عبد الهادي شلا يكتب هل سيختفي الحب..؟!
هل سيكون للحب مكان في عالمنا القادم، أم سيتقلص ثم يندثر وهو يتلقى كل هذه الإشارات التي تنبئ بتغيير صورته تغيرا كاملا بينما نحن نتابع و ننفذ ما يُملى علينا و كأننا مُغيّبون أو واقعون تحت سطوة قوة قاهرة ملكت أدواتنا واستحوذت على خيالاتنا التي لا يمكن الفكاك من سطوتها بأدوات تسللت ببطء شديد ثم انطلقت بقوة عظيمة وانتشرت تحصد كل ما مرت عليه من مقومات حياة توارثناها نحن البشر عبر الزمن؟
لا شك إن الحب شعور يرتبط بغريزة الإنسان للميل إلى الأشياء وهو في الأصل إقبال النفس والروح بشغف نحو شيء ما ترتاح له، وتقع تحت سطوته، ولنا أن نقول بأن الحب بين الرجل و المرأة بكل صفاتها …الأم..الأخت..الحبيبة..إلخ هو الأسمى والذي تقوم عليه علاقات البشر، دون أن نسقط حب الإنسان إلى التمتع بالطبيعة واكتشاف الأشياء من حوله واستغلالها بما ينفعه وينفع غيره.
والحب صفة هي غير الميل للأشياء فهو يتغلغل في الروح وقد لا تشفى منه بينما الميل هو في الأصل هوىً عابر نحو شيء ما ترتاح له النفس ولا تشقى بغيابه فهو يكون في أكثره وقتيا.
تطالعنا الأخبار يوميا بكل جديد مما وصلت إليه البشرية من اكتشافات واختراعات يقف العقل عندها مندهشا و متفكرا في قدرة الإنسان على الوصول إليها دون أن ينسبها إلى القوة الخارقة التي مكنها الخالق في داخله وأوحى بها “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” ولعل الحكمة من الآية أن الخالق أراد بها رحمة للناس ليتدرجوا خطوة خطوة نحو ما يساعدهم على الحياة كلما زاد تعقيدها..
طالعت خبرا حول مخاطر تلك الأدوات الجديدة العظيمة وهي “الريبوتات” فرغم أنها تُيَسِر على الإنسان الكثير من الأداء الذي لايمكن أن يقوم به بطريقته التقليدية في بعض العمليات الجراحية مثلا أو تصوير أدق ما تتكون منه الخلية أو يصيبها من عطب وبصورة دقيقة إلا أن هذه الأدوات”الريبوتات” قد تَخوَّف منها العلماء الذين أوجدوها بجهد كبير من أن يتم استغلالها في الحروب بين الأمم كما حدث مع اكتشاف الذرة التي صُنعت منها القنابل وذاقت ويلاتها البشرية حين استخدمت في حالة يأس وأبادت ملايين البشر ومازالت مصدر تهديد تلوح بها الدول التي تمتلكها.
نعود ونسأل:
هل سيكون للحب مكان في هذا العالم الجديد وسط هذا الكم المتسارع من الاكتشافات والاختراعات التي منذ أن أتيحت للعامة من الناس بدأت في انسلاخ أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم تدريجيا وخلى كل واحد مع “جهازه” وصار الصديق الافتراضي البعيد في أقصى المعمورة أقرب إليه من أخيه الذي يجلس بجواره.
وهل سيكون شعور المُحب نحو حبيبته التي كان يسمع أنفاسها ويشم رائحة عطرها ويلمس يدها ويُبحر في بريق عيونها شعورا مختلفا تحكمه الومضة السريعه ولا يجد الوقت ليسرح بخياله يرسم لها الصور الجميلة ؟
وهل سيكتفي بالبحث عن صورة جميلة من الطبيعة عبر”جوجل” ليرسلها لها بدلا عن تلك الوردة التي تغنى بها الشعراء في قصائدهم أو حفظتها بين صفحات كتابها المدرسي وصار “الياسمين” مجرد صورة لا رائحة له؟!
زمن يحتار فيه العاقل مع أنه زمن العقلاء بامتياز،لكن في كل إبداع فجوة يتسرب منها ما يفسد رونقها وجمالها كما أخبرنا أصحاب هذه الاختراعات العظيمة بأن فيها يكمن سرا خطيرا إن لم يُحسن الإنسان استخدامها ويُحكّم عقله وقلبه المحب للحياة فإن الدمار سيكون أقل نتائج الانحراف بها عن جوهرالغرض الذي وجدت من أجله.