الأديب القدير إبراهيم عبد المجيد يكتب مصر وفرنسا .. مواجهات وآفاق مشتركة.
إبراهيم عبد المجيد
هذا كتاب جديد للدكتور محمد عوض الذي هو أبرز علامات العمارة والتاريخ في الإسكندرية . الحديث عنه يطول ولقد تحدثت عنه من قبل في مقالاتي وعن كتبه الرائعة مثل ” إيطاليا في الإسكندرية” وغيرها . والأعمال العظيمة التي قام بها في مكتبة الإسكندرية منذ نشأتها، حين كان الدكتور اسماعيل سراج الدين رئيسا لها، وكيف كانت أيام الثقافة عبر العالم، واللقاءات مع نجوم الفن والتاريخ والحياة السكندرية. الدكتور محمد عوض هو حافظ أثار الإسكندرية حين كان في لجنة الحفاظ علي التراث حتى تركها، حين وجد أنه لا فائدة . الكتابة هنا ليست عن الإسكندرية فقط ، لكن عن العلاقة بين مصر وفرنسا عبر التاريخ منذ قبل الميلاد حتي العصر الحاضر، وعن ثقافة البحر المتوسط بحر العالم يوما ما . الكتاب ليس مجرد بحث علمي فقط في السياسة والأثار والثقافة بتجلياتها المختلفة، لكنه أيضا محفل للصور عن كل ما يتحدث عنه من بشر وأماكن . بعد مقدمة صغيرة عن لماذا شغلته العلاقات بين مصر وفرنسا، وكيف فكر في ذلك في وقت تعبه من الإصابة بكورونا، وكيف لم يكن هذا أمرًا فكر فيه من قبل، وعلاقته باللغة الإنجليزية منذ الصغر، يبدأ بالحديث في الفصل الأول عن الاتصالات المبكرة بمقولة لجان لا كوتير” كيف أن تاريخنا شائع ومعروف لكنه مضطرب” . فالعلاقات بين فرنسا ومصر غالبا موصوفة ومحل مناقشة في كتب كثيرة، لكن الأمر يحتاج إلى بحث . يلقي نظرة على حديث إدوارد سعيد عن الاستشراق، شارحًا سوء الفهم باعتبار نظرة الغرب للشرق مثلا كمجتمعات ثابتة لا تتطور، بينما ذلك متوفر للغرب الذي هو الأعظم ، ومن ثم جاءت أحلام الغزو واستغلال الثروات، ولم تكن فرنسا في علاقتها بمصر استثناء في ذلك. العلاقات بين فرنسا ومصر يمكن أن تعود إلى العصر الروماني حين خدمت أعداد من الجنود في الجيش الروماني، ودافعت عن أرض بلاد الغال، ومنها انتقلت عبادة إيزيس لمعابد بلاد الغال.”جاستون ماسبيرو” الأثري الفرنسي في القرن التاسع عشر، كشف عن العلاقات المبكرة في الفترة الرومانية، حيث وجد نُصبا لاتينية في معابد فيلا والنوبة.
كيف كانت صورة مصر في العصور البيزنطية والوسطى المسيحية. ثم يستمر مع محاولات غزو مصر والحروب الصليبية والتجارة عبر البحر المتوسط بين مدن مثل فينيسيا وجنوا ومارسيليا والإسكندرية حيث ظهرت الوكالات والقنصليات، فكانت أول قنصلية فرنسية بالإسكندرية عام 1563 ميلادية . كيف استيقظت الرغبة في غزو مصر مع بعض المفكرين الأوربيين مثل الألماني “جوتفريد ويلهيلم لايبنتز” الذي قدم للويس الرابع عشر في عام 1672 مشروعًا بذلك، لكنه أهمل المشروع . كيف كانت مصر والشرق محل اهتمام فلاسفة عصر التنوير الذين كانوا يقدرون تاريخها، ويعلمون حاضرها مثل ”فولتير”. وهكذا نمشي حتي نصل إلى “نابليون بونابرت”. وحديث عن الحملة عسكريًا وغير عسكري .
