أجرت الحوار الأديبة أليسار عمران
س١_يقولُ أدونيس :آهٍ كم نحنُ مهزومون،وأنا أقول: آهٍ كم نحنُ مرئيون!
لقد لفتّ قلبي عندما تطوعتَ، لتقدم دروساً مجانية بمادّة الاعلام للطلبة في مدينتك(دوما)
فالكرمُ أن نعطي ممّا نمتلكه، لكنّك أعطيت من الوقت والجهد حتى ممّالم تكن لتمتلكه
السؤال أخبرني عن رسالتك الكبيرة، ففعلكَ على الأرض أبلغُ من الشعر لمن يرى!
ج١:شكرا لهذا السؤال الجميل!
الشعر: هو تزيينُ الكلام ،وتشذيبه، وحمله على أجنحة الخيال! ولكنّ نقطةُ قوّته، هي ذاتها نقطة ضعفه، فهو خيالٌ بخيالٍ
،ألم يقول الرازي إنّ أجمل الشعر أكذبه!؟
وفي القرآن (والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون)
أما الواقع فالشعر فهو الصّدق بعينه، والحقيقة بعجرها، وبجرّها، لذلك ربما قد زهدت بالشعر، بعد ان كان بمثابة البداية في عالم الكتابة ، ورغم أني بلغت به شأناً لا بأس به، لأن فنّ اللاواقع كما فنّ الحكاية، وما يجعله يسري بين الناس ،هو أنه يخاطب اللا الوعي فيهم ويدغدغ أحلامهم المستحيلة، لذلك اتجهتُ إلى الواقع وإلى العمل المادّي، بمعناه الأوسع لا التقليدي، وكانت هذه الورشة الإعلامية التي التزم بها بعص الطلاب ،وبعضهم بعيد تماما عن الصحافة باختصاصاتها كلها، ولاسيما انها أقيمت في مدينة ،شهدت أكثر فصول الحرب دماراً، وروّج لها البعض بأنها عاصمة الإرهاب، و روج لها آخرون بأنها عاصمة الثورة، أما هي فلا ذلك،ولا ذاك، فأهلها ككلّ أبناء سورية
فيهم من كل أطراف الحرب، بين الخط المدني والخط الحربي، ووجدت أنه لزاماً عليّ أن أعمل ولو بالمّجان، لأكوّن بؤرا بشرية واعية ،قادرةً على أن تكون نقطة استقطابٍ، حتى أنتقل بالوعي في هذه المدينة، من وادٍ إلى وادٍ.
س٢-أراك تميلُ إلى تسليط الضوء، على أغلب الفنون ،سواء كان الدراما ،المسرح، الرسم،النحت الموسيقى،العقل وتنمية مواهبه في الاستقصاء والمعرفة !
والسؤال لوكنتَ المعنيّ الوحيد بهذا الشأن فماذا تقترح لنهضةٍ بلادٍ بشكلِ أقوى وأجمل وبأذن من تهمس أن الإرث العظيم فيمن نزرعهم لسنواتنا العجاف!؟
ج٢_سورية بلاد عظيمة وتحفلُ بالمواهب، ولكن للأسف الشديد فهي لا تقدر المبدعين فيها ،ربما لانشغال أهلها بقضايا أخرى ،أو لأنهم غيريون بالفطرة، فيحفلون بمواهب غيرهم ،أكثر من مواهب أبنائهم، وهناك اتّهامات أطلقها ممثلون كالفنان( باسل خياط) حين وجّه عتباً وقال:بأن الإعلام السوري لا يصنع نجماً
ومن هذا الإطار قررت أن أنذر نفسي، لمهمّة توثيق، ونشر سِيَر وتجارب مبدعينا بشتى السبل، بجهود فردية غالباً، وأحيانا بجهود جماعية، وشاركت وأطلقت مبادرات من هذا النوع، وكنت وراء الاحتفاء بالكثير من الظواهر والأسماء، وهذا إن كان من مدعاة فخري، لكن ما يزال هناك الكثير من الأسماء، وما يزال الابداع السوري غائباً في الكثير من مفاصله عن جمهوره، وأرجو ان يتاح لي جهة ،تساعدني على أداء هذا الواجب لافرّغ له جلّ وقتي، وأرجو أن تشارك كل الجهات، بمشروع توثيق الابداع السوري، كل حسب تخصصه، فكما هنالك ضباطٌ، وصف ضباطٍ وجنود بواسل توثق لهم وزارة الدفاع ، هناك معلمون يجب ان تعمّم سيرهم عبر وزارة التربية ونقابة المعلمين، وحرفيون مبدعون عبر اتحاد الحرفيين وأطباء عباقرة، ومخلصون عبر وزارة الصحة ونقابة الأطباء فإن القائمة تطول.
س٣_يقول نيتشة أن الاختصاص مهم جداً في رفع سويّات البلدان، أما في زمن الحرب فماذا يدرّ الاختصاص لوحده على صاحبه!
