفضاء الشاسع ما بين أفراح وأتراح ما بين ميلاد طفل وموت شيخ من أحبائه ودفنه علي يديه جعله يفكر في بعد الموت خاصة بعد رؤيته في المنام للراهب “يوأنس”يبشرة بدنو أجله عندما قال له “أكلت ثلاث تمرات من زادك ياحجيزي” ما يعني أن عمره اوشك علي الرحيل من هنا نري حجيزي وكأن حياته شريط من الذكريات تمر عليه كيف عاش مع “سعدون “أعز الناس وهو الذي مات وكفنه ودفنه بنفسه وذكرياته مع المسجد العتيق في الوعرة وحتي صلاة الجندي المملوكي الذي حارب الاتراك “شقمق”يسرد الخمايسي بتناغم العارف ببواطن الأمور علي لسان بطل روايته وهو الراوي العليم المتحدث دائما عن حكايات القرية مشاغبات حجيزي مع سعدون في المسجد طريقة شرب اللبن الرائب او حتي طريقة جز شعر الأغنام واستحمام ناقة حجزي ونومه على مسطبته أمام منزله وحوارة مع ابنه بكير وسعداني وزوجته اللذين فقدا طفلهما غريقا في البئر ” ذكرني وصف الخمايسي كيف غرق الطفل في البئر الضيق بحادث طفل المغرب الذي قامت الدنيا لأجله وفي النهاية مات “،العجوز الذي لا يهاب الموت يفكر كيف يفارق الحبيب الأحبة ويموت ويدفن هكذا ويأكله الدود وهو الذي عاش كل هذا العمر مجتهدا في تكوين اسرة واحفاد وعاش حتي رأي حفيده وشاهد قصة حبه التي تحدثت عنها القرية وكاد ان يوقع بين عائلتين بسبب رعونة أفكاره .لقد نجح الخمايسي في تصوير شخصيات مختلفة وفي بيئة مختلفة كما انه نجح في فكرتة التي تبناها حجيزي ومغامراته مع كل أبناء واحداث القرية التي سردها مع أحفاده حكايات الموت والحريق والغرق دلاله تصاعدية لرؤيته في خلود الجسد الذي يبحث عنها تارة مع الشيخ مزيد وأخرى مع يؤانس حتي يجد وسيله يقنع بها ابناءه وأحفاده أن لا يدفنوه بمفرده فيتحلل ويتعفن أو يبقي علي وجه الأرض جثه تأكلها الكلاب ففكر في الرحيل إلي قرية مجاورة “موط” في امتداد الصحراء البعيدة حيث السر هناك انها شجرة البرتقال التي ظن انه اذا طعم منها قبل الوفاه ومات ستنبعث منه رائحة البرتقال الطيبة الرواية التي شغلنا بطلها بفكرة خلود الجسد رواية نابضة بالحياة وبحكايات القرية التي لا تنتهي لكنها لا تدعو إلي الرهبنة الجسدية او حتي الفكرية لكن هناك دوما حكمة خلف كل حكاية تلك الضالة التي منحها حجيزي لابنه “بكير” محذرا إياه من منافي الرب وعندما سأله بكير ماهي منافي الرب يا ابتي قال له هي الحزن يا ولدي ….
حظيت الرواية بعقدة باذخة تناولها الكاتب بسرد سلس ومنمق ومشوق ربط المتلقي بشغف حتي ظن القارئ ان هناك سرا خالد في هذه البيئة البعيدة التي لم يتناول الكثير من الكتاب البحث فيها خوفا من مغبة السقوط، غير البارع بهاء طاهر في رائعته واحة الغروب لكن الخمايسي تجاسر وشق الطريق ونجح في نقلنا بين جنبات عالم حاضرا غائبا، الخمايسي يملك أدوات السرد واللغة والأفكار لكنه كاتب مشاكس لقد نجح في وصف المكان الدال علي الزمان من خلال السرد وصعد بالعقدة وجاء بالحل ممتدا باثرة الجاذب الفعال..
محسن خزيم كاتب وناقد