بدأت التفكير العميق والسير مع صديقي نهر الفرات الذي تربطني معه علاقة طويلة الأمد , أجواء حارة , وهدوء يلف المدينة اسمع صوت السيارات بصورة متقطعة , وبعضها ترمي المياه الآسنة المنتشرة في كل شوارع المدينة على ملابسي دون انتباهي لها , ماذا اصنع ؟!! ابني الوحيد يعاني من عجز الرئة , وعنده صعوبة في التنفس , بسبب إصابته بهذا المرض اللعين كورونا , وما زالت آثار المرض يعني منها لم يبق عندي من المال ما يكفي لسد نفقات المستشفى , سارت بي قدماي إلى مقهى الأدباء كنت اشعر بالحزن, والكآبة ,والألم جلست داخل المقهى على كرسي بعيد عن الأنظار شربت الشاي وأنا سارح الذهن .
-: صاح رئيس الاتحاد من داخل المقهى أستاذ سمير , مرات عده انتبهت إليه ,وهو يشير بيده, مبارك ظهر اسمك في المنحة ,وهو يرفع ورقة فيها أسماء الأدباء ,وفي الغد نتوجه إلى مدينة بغداد لاستلامها, شعرت بفرح غامر وأمل في الحياة لعل المبلغ الذي احصل عليه من المنحة يسد نفقات العلاج , قمت مسرعا للبيت
-: تحدثت مع زوجتي أخلاص , غدا استلم المنحة التي سوف تحل مشاكلنا , نسدد نفقات العلاج , وإيجار البيت , وكل المبالغ التي علينا منذ اشهر.
-: أفرحتني يا سمير لعلنا نتخلص من الفقر إلى الأبد ,صاحب المولدة هددني اليوم بقطع التيار الكهربائي عنا لأننا لم نسدد المبلغ المطلوب منا منذ أشهر,وكذلك البقال لم يزودنا بالشاي والسكر .
صعدنا السيارة الكبيرة التي تضم معظم الأدباء المعوزين , جلست بقرب صديقي القديم الأستاذ حسن تبادلنا الحديث عن الثقافة والوضع السياسي ,والاجتماعي الذي يمر به البلد , قرأ لي قصيدة وطنية هزت كياني يعاتب فيها الوطن الجريح , بعدها اخذ يناقشني في روايتي الجديدة التي قدمتها للمشاركة في مسابقة الدول العربية .
– : وأردف قائلا أتذكر يا سمير عندما فازت روايتك الأولى بداية الستينيات في مصر.
-: نعم وتم تكريمي وبحضور وزير الثقافة المصري ما الفائدة يا أخي ؟ من يقرا اليوم ؟!!! ومن يهتم بالشأن الثقافي في وقتنا الحالي؟ انهار كل شيء!!! .
توقفت السيارة بقرب بناية اتحاد الأدباء والتي تتألف من طوابق عدة وحديقة كبيرة وسطها نافورة موغلة في القدم ولا تعمل ,هناك على واجهة الاتحاد آثار الرصاص يبدو تعرض الاتحاد إلى هجوم من قبل الارهابين .
ما هذه الفوضى؟ وجدت مئات الأدباء ,والشعراء في وقفة غير منتظمة هناك صراخ في الجهة اليمنى من بعض الأدباء , وهناك تدافع من كبار السن والشعراء , الكل يريد الدخول من الباب الصغير الذي يحيطه رجال الأمن من جميع الجهات , تمنيت الموت في هذه اللحظة بسبب الاهانة ,والذلة في توزيع المنحة .
شاهدت الكثير من المرضى وكبار السن لم يهتم بهم بل على الجميع الوقوف بصف واحد وانتظار الرحمة في دخول الأديب الذي افني عمره وشبابه في تقديم خدماته وأفكاره وثقافته إلى بلده ,والطامة الكبرى يتساوى الأديب الكبير مع الأديب الصغير الذي حصل على هوية الاتحاد بيسر وسهولة وربما بعلاقة من العلاقات المنتشرة في الآونة الأخيرة ٠ وقفت على الجانب الأيسر من الحديقة ,وبدأت التدخين ,تذكرت عندما فازت روايتي الأولى ( الصدمة) في دولة الإمارات العربية إذ تم تكريمي بمبلغ كبير , وإقامة حفل توقيع الرواية ,وبحضور شخصيات أكاديمية وثقافية مرموقة , انتبهت على وقوع جمرة السجارة على يدي ٠كيف لي دفع أجرة السيارة مع هذه الفوضى التي ربما نتأخر إلى عدة أيام للحصول على المنحة , يا الهي وصلنا الساعة التاسعة صباحا وخيم الليل ولم احصل بعد على المنحة , بدأت لا اشعر بقدماي , حتى أن الدورة الدموية ستوقف عن العمل بسبب الجهد العضلي الذي بذلته طيلة هذا اليوم الحار , لم أذق الطعام ,والشراب , عانيت كثيرا ,جلست على الأرض وأنا خجل من الأدباء اهكذا يكرم الأدباء ؟وبدأت بالصراع النفسي المرير لم تبق معي إلا سجارة واحدة دخنتها وأنا اشعر بالحيف ,والحزن تذكرت الدعوة التي وجهت إلي من دولة مصر العربية لحضور حفل توقيع روايتي ( الزمن الساخر) التي فازت على مستوى الوطن العربي , وطبعت ووزعت على حساب الدولة أيكون تكريمي بهذا الشكل المهين في بلدي؟ أنها حقا مفارقة . بعدها أدخلني الموظف المسؤول بعد تفتيشي , وأجلسني في قاعة كبيرة تضم مجموعة كبيرة من الأدباء من النساء والرجال تقف باتجاهين متباعدين ذكوري وأنثوي , بعد أن تنزل الرحمة على الموظف في اختيار كبار السن, والمرضى من الأدباء .
-: صاح سمير علي.
-: نعم تقدم إلى المحاسب لاستلام المنحة ,شعرت بالسرور والغبطة .
أعطني هويتك ومستمسكاتك الأصلية والمصورة , أخرجت كل الأوراق الثبوتيه من حقيبتي الصغيرة .
-: أردفت قائلا هل تريد جواز السفر؟ أيضا معي ,أم أجازة السوق , أو أجازة ممارسة المهنة , اخذ يقلب في جميع القوائم والأسماء التي أمامه , وهو لا ينظر الي.
-: أجابني بقوله اسمك غير موجود في قوائم المنحة .
مصطفى العارف
17/8/2023