هذا ماوصلَ إليهِ معظم السوريوين، فالرواتب تكفي أجوراً للمواصلات وحسب، ماذا تقترح في شأنِ هذه النقطة، ماذا تقول للسوريين، وهل أنت مع فكرة تعليم مهن في مختلف الصفوف بالاضافة إلى الاختصاص!
ج٣_الموضوع الاقتصادي من أصعب وأعقد المواضيع، لأنه يتصل بحياة الناس ومعيشتهم وتامين رزقهم وحياة أبنائهم، هذا في كل بلاد العالم
فكيف في بلدنا وقد أعيتها النزاعات، ودمرّتها الحروب، وليس هناك من أفق ٍواضحٍ للحل
أرى أن أيّ نهوض اقتصاديّ شبه مستحيل، ما لم يتمّ فضّ النّزاع في سورية ،ومالم يتم الوصول الى تسوية جديدة ، تحفظ لهذه البلاد وحدتها ووحدة مؤسساتها الدستورية.
فالحل ّيكون بدهان البيت وإصلاحه،وتزيينه ،وليس بهدمه فوق رؤوس قاطنيه
لذلك مهما طلبنا من الإنسان بأن يعمل بأكثر من مهنة ضمن الاختصاص أو خارجه، فلن يحقق ذلك المطلوب والمأمول
وها أنا أمامك..أكتب وأنشط في غير اختصاص ثم إنّ كلّ ما أجنيه لا يكفي مصروفاً لأسرتي لأسبوع واحد
س٤قبل الحرب حدثني عن دوما، وحدثني عن عدد المرات التي نجوت فيها من الموت، وماذا علّمتك الحرب!
ج٤_ قال أحد الحكماء؛وما الحياة الا محض صدفةٍ
أما هل نجوت من الموت بالصدفة!؟
لا يوجد شيء اسمه صدفة، كثيرون ماتوا في هذه الحرب ولم يكن لهم فيها لاناقة ولا جمل، وآخرون اختاروا الموت بأنفسهم ولكن سيّان
لقد علمتني الحرب أنّ الموت كالطّلقة يأتي في موعدٍ ما ،وفي مكان ما ، وصاحب الحظ هو من يكون موجوداً عندما تأتي تلكَ الطلقة، لقد خرجت من الحرب بعد انتهائها على الأقل في مدينتي وفي العاصمة ،بأمراض نفسية، استغرق شفائي منها أعواماً، وكأن الخوف الذي حاربته أعواما، خرج لي فجأة دون سابق إنذار
لأننا في الواقع ضعفاء أمام الموت، مهما حاولنا إظهار خلاف ذلك، لقد ازدت هدوءا وحكمة وتسليماً بعد الحرب، وصرت مؤمناً بالمقولةِ الذي كنت أنتقد جدتي عليها: (هيك الله رايد)
س٥_ثمة سؤال يطرحُ نفسه ،لماذا أنا هنا في هذا العمل بالذات!؟
مجالك هو الصحافة والإعلام
ما هي إيجابياته !وماهي سلبياته! وماهو المطلوب ليعمل الإعلامي براحة واجتهاد في هذه البلاد!؟
ج ٥_العمل في الإعلام مهنةٌ اخترتها غن سابق إصرار وتصميم، عملت مجلة مبوّبة وانا في العاشرة من العمر، وعندما كان يسألونني ماذا تودّ أن تدرس!؟
فأقول(جرنلجي)، إنها مهنة المتاعب بحقّ، لأنها لا تترك لصاحبها فرصة لالتقاط الأنفاس، إنه يعمل على مدار ال(٢٤ ساعة،)
قد أكون متطرفا في نظرتي لها وقد لايشاركني فيها الكثيرين ولكن أكثر سلبياتها أنها تذيب الأنا في العام
وتصبح هموم الصحفي ثانوية مقابل هموم الجمهور!
أما إيحابياتها أنها تجعلك لا تتوقف عن الاطلاع، أو كما قال لي الصحفي اللبناني غالب قنديل:أربعين سنة علّمتني الصحافة فيها ألّا اتوقف عن التعلّم!
س٦:أريدك أن توجّه رسالة عتب على صناع الحروب ،قل مايشاء طفلُ قلبك من كلمات!
ج ٦’: أقول لصناع الحروب:قال أهل الأمثال في الماضي[ تاجر الماء لا يخسر، فما بالك بتاجر الدم؟]
وهذا التاجر ما زال يبني ثروته ،ويعلّي مكانته من جماجم البشر وبكاء الأطفال، وصيحات الثكالى، ما زال ينشر الفناء، ويعطي لنفسه الألقاب ، والصفات، والنعوت، وما زال يحصّن نفسه ويخفي رائحةَ موتاه، ولكن لا شيءَ سيمحي جريمته
سأقول لمن يتاجر بالدم، ويصنع الحروب، ما قاله الربّ لقابيل:
((ملعون أنتَ من الأرض التي فتحتْ فاها لتقبل دم أخيك من يدك))