قراءة في الكتب التي ألفها الناقد العراقي الأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف
عن الأديب عبد الزهرة عمارة
بقلم زهراء سعيد
تعد الرواية جنسا أدبيا يستهويه اغلب الكتاب , وذلك لفضاءاته الدلالية المفتوحة التي تنسج عبر مجموعة عناصر تحت مظلة السرد ,إذ إن كل عنصر من هذه العناصر يحمل مؤشرا دلاليا معينا يتطابق عند إيصاله بالأخر مع الكتلة الدلالية التي يتألف منها النص الروائي , هذه العناصر تعد من الثوابت في النص الروائي إلا أنها تتغير من حيث مضامينها تبعا لرؤية الراوي , والأفكار التي يريد إيصالها إلى المتلقي , وهذا ما نلمسه في الرواية العربية عموما والعراقية على وجه الخصوص ,إذ تمثلت الروايات في سابق عهدها بالتزام النمط التصاعدي لنمو الأحداث بأسلوب شفاف ينم عن سطحية عالية وإدراك متعارف , وذلك بسبب عدم تصارع عناصر البنية السردية فيما بينها , وهو ما يؤدي إلى اختزال الفضاءات الدلالية واستبيان الكتلة الرئيسة للدلالة من دون عناء ,وتفكير,ولكنها بعد ذلك بدأت تخطو خطوات التوائية لا لإحداث الغموض واللبس , بل لجعل المتلقي يستكشف جملة من الدلالات قبل الوصول إلى الدلالة الرئيسة للرواية , وقد زاد ذلك الالتواء من إكساب الرواية لونا من الإيحاء والرمز وتزينها بالإبداعية , وذلك على خلفية رؤية الراوي ,واستبصاره للأحداث التي ينسجها بفضل هذه العناصر,وعلى وفق هذه الأهمية ارتئ الدكتور مصطفى العارف استنطاق البنية السردية في سرديات القاص ,والروائي المبدع ( عبد الزهرة عمارة ) الذي يمثل نسجا من الالتواءات التي ظهرت في الساحة الروائية العراقية وقد تطرق إلى مقصدية المتكلم في الصياغة النثرية كونها تمثل البؤرة الدلالية التي تتشظى منها الرؤى المختلفة , وذلك في أطار السرد الذي يضم تحت مظلته عناصر تمتزج فيما بينها لتطوير الدلالة , إسدال الستار عليها ,ويقول الدكتور العارف أن هذه المقصدية لم تكن موجودة على هيأتها هذه من الإيحاءات ,والرمز ,والتشظي الدلالي في الروايات العربية ,والعراقية في بواكير تأليفها , بل كانت في بادئ الأمر معتمدة على السرد المباشر التصاعدي الخالي من الصور,والإيحاءات ,وأصبح يحمل بين طياته صورا شعرية , ورموزا أسطورية ,واستخدمت آليات عدة منها المنولوج الداخلي , ومناجاة النفس , مما ابعد الرواية عن الرتابة التقليدية لينشرها في العالم اجمع , إن سبب اختيار الدكتور العارف للأديب الرائع الأستاذ ( عبد الزهرة عمارة) لأنه صاحب منجز أدبي كبير ولم تسلط عليه الأضواء الإعلامية , والنقدية إلا بعض المقالات التي كتبت عنه وهي قليلة جدا لا تتناسب مع منجزه الإبداعي , وقد درس سردياته الجميلة لكي يعطي صورة مشرقة عنه ,وعن منجزه ,والكتب التي الفت عن الأديب الرائع ( عبد الزهرة عمارة ) هي كالأتي :-
1- مقتربات السيميوطيقيا في سرديات عبد الزهرة عمارة .
2- تقنيات السرد في روايات عبد الزهرة عمارة .
3- الراهب الصامت سيرة حياة الأديب عبد الزهرة عمارة .
4- قراءات سيميائية نصية في سرديات عبد الزهرة عمارة.
تناول الدكتور مصطفى العارف في هذه الكتب عدة دراسات نقدية حداثوية طبقت على سردياته,ومنها تحدث عن علاقة الشعرية بالسيميوطيقيا , كتقديم للموضوع كان التنوع في القراءات النقدية السيموطيقية للروايات , والمجاميع القصصية للمبدع المتألق الأستاذ القاص ,والروائي ( عبد الزهرة عمارة) من اجل المتعة ,والفائدة حتى لا يدخل السام ,والملل إلى القارئ ,والمتلقي.
وسوف نذكر بعض الآراء النقدية التي تناولها الناقد العراقي الأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف في كتبه عن سرديات المبدع الأستاذ عبد الزهرة عمارة نذكرها بشكل مختصر ومنها :-
1- تميز أسلوب القاص والروائي ( عبد الزهرة عمارة ) , في روايته (كلاب في الظلام ) بأسلوب يحيل اليوم إلى فن اليوميات أكثر من فن السيرة , فهو يوم ليس ككل الأيام , أو هو احتدام الأيام في دورة زمان قياسية محددة , تتصادم فيها أيام الدكتاتورية مع أيام الاحتلال , وصب احات المنفى مع فجر العودة , ساعات الإحباط بأوقات الأحلام, وخلاصته قوافل أحداث كابوسيه تمتد من الليل إلى الليل , لكن ليل بغداد / العمارة ليس ضاجا بالحياة إلى هذا الحد.
