سليم النجار يكتب سيرة الشعب أساس الطموحات
للكاتب الصيني لاوهان - ترجمة صلاح الدين منذر
سليم النجار
سيرة الشعب أساس الطموحات للكاتب الصيني لاوهان
ترجمة صلاح الدين منذر
إصدار دار فضاءت للنشر والتوزيع-عمان-٢٠٢٢
الطعام ملكية عامة
اهتمّت السيرة الشعبية بصفة عامة، والسيرة الصينية بصفة خاصة في منعطف القرن الحادي والعشرين، بالبحث في مختلف القضايا اليوميّة المكرّرة، والحفر بعيدًا في سيكولوجية نماذج مختلفة من المجتمع، لا سيما تلك المنتمية إلى الفئات المسحوقة، أو على الأقل إلى الفئات الفقيرة والمتوسطة، تلك الفئات التي تصارع الزمن، وتحارب ظروفها المعيشية، وشرطها الإنساني في سبيل تحقيق ذاتها والوصول إلى حلمها بعيد المنال، أن تعيش حياة هانئة بعيدًا عن الفاقة والعوز، وبدون ضغوط نفسية أو تحجيمات اجتماعية.
في هذا السياق، وداخل هذا الإطار الإنساني، تقع سيرة “الشعب أساس الطموحات” للكاتب الصيني لاوهان، في حبكة بسيطة تتلخّص في شخصية “جيانغ ينشيغانغ”، والذي يعيش في ظروف صعبة بسبب الفقر والعوامل الجغرافية التي ساهمت بشكل أو بآخر في خلق هذه الظروف.
وحتى نقترب بالفعل من هذه العوالم، هذه ترجمة للفصول الاثنتي عشر:
-١-
تفقد الأمم حاستها التاريخية إذا غاب سؤال الهوية، ذلك أنّه حال هذا الغياب، تنحرف بوصلة الوعي الجمعي في اتجاهات شتّى، وتتغلب عليها روح السلب الحضاري، وتصبح مؤهّلة للتبعية الثقافية والفكرية وذيلًا في منظومة الحضارة السائدة، هذا ما ذكره الكاتب الصيني في طيّات نصه، إن لم يكن أساس سيرته، وافتتح فصله الأول على الشكل الأتي: “بيوت بجدران طينية، مؤونة لا تكفي إلّا لنصف سنة، لا تزوّجوا بناتكم من أبناء شياجانغ”، ظلّ جيانغ يذكر هذا القول حتّى بعدما بلغ عمره ٦٧ سنة، وها هي البلدة تتحوّل من الفقر والوساخة والضعف إلى الجمال والاخضرار والغنى.
-٢-
تطرّق لاوهان في فصله الثاني إلى المعارك الحضارية التي خاضها الشعب الصيني من خلال قرية شياجانغ التي شكّلت نموذجًا لباقي القرى الصينية في محاربتها الجوع والفقر والذكريات الأليمة، “لا تزال ذكريات الستين عامًا الماضية مريرة، فليس من السهل نسيان معكرونة الغبار، تلك المعكرونة المصنوعة من الغبار المخلوط ببعض ما اكتسحته الطاحونة، هي أفضل طعام أكله جيانغ ينشيانغ في طفولته”
-٣-
يتناول الكاتب في هذا الفصل كيفية التخلّص من الفقر، وبناء معمار صيني مستقل عن تجارب الآخرين، ومتمايز في العمق التاريخي التراثي بكل إنجازاته، “إنّ الافتقار إلى القيادة التكنولوجية والشركات الرائدة، بالإضافة إلى الموارد والبيئة، هو أيضًا سبب مهم لعدم تمكّن قرية شياجانغ من التخلّص من الفقر”.
-٤-
يمكن اختصار الفصل الرابع بكلمات لاوهان التي جاءت على الشكل الأتي: “ملء بطون الجميع، هذه هي القدرة الحقيقية”.
-٥-
إنّ استخدام العلم في أتمتة الحياة الصينية، وتحويل الصينيين إلى منتجين متجاوزين كل العقبات، أساس تحقيق كل الطموحات التي سعى لها، وكما ذكر الكاتب لاوهان في هذا السياق: “فبالنسبة للشعب، كلّ شيء صغير في حياتهم هو حدث كبير حقيقي، تمامًا مثل جسم الإنسان، فما دامت الخلايا الصغيرة تتمتع بصحة جيدة، سيكون الجسم مليئًا بالحيوية والنشاط”.