الحملة كانت مكونة من ثلاثين ألف جندي، وكان بها أيضا مائتي عالم ومؤرخ ومدرس وفنان ومهندس وغيرهم من الحرفيين، الذين رافقوا الحملة ليقوموا بتسجيل كل نواحي الحياة في مصر . مثل الإسكندر قرر نابليون احترام البلاد وطريقة حياتها وكان في جيشه عددا من الملحدين والماسون . لم يتعرض الجيش لمعتقدات البلاد كما جاء في بيان لبونابرت، فيه أعلن أنهم يأخذون الشعب إلى الأمام دون تدخل في نظامهم القضائي القائم علي القرآن، وغير ذلك.
لقد أجبر “الإسكندر الأكبر” رجال حملته علي الزواج من مصريات بينما عارض بونابرت ذلك، لكنه لم يعارض زواج الجنرال مينو ” عبد الله” من “زبيدة” من رشيد أو تحوله للإسلام . وحين غادر نابيلون مصر أخذ معه خادمه المخلص “رستم رازا” العبد المملوكي الذي كان يعتني بسلاحه وأكله وحارسه الشخصي، وخدمه رازا سبعة عشر سنة . كانت لنابليون رؤية لمصر والإسكندرية فهي أكبر من روما والقسطنطينية وباريس ولندن، ويجب أن تعود لتكون مركز العالم من جديد. ما أنشأته الحملة من معاهد للأثار وغيره، وأسماء من أداروها، وشراكة المصريين ونظرتهم إليها بين السلب والإيجاب . تفاصيل مذهلة.
لقد مهدت الحملة بإنجازاتها الطريق الي النهضة، وطبعا لا يهمل الثورات ضد الحملة، وهناك من يقول أن النهضة كانت في طريقها إبان الفترة العثمانية، لكن قمعتها الحملة الفرنسية مثل دراسات “أندريه ريمون” عن التنوير . انقسام في الفكرة، لكن المؤكد أنه حدث تغير في نهاية القرن الثامن عشر بارتفاع الطبقة المتعلمة وأكثرهم من الأزهر، ولعبوا دورًا كبيرًا في تولي “محمد علي” الحكم، وفي النهاية تظل الحملة الحدث الأكبر في التاريخ لمصر وفرنسا معًا؛ فتري ذكراها على قوس النصر في باريس مثلا، وشوارعها مثل شارع الأهرامات وشارع القاهرة وشارع الإسكندرية وشارع أبوقير إلخ ، وتري في مصر شوارع بأسماء تذكرك بالحملة ورجالها وعلمائها مثل شارع ديزيريه وشارع مونج .
-2-
ننتقل إلى الحديث عن محمد علي وتأسيس قواعد الدولة الحديثة .
وتلخيصها في مقولته عام 1832 ” أنا أدين لفرنسا بما صرت فيه وسأدين لفرنسا بما سأصير إليه”
دور فرنسا في مصر في عهد “محمد علي” كما تجده في كتاب مثل كتاب “خالد فهمي” “كل رجال الباشا” – الكتاب كتب بالإنجليزية وهناك ترجمة له بدار الشروق المصرية- عن رجال مثل الكولونيل سيف أو سليمان باشا مؤسس الجيش، أو كلوت بك الأب للطب الحديث وغيرهم، ودور القناصل الكبير بصفة خاصة في الإسكندرية، حيث أنشئ ميدان القناصل وبه القنصليات الأجنبية، وكيف كان كلا من قنصل فرنسا “برناردينو دروفوتي”، و”هنري سالت” قنصل بريطانيا، يجمعان الآثار ويتاجران فيها مع المتاحف الأوربية وكذلك ”شامبليون”. ورحلة مع التجارة في الأثار وأين توجد في أوربا.
ما فعله شامبليون بتفسير اللغة المصرية القديمة من حجر رشيد .وحديث عن شامبليون وفتنته باللغة القبطية ورحلته في السفر والدراسة للأثار بالتفصيل. زراعة القطن واكتشافه عن طريق الفرنسي “ألكسيس جوميل” في مصر. رحلة كلوت بك مع الطب في مصر .وانشاء مجلس الصحة والكارانتينة أو الحجر الصحي . رحلة “السان سيمونيين” مع الطب في مصر وغيره من الأنشطة في النهضة .كانوا حوالي 79 عضوًا بين عامي 1833-1851. مؤمنين بالصناعة والسكة الحديد والتعليم والمساواة في المجتمع .كانوا يعرفون بالرومانسيين في أفكارهم . مهدوا لعمل سدود بالدلتا 1847 وقدموا دراسات مبكرة عن قناة السويس التي فعلها فردينادو ديليسبس فيما بعد .
