حنان باشا تكتب فانتازيا مشوقة في مجموعة (ب ت ر) للقاصة سمر الزعبي

“تصور لو أن جهنم باردة”
هكذا تبدأ القاصة سمر الزعبي مجموعتها القصصية
( ب ت ر ) الصادرة عام 2021 بثلاثة وعشرين قصة قصيرة عن( دار الآن ناشرون وموزعون .)
حوت مجموعات قسمتها الكاتبة ووزعتها تحت عناوين ( رأس الهرم ، وسط الهرم ، قلب الهرم ، قاعدة الهرم)
واضعة عدة قصص تحت كل عنوان .
تحمل هذه المجموعة سمة طغت على كثير من القصص
الفانتازيا ، الأتسنة، الرمزية والغرائبية ، و إسقاطات عدة بطريقة غير مباشرة ، بخيال جامح ومتقد .
لم تكتف القاصة بالتحدث بلسان الأنثى فقط ، فلن نقول هنا أنها نسوية بحتة ، بل كان في بعض قصصها السارد رجلا و أبطال آخرون تدور حولهم الأحداث .
ثمة ميزة أخرى في هذه المجموعة ، وهي العناوين القصيرة فكل قصة حملت عنواناً من كلمة واحدة او اثنتين ، و تعددت الموضوعات ، فلا تكرار تجده في هذه المجموعة .
لسمر الزعبي قلم محب للخيال، ولنصها أسلوبٌ خاص _ كقارىء وأنت تنسجم مع بنات أفكاره وسرده ؛ تجد نفسك تتعلق بنص أكثر من سواه أو قد يستهويك فتضع له نجوماً وتقيمه وتسعد به ._كما أن القاصة بارعة في شدك وجعلك إما تصفق لها او تتعجب كيف أتتها هذه الرؤية ، ففي بعض قصصها تجد ذلك الطابع الغرائبي العميق ؛ على سبيل المثال قصة : (جثدودة ، هدووء، رخويات) ، و كأنك تخرج من إطار النص ، ويتراءى لك أنه فيلم تشاهده مع مؤثرات كاملة من الموسيقى والإضاءة وربما وأنت تلتهم كمية وافرة من الفوشار .
فهذه القصص اتسمت بأنها عالية الوتيرة وبلا منطق !
كأن يحيا الأموات ويصنعون حياة أخرى تخصهم تتبدل أحوالهم وتتأزم الأحداث في قفلات غير متوقعة ، كما أننا نربط بعض القصص بنمط شعور واحد رغم اختلاف المواضيع فمثلاً :
الرغبة بالانتقام تظهر في قصة ( ملحمة ، لا تغرق ، وقصة أما بعد ) وتنتهي بما يشبه الاعدام .
لكن الشعور بالرضا عن النتيجة الدامية ، لا يشمل القصص الثلاثة ، ففي قصة ملحمة آلت الأمور إلى فوضى شديدة والنتيجة كانت حتمية ومستحقة
وفي قصة أما بعد النهاية أيضاً تتحقق العدالة عن ظلمٍ وضياع كبير .و هو وارد في النص وقد يحدث على أرض الواقع . لكنه لا يسفر عن أي عقاب ، و قد يعيش الجاني بحرية مطلقة ويستمر في غيه بينما يبقى المظلوم في عذاب وحسرة طوال حياته . لكنها وضعت نهاية قوية وسارَّة لبطلتها وربما للقراء أيضاً .
لكن الإعدام الوارد في قصة لا تغرق ، يجعل القارىء يحتج رغم أنه خيال متقد ، يشعر بالأسى نحو البطل ويستاء من الكاتبة البطلة ولكن من فينا نحن الأدباء من لم يقم باغتيال أبطاله ظلماً ولو لمرة ؟!
اقتباس : ( حتى أنه حاول مرارا ان يرفع رأسه من الورق ، كي يغادره ، فيصير وجهه كمن يحاول السباحة خارج الماء ، هكذا فهمتُ كيف أضحى سطح مكتبي من ماء ، وفهمت كيف صار هو حرفاً تحت الماء ولا يغرق، يتلقفه من الجهات كلها ، وهو ينصب وجهه وعينيه الى الأعلى ، ويشهق باسمي فيبتلع الماء ، أبادل انكساره نظرة كبرياء ، ثم أغلق الكتاب .) ص 48.
ظهرت الأنسنة بطريقة حلوة في قصة انتصار وهي عبارة عن مونولوج داخلي مع شيء من الهذيان .
وهي تحيل القهوة الى كائن يراوغها ويسخر منها اقتباس : ( لمحت خطوطاً بنية تتحرك من تلقاء نفسها ، فاقتربتْ لتتأكد من كون ما تراه حقيقة وليس محض خال . انتفخت عيناها بدهشة إذ ارتسمت حروف اسم الغائب على الأرض )
اقتباس آخر ( وقد ندت على شفتيه بسمة ساخرة ، ثم تحركت الحروف بجنون وتفرقت تتبعها )
( صار لحروفه ظل في كل مكان وسمعت قهقة تطاردها ) ص 64 .
