بقلم/ حسام عبد القادر مقبل
“الحياة ذكريات جميلة وحزينة، سعيدة ومؤلمة، قد تكون مليئة بالإنجازات، أو بالإخفاقات.. وتبقى الصورة هي التي تسجل هذه الذكريات وتحتفظ لها لتصنع تاريخنا”.
تخاريف بعد الخمسين
اكتشفت أن بعد الخمسين مرحلة التأمل تزيد كثيرا، فكل ما أراه حولي لدي تفسيرات مختلفة عنه، فما يراه الناس طبيعيا أراه مختلفا، حتى أبسط الأشياء.
تزيد الخيالات والأحلام كثيرا، ولا أستطيع التفرقة بين الحلم الذي يأتي في المنام، والحلم الذي يأتي في الحقيقة، اكتشفت أني استطيع الحديث مدة طويلة جدا عن ذكريات كثيرة لا تهم أحد، وأحدث المقارانات بين عدة أزمنة وأروي المفارقات بينهم ضاحكا، ولا أحد يضحك أو يهتم.
لماذا الخمسين تشعرنا بالفرق في حياتنا؟ هل لأننا قاربنا على الوداع، فلن يتبقى أكثر مما فات، أم أن نصف قرن هي مدة طويلة فعلا، تمتلئ بالخبرات الحياتية والتنوع في كل مناحي الحياة، أم لأني لم أعد استطيع الصلاة إلا وأنا جالس، فالإجابات كثيرة وكلها ليست مهمة، حتى ما أكتبه الآن أيضا غير مهم، ولكني أكتبه رغم ذلك.
نظرات التأمل العميقة تقلقني، لأني دائما استخرج استنتاجات منها سواء بالبشر أو بالأشياء، ولا أعرف صحة استنتاجاتي ولكني بالتأكيد منحاز لها، واكتشفت أن موضوع التأمل موجود في شخصيتي من زمن بعيد، ولكنه لم يكن ظاهرا لي بهذا الشكل الصريح، وكنت سابقا أعتبره لعبة، فكنت في آخر يومي أفكر فيما حدث خلال اليوم، وابدأ مرحلة تقييم لكل الأحداث والشخصيات، وتحليل كثير من الأفعال وأفكر في اسبابها، وكنت في الأغلب أنام، وأصحو لا أتذكر شيئا من تحاليلي العميقة.
الآن نومي قليل ومتقطع، وقد يكون هذا السبب في التأمل العميق الذي ينتابني، فأنا الآن الحاج الذي يقدره الناس بحكم السن، وأنا “الكبارة” الذي يجلسه الناس في المقدمة أو يقفون ليجلسونه مكانهم، لا أحزن لذلك، فالحياة مراحل، وكنت يوما مكانهم، وسيكونون هم يوما مكاني، الأهم هو الأثر، فهل سأترك أثرا ورائي؟ برأيي هذا هو السؤال المهم، ولا أعرف إجابته طبعا.
لا أريد أن أكون كئيبا، فليس من عاداتي، ولكنها أيضا التأملات، والفراغ الكبير وسط كم انشغالاتي اليومية الذي لا أعرف له سرا، فكيف استطاع هذا الفراغ أن يحتل هذه المساحة من ذهني، وأنا المشغول جدا ولا أجد وقتا لتناول الطعام أحيانا.
وبشكل عام، قمت بإخراج بعض تخاريف بعد الخمسين بعدة سنوات، وقد يليها تخاريف أخرى، أو لا، ليس مهما.
حسام عبد القادر مقبل – صورة في حدوتة