غير “السان
سيمونيين” الفرنسيين كان من بينهم مصريون مثل محمد بيومي ومصطفى بهجت ومحمد مظهر الذي صمم منارة رأس التين بالإسكندرية . وممن جاءوا إلى مصر أيضا الموسيقي فيليسيان ديفيد الذي أدار أول حفل حول عامود السواري بالإسكندرية ، وكتّاب آخرون مثل “ماكسيم دي كامب”، وفنانون مثل “إميلي بريس دافين”، والنحات “فريدريك أوجست بارتولدي”.
في قطاع التعليم يستمر مع البعثات المبكرة التي أرسلها محمد علي إلى فرنسا، وكانت أولها عام 1826 مكونة من 46 طالبا، مختلطة بين المصريين والأتراك واليونانيين والأرمن والشركس والجورجيين. بلغت البعثات بين عامي 1826- 1847 تسع بعثات في موضوعات مختلفة أكبرها كانت البعثة الخامسة عام 1844 من سبعين طالبا، وبينهم من العائلة المالكة مثل الخديوي اسماعيل فيما بعد، وعلي باشا مبارك مؤسس التعليم الحديث . كان رفاعة الطهطاوي من نتاج هذه البعثات، و العالم محمد الفلكي مكتشف الإسكندرية القديمة وواضع الخرائط للمدينة الكلاسيكية وغيرها .
بعد فترة محمد علي بدأ النفوذ الفرنسي أوضح في التنافس الفرنسي الإنجليزي . كانت انجلترا مهتمة بإنشاء خط سكة حديد يربط بين القاهرة والإسكندرية والسويس، بينما كانت فرنسا تخطط لإنشاء قناة السويس بين البحرين الأبيض والأحمر .
العلاقات مع إسماعيل كانت في الذروة . ما جرى في عصره من معارض في باريس كانت مصر بها ، وكيف كانت الرحلة ملهمة لعلي مبارك هو والخديوي اللذين أعجبا بخطط البارون “هوسمان” في إعادة تخطيط باريس مدنيا، واستفادا بها للقاهرة ومنحا المشروع لشركات ليبون وكوردييه. بعد العودة بدأ اسماعيل المفتون بالقصور والرفاهية في بناء قصوره ، وبناء الأوبرا للاحتفال بافتتاح قناة السويس وأوكل لميريت كتابة النص ولجيوزيبي فيردي التلحين لأوبرا عايدة .
الافتتاح وفتنة أوجيني زوجة نابليون الثالث حاكم فرنسا بالاحتفال والتفاصيل وقائمة المدعوين، وكيف قالت أوجيني أنها لم ترى مثله من قبل في حياتها . وقال إسماعيل “لم تعد بلادي في أفريقيا بل نحن جزء من أوربا ”
ماجري من أزمة مالية انتهت بالاحتلال البريطاني وحديث عن الثورة العرابية واستمرار الاهتمام الفرنسي بالمصريات من شامبليون إلى “أوغست مارييت” .
-3-
لقد جاء الشاب مارييت في مهمة لدراسة المخطوطات القبطية. لم تتم مهمته . لقد توجه الي منطقة سقارة حيث كشف عن بقايا معبد سيرابيوم 1851-1852 . مئات المكتشفات تم نقلها إلى متحف اللوفر وغيرها كما أسس في بولاق أول متحف للأثار المصرية. في عام 1872 شغل جاستون ماسبيرو مقعد المصريات في الكوليج دي فرانس ثم أرسل 1881 لدراسة إمكانية إنشاء مدرسة فرنسية في مصر كالتي في أثينا وروما .. أنشا ماسبيرو المعهد الفرنسي للأثار الشرقية في 1907 بمنطقة المنيرة . المعهد صار مركز بحث ومكتبة بها 4000 وثيقة بطلمية هيروغليفية عبرية عربية قبطية وغيرها. يواصل أعمال واكتشافات ماسبيرو، ثم اكتشافات تحت الماء كانت في الإسكندرية بواسطة مهندس الميناء جاستون جونديت قبل انشاء الميناء الجديد 1916 . طريقة الاكتشاف في جزيرة فاروس ” قايتباي” ويمشي مع تاريخ الاكتشافات والدراسات للمصريات حتي مابعد عام 2000 .