طرحت القاصة بعض من قضايا المجتمع مثل : حب السلطة ، التسلق ، الاحتيال .
وتبدل الأحوال _ ترند ، صيحات موضة _في قصصها ( صفر ، ديك دوت كوم ، شمس في بيته )
وإذا بحثنا عن الأنثى نجدها في قصة (مكياج) بأكثر المشاهد مأساوية ، كما أنها قامت بجمع وجهة نظر أنثوية واحدة ما بين الساردة وحيوانها الأليف الهامستر
في قصة ( في بيتنا هامستر) هذه القصة وإن بدت في قالب مرح لكنها موجعة ، فالأتثى وهي حرة وحيدة تكون بكامل شغفها وطاقتها ، و متى ما دخل في إطارها رجل سيفرض سيطرته وسطوته تلقائيا وتضيع تحت عباءته عندما يستلم زمام أمورها وهي تتحول لزوجة وأم . فالهامستر كانت كثيرة اللعب والشغب مدللة ، عندما فُرِض عليها الهامستر الذكر رغم رفضها له وعدم استساغتها لوجوده ، لكنه صبر حتى استولى على كل ما يخصها من مساحة وتبدل الحال عندما خارت قواها بفعل الحمل . القفلة كانت بنظرة العتب وتنهيدة الاعتذار التي جمعت عيون الساردة بعيون انثى الهامستر فالحال بدا وكأنه مشترك .
وتعلو وتيرة الخوف وكأن النص ينبض بقوة في قصة
( مرايا لا ترى) هل هو فقدان الشغف ، أم حالة مستعصية إثر صدمة ما ، مس من الجنون او انفصام ذهني ؟؟ لا أحد يعلم ؛ ان تعكس المرايا كل ما حولها ولكنها تفقد أهم ما فيها وتنطفأ عندما تتواجد “رحمة” بطلة القصة ، فهل تخشن وتعمى عيون المرآة حقاً أم أن ” رحمة” فقدت بصرها ؟
هذه المجموعة شيقة، تجد الكثير لتكتب عنه ، بلغة حداثية فالقاصة تضعك بأجواء مألوفة جداً المصطلحات المستخدمة باللغة الانجليزية ، والتي تكاد تنصهر في لغتنا العامية فلا نجد أي غرابة في إدراجها داخل النصوص ، كما في العنوان ( ديك دوت كوم ، ساندويش ، 140 سم ، مكياج)
في مجموعة ( ب ت ر ) المزيد الذي يمكننا القاء الضوء عليه ولكن اسمحوا لي أن أنهي هذه القراءة بالحديث عن قصة ” أدوار” و التي كان بطلها المصور الذي عاش أغرب تجربة في حياته ، وتأقلم معها وقد رسمته القاصة بهيئة معينة فأتاحت الفرصة لنا أن نراه بعينيها فهو طويل ضامر البطن حنطي البشرة بشعر طويل معكوف ، بعيون سوداء أنيق بقميصه الأبيض وكاميرته الراصدة لأحداث كثيرة ، أماكن متعددة و كيف لأبطال الصور أن يستردوا أنفاسهم من لقطة متجمدة ويمارسون طقوسهم خارج الأًطر و يتناغمون أو يتعاركون ويثيرون فَزَعهُ ويسيطرون على حياته . وقد اقتحموها عنوة فيبادر لإيجاد حلول كثيرة لمعضلاتهم الخاصة ؛ بصور ٍ جديدة لتناسب ما آلت إليه الأمور . اقتباس ( حاول أن يدبر خطة ، صوَّرَ بحراً هائجاً وعلق الصورة على الجدار ، ثم غادر مسرعاً على أمل أن يعود ويجده قد أغرقهم جميعاً . لكنه فوجىء برؤيته مستقِرًّا ، وكانوا يسبحون ويتشمسون و يلطخون _حين يخرجون من الماء_الأرضية بالرمل ، فيتسخ الأثاث كله . ( فكرّ : محالٌ أن تقاوم مدينة وحدك ، لا بد من نظام ) بات يعتني بهم يتفقد احتياجاتهم حتى صاروا عالمه الخفي .و لما توفاه الله حنطوه وألبسوه ثوب إله الشمس ( رع حوراتشي) والكثير من الطقوس .
حتى أنهم اغتالوا خطيب الجمعة على حرمة ما ارتكبوه وجعلوه قرباناً للآلهة . تنتهي القصة بأن ثمة من حمل الكاميرا واستمر من بعده ، وهي الطفلة المتسولة التي قام بتصويرها في بداية احداث القصة .
ما زال هناك ما يقال ويُشار إليه في مجموعة ( ب ت ر) للقاصة سمر الزعبي فهناك قصص طرحت هموم الأزواج الأمهات ، بينت عدم الرضا الإجحاف وقلة الإنصاف ،الصبر و الكبرياء ..
نهاية لايسعني القول إلا أنني قضيت وقتاً ماتعاً بقراءتها وسعدت بكتابة هذه الإطلالة عنها .
مع تمنياتي للقاصة سمر الزعبي بالمزيد من التألق والإبداع .
حنان باشا
عضو رابطة الكتاب الأردنيين