الأدب مرآة المجتمع في (رواية أولاد عشائر) للروائي محمد حسن العمري
بقلم: طارق عودة
كلما جاء الأدب ملامسا للصراعات التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، كلما كان أقرب إلى القارئ وأقوى صلة به. ومن خلال عمله الروائي الرابع الذي نشرته دار الآن ناشرون وموزعون في طبعتها الأولى لعام (٢٠٢٣)، اختال الروائي العمري مسلطا الضوء على جريمة الفساد الإداري والوظيفي التي ارتكبها الكثير من الشخصيات في أماكن وأزمنة مختلفة وذلك لأن لا أحد، إلا من رحم الله، يملك حصانة منها أو منقذ، وهذا ما جاء في توطئة الرواية على لسان شاعر الأردن عرار الذي كان مثالا شعريا لمقارعة المجتمع المنمط والظلم الاجتماعي، فيصدح عرار مؤكدا على أن الجميع معرّض للفلقة.
عبر أربع شخصيات تتعرض للفواجع في فترة قصيرة، يستعرض العمري الهشاشة النفسية لأفراد المجتمع بأطيافه، وكيف أنه لا يمكن أن تكون مواطنا صالحا في وسط منافق مخاتل يدعمه نسيج معقد من الرشوة والفساد والمحسوبية والوساطة، وفي وسط متشظي بين دولة القانون والمؤسسات. ومن خلال صفحات الرواية يظهر جليا قوله تعالى: (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ماعملت وهم لا يظلمون) [النحل: ١١١].
فمِن عطا الذي يتمرد على القبيلة ويعرض أبيه للخزي والعار عندما نزل إلى قاع المدينة وعالمها السفلي ليصبح علما من أعلام اللصوص والصعاليك كرد فعل منتقم وحاد على الفعلة النكراء التي ارتكبها والده الشيخ الذي تحزم بنفوذه وماله وعشيرته لانتزاع وظيفة غير مستحقة لابنه الذي يُتهم فيما بعد بسرقة محفظة معاليه الأمر الذي حوّله إلى وصمة عار بين أهله وفي عشيرته، وهكذا “سود الله وجهه” بحسب التعبير التي كانت تردده والدته، فانسحقت روحه، وحلت عليها اللعنة إلى الأبد. فضاع عطا وأي فتى أضاعوا؟!
وينتقل بنا المشهد إلى الشاب حجاب الذي كانت ردة فعله على عدم تعينه في الوظيفة الحكومية غير متوقعا وتراجيديا بجدارة. لقد كان يرى في هذه الوظيفة طوق نجاة، ولكن وبعد أن خسر الوظيفة بدا له أن لا فائدة من حياة معلقة على حبال الأمل يقرضها أصحاب النفوذ لأنفسهم ولأقربائهم، فيرسمون مصائر ومصادر رزق الاخرين بجرة قلم.
وفي مشهد آخر تموت شروق، خطيبة حجاب، دهسا في ملابسات غامضة، لعل أوضح معالمها طلبها من صقر الريحان الاعتراف بحق خطيبها والظلم الذي أوقعه عليه.
وفي المشهد الأخير يُقتل الشاب صقر ابن شقيقة صقر الريحان برصاصات غاضبة غامضة في لحظة هرج ومرج.
وهكذا يموت الناس، ولكن الحياة تستمر، قد تنتهي الحكاية كما بدأت بالإشارة لأربعة قدموا أرواحهم للعلياء وهم ينتشلون الضباء الصغيرة ويتشبثون بها في حادثة سيول البحر الميت.
لعل الوجع الممتد عبر الرواية يجعلها علامة فارقة في الجرأة كما فعل الخال بادي حين أخرس صوت الظلم الذي تعرض له القاروط، صقر الزفيت، حين كان تلميذا، وذلك عندما ضرب الخال بادي على يد المعلم الظالم. وهنا تظهر الحاجة إلى الوقوف بشكل حازم وجاد في وجه الظلم والظلام وحماية الأطفال وكل أفراد المجتمع، الذين يسكنون مهجنا ونتمنى لهم حياة لا يقعون فيها صرعى بين العشيرة والدولة، فيفخرون بكلتيهما، ويكونون قادرين على انتقادهما أو الإشادة بمنجزاتهما الحقيقة دون أن يتعرضوا للتنميط أوالتكذيب أو المحاسبة بما لا يتفق مع ما يكنونه للوطن من حب وولاء وانتماء.