من أهم الأمثلة علي الإحياء الجديد للعمارة الإسلامية بناء مصر الجديدة في هيليوبوليس مدينة الشمس، بواسطة الامبراطور إمبان وبوغوص نوبار، حيث المزج بين الفن المصري والإسلامي والكلاسيكية الجديدة الأوربية مما أصبح علامة على أسلوب مدينة هيليوبوليس. كتابات جوستاف لوبون في ” التمدين العربي “وكتابات بيير لوتي الذي يذكر حملته لإنقاذ القاهرة من الموالاة التافهة لأوربا، ولا ينسي دور المعماري الفرنسي آرثر رونيه والصحفي جابرييل شارم في جهودهما لإنشاء مركز الحفاظ علي التراث الفني العربي في 1881 ، ويستمر إلي القول أن تاريخ الاستشراق الرومانسي في القرن التاسع عشر، لا يمكن كتابته دون الإشارة إلى “فيكتور هوجو” الشاعر والروائي الفرنسي الشهير ، رغم أنه لم يسافر إلى الشرق قط ، لكن كان الشرق مصدر إلهامه . مجموعة أشعاره تحت عنوان ” الشرقيات ” وتأثير الشرق في روايتيه البؤساء وأحدب نوتردام . كذلك الرسام والنحات الأكاديمي جين ليون جيروم الذي زار مصر بين 1867-1868 فيما رسمه عن بونابرت وظهور التماثيل الفرعونية وصور لقيصر وكليوباترا ورحلة العائلة المقدسة لمصر . لوحاته تعكس الحياة الرومانتيكية في مصر .
يستمر مع الاستشراق الفرنسي في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في رسوم إميل هنري بيرنارد الذي جاء مصر عام 1894 ، والذي كان من أعماله ديكورات كنيسة شبرا ، حتي يصل إلى اكتشاف التصوير الفوتوغرافي وما صوره الرحالة ومنهم “تشارلس جيلاردو” 1814-1883 العالم الطبيعي الذي عمل مع إسماعيل باشا، ومؤسس متحف بونابرت في بيت السناري الذي احتُل مع الحملة الفرنسية وكانت به لجنة العلوم والفنون.
يواصل الحديث عن النفوذ الفرنسي بعد الاحتلال البريطاني وكيف استمرت التجارة والاستثمار فيها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. وتفاصيل الصناعات وخاصة صناعة السكر .
اتساع مساحة اللغة الفرنسية والذوق الفرنسي فشمل العمارة والديكورات والأثاث ،غرفة لويس السادس عشر، وصالونات الأرستقراطية والأزياء وغيرها، وكذلك شمل المسرح والأدب فصار موليير معروفا أكثر من شيكسبير مثلا .
بدأت اللغة الفرنسية تتجذر مع المدارس الفرنسية منذ 1870 . مدارس مثل الفرير ومدارس الجيزويت للكاثوليك والبروتوستانت والأرثوذوكس، وبدأت اللغة الفرنسية تجذب حتي المسلمين . تأسست فيكتوريا كوليدج في الإسكندرية بين 1902-1905 كمدرسة انجليزية سرعان ما سيطرت عليها الثقافة الفرنسية. أمامهم أقام الفوضويون والمفكرون الأحرار في 1901 الجامعة الشعبية الحرة ، وكانت الأكثر ثورية بين الجامعات. حديث عن هذه الجامعة وكيف فازت بالدعم الشعبي . مصر تتقدم وتنهض في ثقافتها بروح ليبرالية علمانية ومتبنية قيم الحداثة بواسطة المتأثرين بالغرب من الإيليت المصريين أو النخبة . الفرانكوفونية في مصر بعد أن حلت فرقة الكوميدي فرانسيز في الأوبرا المصرية أو في مسرح محمد علي بالإسكندرية . وبدأت الأفلام الفرنسية يتم توزيعها في مصر وعرضها في سينما ريو وفي مسرح الهمبرا، كذلك كانت المسرحيات الفرنسية وحفلات لموريس شيفالييه وإديث بياف وشارل أزنافور وإنريكو ماسياس. يتابع انتشار الفرانكوفونية والصحف الفرنسية العديدة للجاليات، وللفرنسيين والمصريين من نهاية القرن التاسع عشر حتي يصل أخيرا إلى “الأهرام إبدو” الأسبوعية بالاضافة للقديم الباقي مثل البوسفور المصري وكراسة مصر والبروجريه إيجيبسيان التي تمر عليها مائة وثلاثون سنة . طبيعي أن تظهر مكتبات للكتب الفرنسية مثل هاشيت في القاهرة والإسكندرية، وليفر دي فرانس التي أسستها ايفيت فارازلي في 1948 وغيرها . ثم ننتقل إلى اشتعال الإصلاح الاسلامي والقومية المصرية .