-٦-
لقد تحوّلت التقنية في ذاتها إلى أيديولوجية بالمعنى الإيجابي للصينيين، مفادها كلمات أزادت تلبية رغبة الإنسان في الاستحواذ التقني كلما زادت سعادته، وهذا لن يتحقق إلّا بالإنجاز، “وتنسيق تنمية الصناعات، وبناء البنية التحتية في المنطقة المحيطة، ومساعدة مزيد من القرى، ودفع مزيد من الناس إلى التطوّر لتحقيق الثراء المشترك”.
-٧-
هنا تصبح الذات بنية طموحة، وتملك القدرة على تحقيق ما تطمح له، وأشار لاوهان في هذا الفصل على وجه التحديد، عن كيفية تحقيق ذلك من خلال فهرسة الفصل ليشكّل منهاجًا للتعريف بهذا الإنجاز الذي حقّقه الصينييون في قراهم، كما جاء على النحو الآتي:
” ١- ترويج علامة شياجانغ الثقافية باللون الأحمر
٢- إنشاء نظام صناعي أخضر يقود إلى الثراء
٣- بناء شبكة مواصلات للسفر والسياحة
٤- إبراز المناظر الطبيعية الريفيّة الجميلة
٥- خلق فلسفة بيئيّة جميلة منسجمة مع الطبيعة وصالحة للعيش
٦- العمل للوصول إلى رخاء شامل وحياة أفضل للجميع
٧- خلق إدارة أنموذجيّة فعّالة للريف”.
-٨-
يتناول الكاتب في هذا الفصل الاستجابة القوية لتكنولوجيا الرخاء إن جاز التعبير، وهذا الأمر ينتج أمران: الأول توقّف حاسة الكسل، والثاني تأطير سقف المعرفة لخدمة الإنسان الصيني، “في الماضي، لم يكن هناك تنمية في القرية، وكان الشباب مثلي يغادرون مسقط رأسهم في الريف، أمّا الآن وبعد أن تطورت القرية كثيرًا، عدتُ لكي تتطوّر القرية بشكل أفضل، ونحن نحتاج لأن يعود المزيد من أبنائها”.
-٩-
في هذا الفصل، لا تتوقف القدرة على الإبداع، بل قدّم لاوهان نموذجًا ناجحًا ومنتشرًا في جميع القرى الصينية، لذا، تصبح المعركة ليست في إنتاج الفكر، بل في خلق بيئة قادرة على إنتاج فكر، قادرة على خلق حالة الرفاه لكل المواطنين الصنيين، “ووضع خطة شاملة للقرية، وذلك بإنشاء شركة مساهمة تضمّ جميع الأسر، وتحصل كلّ أسرة من خلالها على جزء من الأسهم، ويتم توزيع الأرباح على الجميع، فبهذه الطريقة لن يتخلّف أي من الأهالي عن ركب التطوير، ويكون تحقيق الرفاهية شاملًا وحفيقيًا”
-١٠-
يتناول هذا الفصل كيفية انتشال قرية شياجانغ من الفقر، وأشار لاوهان لذلك من خلال توظيف حكمة صينية لخّصت موضوع محاربة آفة الفقر، وهي: “ساكن الجبل لقمته من الجبل، لكن طريقة الأكل قد تغيرت”.
-١١-
في هذا الفصل يوضّح لاوهان أن التنوير والانفتاح على كل ما هو جديد بالضرورة يؤدّي لخلق حالة من التنوير، وقد بيّن ذلك فيما يلي: “تحدونا الثقة أنّ الزهور الجميلة مثل شياجانغ التي أزهرت على أرض تسهجانغ، ستزهر أيضًا في كلّ مكان من الوطن الأم، لأنّ تسهجانغ اليوم تُمثِّل غد الصين”.
-١٢-
رغم كل التفاؤل الذي رسمه لاوهان في كتابه، إلّا أنّه كان متيقظًا أنّ الطريق ما زال طويلًا ويحتاج لجهد أكبر حتى يحقق الشعب الصيني ما يصبو له من تنمية وازدهار، تطرّق للاوهان فكرة كيفية استخدام السوق لتنمية القرية، بدلًا من اللجوء لجبي الأموال، “على المدى القصير يمكن للقرية جني الأموال، ولكن بعد وقت طويل لا أحد سيوافق على القيام بذلك، فاخترنا استخدام السوق، بحيث يمكن لجميع الأطراف الاستفادة وتشكيل قوة مشتركة لتطوير صناعة التدريب”.
يمكن القول أن كتاب “الشعب أساس الطموحات” للكاتب لاوهان، هو سيرة شعب أراد الحياة بما يتماشى مع تراثه الفكري والعلمي، منفتحًا على كل تجارب العالم، مؤمنًا أنّ الصينيين لا بد من أن يكون لهم موقع متقدّم بين المجتمعات البشرية.