زكريا صبح يكتب اعتراف
بعد مراجعة شاملة لمواقف ماضية، والاستماع لصوت العقل من بعض الأصدقاء، بعد لحظات صدق مع النفس ومحاسبة شديدة قررت أن أعترف لكم ولكل من ناقشته على منصات المنتديات والصالونات الأدبية أنني كنت مُخطئا، واعتذر لهم ولهن عن القسوة التي ناقشت بها أعمالهم والغوص في تفاصيلها.
أما الخطأ فإن مبعثه سوء فهمي لوظيفة الصالونات الأدبية والمنتديات الثقافية، فقد استقر في ضميري وفكري أن هذه الكيانات إنما تقوم بوظائف ثقافية تعتمد على خروج كتاب للنور، ويبدو أن فهمي للرسالة كان خاطئا، بحيث اعتقدت أن الدعوة التي تأتيني (لمناقشة) عمل، إنما المقصود منها المناقشة المباشرة للعمل، ولما كنت قد بنيت تصورًا محددًا للمناقشة حيث تصورتها مناقشة لعمل إبداعي، ومن ثم تناول العمل من جهاته المختلفة، بدءا من الغلاف وانتهاءً بالغلاف أيضا، مرورًا بالنص مناقشة موضوعية لتبيان أوجه الإجادة وأوجه القصور في العم، أو ما درجنا على تسميته بتوضيح الإيجابيات والسلبيات في العمل، لما كان تصوري عن المناقشة كذلك وفهمي لفكرة الندوة باعتبارها مناسبة لهذه المناقشة، فقد كنت آخذ الأمر على محمل الجد، وأنا إذ أخذت الأمر على هذا النحو، فإن الحماس دائمًا ما يكون رائدي في ممارسة هذا العمل، فأشحذ همتي مدونًا ما تقع عليه عيناي في ورقاتي، ذاهبا بها في نشاط ملحوظ، ثم طرح ما توصلت إليه بإخلاص، وعلى هذا المنوال نسجت كل مناقشاتي.
ولكن مؤخرًا لفت نظري أحد الأصدقاء إلى أمر أظنه غاية في الخطورة، وأظنه كان سببًا لإعراضي عن حضور الندوات؛ همس صديقي في سماعة هاتفي قائلا: خفف الحماسة قليلا وكف عن ذكر السلبيات، واكتف فقط بذكر الإيجابيات لكيلا يغضب منك الآخرون، خاصة دور النشر التي تنتظر دائمًا كُتابًا جدد للتعاقد معهم، فإذا ما ذكرت السلبيات ظنوا أن للدار دورًا فيها، ولذلك يعرضون عنها.
ثم استمعت مؤخرًا إلى صديق في حديث لقناة ما تعقيبا على سر الإشادة الدائمة بالأعمال على المنصات الأدبية فقال: إنها أجواء احتفالية يحب الكاتب أن يسمع فيها ما يرضيه ويرضي ضيوفه، فلماذا أسبب له حرج ومضايقة بذكر سلبيات العمل؟
هنا ضربت رأسي بكفي، وأسقط في يدي وشعرت كم كنت مُخطئا، ولذا اعتذرت ولكن، من أين جاء اللبس في هذا الأمر؟ ربما كان ذلك مدعاة لهذا المقال، وفيه أريد أن أصل لتحرير بعض المصطلحات والمفاهيم.
أولًا: لا بد من التفرقة بين ورشة مناقشة العمل أو ما يصح تسميته جماعة المراجعة قبل النشر وبين مصطلح حفلات التوقيع.
فالأول يكون معنيا بمناقشة وتنفيذ العمل في جلسة خاصة تقتصر على النقاد وصاحب العمل، وحبذا لو وجد المراجع ومندوب عن دار النشر ومصمم الغلاف، بحيث يخرج العمل منقحًا مدققًا جاهزًا على الطباعة، وفي هذه الجلسة سيكون مقبولًا بل وممدوحًا إظهار سلبيات العمل
أما ما نطلق عليه الآن -مجازا- ندوة ونخلط فيها بين المناقشة وبين الاحتفال، فينبغي أن تكون مقتصرة على حفلة بمعنى الكلمة، وفيها نحتفل بخروج الكتاب، والاحتفاء بالكاتب بأن يحدثنا عن تاريخه الإبداعي وإصدارته وطقوسه وآرائه في مختلف القضايا، وموقفه من عموم قضايا عصره، ثم تختتم الاحتفالية بتوقيع الكاتب على نسخ لمن واتته فرصة شراء الكتاب؛ احتفاءً بالكاتب وبمنجزه الإبداعي، كل ذلك دون التطرق لمناقشة الكتاب بالمرة، لكيلا نضع النقاد في حرج، ولكن إبقاء الوضع على ما هو عليه ليس صحيحا لأننا لن نأمن لمن يسيء فهم الوظيفة الحقيقية لحفلات التوقيع ويظنها مناقشة وهي في الحقيقة احتفال.
وأخيرًا: لا بد من تحديد الدور المنوط بالصالون الأدبي الذي أرى أن يكون الهدف منه التجمع الشامل، ولم شمل المبدعين في كافة وجوه الإبداع ومناقشة القضايا الأدبية والسياسية والاجتماعية والفنية، ولا غضاضة البتة في أن يستمع الحضور لقصيدة أو قصة، وأي نص يدخل على الحضور البهجة والسعادة، وبذلك يكون الذاهب إلى إحدى هذه الثلاثة يعرف تمامًا ما سوف يقوم به، ولا يسبب لغيره حرجًا بغير قصد.