رحلة محمد عبده مع الإصلاح في الفكر الإسلامي ونفيه إلى باريس وتأثره بها ، ومصطفى كامل مع فرنسا وزياراته وخطبه هناك ، وأصدقائه مثل الكاتب الفرنسي بيير لوتي وجولييت آدم وكيف كانا سببا في تقديمه لكثير من المثقفين الفرنسيين باحثا عن دعم استقلال مصر عن بريطانيا . ينتقل بعد ذلك الي محمد فريد وسعد زغلول قائد ثورة 1919 والذى بدوره التحق بمدرسة القانون بالقاهرة وسافر الي باريس ليقدم رؤيته للحالة المصرية، كذلك الكتاب والشعراء مثل طه حسين وأحمد شوقي و بيرم التونسي الذي التحم بثورة 1919 ثم تم نفيه بواسطة الإنجليز الي تونس وباريس، بسبب شعره القومي المصري الذي كان في قالب الزجل، وكان ينتقد الحكم الإنجليزي وحكم الفرد ، وكان له تأثيره لاحقا علي شعراء العامية مثل صلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم . ثم ينتقل الي توفيق الحكيم وأثر فرنسا عليه وإلى عبد الرزاق السنهوري رجل القانون الكبير الذي تعلم في جامعة القاهرة وحصل علي الدكتوراه من فرنسا وعاد عام 1926 ليعمل مدرسا للقانون المدني متأثرا بالدستور الفرنسي، وكيف راجع القانون المدني المصري، وحاول تجديد قوانين الشريعة بتأثيرالقانون المدني الغربي ووضع موسوعة “الوسيط في شرح القانون المدني الجديد” في اثني عشر جزءا .
-4-
تحدث نوبة هجرة معاكسة إلى الغرب بعد الحرب العالمية الثانية وبعد حرب 1948 في فلسطين وأسماء من رحلوا وكيف عاشوا في باريس.
بعض أسماء مثل ليوس ياناكيس وجابي أجيون وهنري كورييل وناحوم فرانكل اليهودي الروسي الذي استقر في الإسكندرية منذ عام 1905 وأسس ورشة صغيرة للأثاث مع أبنائه، وأسسوا أيضا ستوديو سينمائي في القاهرة وانتجوا فيلمهما الكارتوني الأول ” مافيش فايدة” في 1936 . ومعروفين أكثر بفيلم مشمش أفندي . في 1950 غادرالاخوة فرانكل إلى فرنسا وواصلا عملهما في الأفلام .
.جابريييل ” جابي” أجيون وكانت مصممة أزياء غادرت لتستقر في باريس، وتؤسس محل أزيائها الشهير في العالم .
حكاية جان لا كوتير الذي كانت له علاقة قريبة من اثنين هما طه حسين وتوفيق الحكيم . وكان له صداقة مع لطفي الخولي المفكر الماركسي ومحمد حسنين هيكل المقرب من ناصر ورئيس تحرير الأهرام والمتحدث الرسمي عنه . لاكوتير ترك مصر عام 1956 . كانت آخر رحلاته لمصر عام 2009 وكانت بالتعاون مع الصحفي الكبير أحمد يوسف كاتب الأهرام في باريس، وتأثر بمكتبة الإسكندرية وكتب عنها، وبعد زيارته أهدى مكتبة الإسكندرية مجموعة وثائق مصرية بما فيها مراسلاته مع ناصر. ويستمر مع غيرهم كثيرين .
كانت هناك مشاكل مع عبد الناصر وتأميم القناة ثم العدوان الثلاثي الذي بعده طردت مصر المقيمين الإنجليز والفرنسيين واليهود . رحلة سريعة مع مشاهير من تعلموا في المدارس الفرنسية مثل قوت القلوب الدمرداشية وألبير قصيري والأب هنري عيروط وجاستون زنانيري وأحمد راسم واندريه شديد وأدموند جابي وجورج حنين وبوب عزام وجورج موستاكي ويوسف شاهين وأسماء البكري المخرجة، وممثلون كعمر الشريف وسناء جميل وجميل راتب، وصحفيون مثل بول بالطا وروربرت سوليه وأحمد يوسف، ومعماريين مثل جين بييرهايم ونجيب فهمي وأحمد فؤاد وسوسن نوير وجليلة القاضي، وعلماء نفس واجتماع مثل مصطفي صفوان وجاك حسون ، وفي علوم الكومبيوتر والسوفت وير، وكذلك في السياسة وغيرها . الشتات المصري بعد 1952 أظهر نوعا من أدب النوستالجيا والحنين لكثير من الكتاب مثل روبرت سوليه في روايته “الطربوش” وروايته ” منارة الإسكندرية” ، وكذلك كتب جورج موستاكي سيرته ، وكتب جاك حسون ” الإسكندرية مرة أخرى” و ” تاريخ يهود النيل ” وننتقل إلى التعاطف الفرنسي مع الأثار المصرية الذي استمر رغم أزمة قنال السويس، ومشاركة فرنسا في انقاذ معابد فيلا بعد السد العالي وتفاصيل ذلك .
. كاتب آخر هو “جان بول سارتر” الذي أتى إلى مصر في صحبته صديقته “سيمون دي بوفوار” عشية حرب الأيام الستة عام 1967 . حفلت الفترة التالية لحرب 67 بمناخ سياسي صعب لكن السياسة الفرنسية بحثت عن جسور مع مصر؛ فأسست مراكز دراسات للاقتصاد والتاريخ والبحوث العلمية ومنح للبعثات لدراسة الاقتصاد والاجتماع والتخطيط الحضري و القانون .
تأسس معهد العالم العربي في باريس عام 1981 وكان لميتران تأثيره الكبير وصار المعهد من علامات باريس. وعرضت لوحات مصرية تحت عنوان” منسيات القاهرة ” في متحف الأورسيه عام 1994-1995 مثل مقتنيات محمد خليل النادر معرفتها في أوروبا . كم افتتحت جامعة سنجور بالإسكندرية 1990. استضافت مكتبة الاسكندرية الرئيس جاك شيراك وتم إهداء خمسة آلاف مجلد من الفرنسية إلى قسم الفرانكوفونية في المكتبة، وكانت أكبر هبة شهدتها المكتبة . ويستمر حتي يصل إلى النشاط التجاري والتصدير لفرنسا والسياحة وإنشاء خط المترو بالقاهرة ، وإنشاء مستشفى القصر العيني الجديدة التي افتتحها مبارك وشيراك عام 1996 وقامت بها مجموعة فينسي الفرنسية .
ننتقل إلى الهويات وأسطورة البحر المتوسط ، فيبدأ بمقولة لروبرت سوليه من كتابه ” مصر . شغف فرنسي ” ان التأثير بين فرنسا ومصر اضطراري فهما شاعران للبحر المتوسط منافعهما متصلة !!”
تاريخ البحر المتوسط وحضارته وكيف كان ملهما للمفكرين والأدباء ويستمر مع رؤساء مثل ساركوزي وماكرون واهتمامهما بالفكرة المتوسطية . ثم الختام بذكر اسماء رائعة لمن ساهموا في هذه المسيرة من محبي مصر وفرنسا في كل مجال وتعريف بكل منهم .يطول الحديث عنهم وأكثرهم إن لم يكن كلهم جاءت اسماؤهم في الكتاب. بين سطور الكتاب والبحث تصنع الصور ملحمة رائعة للعقل والروح .