2- استطاع الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) من التعبير عن الزمن الداخلي من خلال ثنائية الحلم – اليقظة ,فهو يعتمد على شخصية البطلة الفاعلة في أحداث رواية (فادية )
3- وهذا أسلوب جديد في الكتابة عند القاص المبدع ( عبد الزهرة عمارة ) في إدخال تقنية المشاهد السينمائية في مجموعته القصصية ( الشمس تشرق في عيون النساء ), ويلجا القاص إلى الطبقات الفقيرة في نصوصه القصصية,لأنه يؤمن الأدب هو صوت الفقراء,وهو المرآة التي تعكس همومهم,وأفراحهم,ومآسيهم,وطموحاتهم أما الأدب الذي لا يروى بصوت الفقراء فهو إما أدب دعائي,أو أدب البرج العاجي,الذي يترفع عن الخوض في مآسي الفقراء.
4- يكتب القاص (عبد الزهرة عمارة ) قصصه بصدق,صدق الإحساس ,وخفة الحلم,وكأنه يحصي خسارته التي هي خسارتنا,تراه ينصت لنبض الحياة رغبة بالكتابة,لنزعة إنسانية بداخله,نزعة مفرطة في الصدق, قصصه تعلن رصد تعارضات حادة تشكل الواقع العراقي في مشهديه سينمائية.
قصصه تعلن امتدادها الزمني نهاية الثمانينيات,وصولا إلى بداية الألفية الجديدة بوصفها أي قصصه الخيط الدقيق الذي يربط بين الواقع ,والخيال ,بين الحياة نفسها ,والحلم.
قصصه تجمع للمختلف,وللحالات المتناقضة,وتجسيد لماهية الوجود الإنساني بأصالته,وجدته,وهشاشته. قصصه حافلة بالمشاعر الإنسانية بطعم عذب يشبه مرارة الواقع,واقعنا العراقي,واختلالا ته,عبر لغة ترصد حياتنا العراقية بحروبها,وحصاراتها,واحتلالها,لغة ترصد بتأمل,بإيحاء,بتمرد,بعبث,بجنون,لغة واقفة في المهب من اجل اقتناص لحظة بوح باذخةالدهشة. ( السكرتيرة والخريف)
5- ولعل رواية (غدا سأرحل) للروائي المبدع ( عبد الزهرة عمارة ) هي أبلغ ردٍّ على هذا التساؤل لأنها تُعَدُّ الشَّكْلَ الأكثر توثيقاً للفضاء الزماني, والمكاني، والأكثرَ ضماناً لعمق هذا الفضاء ,واستمراره على مر الزمان, بل يمكننا القول عموماً إن للرواية قيماً أدبية ,وفكرية تحوّل التاريخ الذاتي إلى أفق للكتابة يتحدى مجال البوح والاعتراف حين يحوّل ممارسة الكتابة ذاتها إلى وعي مكمّل لإدراك العالم المحيط بالروائي خلال مختلف مراحل العمر.
6- تميزت المجموعة القصصية (قطة في الطريق ) بالسهولة , والبساطة , والوضوح , وعندما نعود إلى العنوان يتألف من مقطعين الأول ( قطة) الرمز الذي تناوله القاص عبد الزهرة عمارة , والثاني ( في الطريق) الذي بينه القاص من خلال المقطع الثاني الذي دل على الضياع أيضا في كل زمان ,ومكان , ويتوسط المقطعين اسم القاص ( عبد الزهرة عمارة )
7- ولكون الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) يميل إلى وضع اسمه فوق العنوان أعلى الغلاف, وبشكل بارز كونه يشكل وجها من وجوه الإعلان والترويج, وإشارة إلى أهمية رواية ( والتقينا في بروكسل ), وكذلك ليلفت انظار القراء بسهولة ممن يستهوون اقتناء روايته خصوصا, و بهذا التخطيط الإحاطي يتفحص المختبر السيميائي كيفية صناعة المعنى وتمثيل الواقع النصي, فلم يكن ذلك ليخلو من دلالة أو جمالية معينة؛ لأن وضع الاسم في أعلى الصفحة يختلف عن وضعه في أسفلها فكلاهما يعطي الانطباع الخاص به, ووجود اسم المؤلف والحالة هذه؛ ليؤكد بالتعاضد مع الدلالة الإيحائية المتقدمة على المقدرة الفذة من قبل الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) في التفنن بصياغة مؤلفاته, وسيطرته على مكامن الإبداعات فيها, فضلا عن كونه مجددا في ما ورد في بعض منها وليس مقلدا. رواية ( والتقينا في بروكسل ).
8- ما يميز رواية ( الخدم في إجازة ) للروائي المبدع ( عبد الزهرة عمارة ) بدأت فيها من النهاية للحديث عن بطلة الرواية ( سفانة) الفتاة الريفية المظلومة والمضطهدة ,حتى وصلت بداية الرواية ,وقد تحققت تقنية المونتاج السينمائي , عن طريق عرض سيناريو الأحداث التي جرت , وتقطيع المشاهد بحسب الشخصيات الرئيسة المذكورة في الرواية , وحركة الكاميرا أفقيا وعموديا , وتميزت أيضا بالبناء الروائي النادر في زمننا الحالي ,لم يكتب بهذه الطريقة إلا القليل من الروائيين الكبار أمثال جبرا إبراهيم جبرا , وغائب طعمه فرمان وغيرهما , وجاءت بحبكة لا تعرف الرخاوة من حيث تناول الأحداث .
9- واهم ما يميز الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) في روايته ( عاشقة من كنزاربا ) اعتمده على تقنية الفلاش باك من خلال استرجاع ذاكرته للإحداث السياسية, والاجتماعية التي عاشها في الستينيات وما بعدها , وممارسة النقد اللاذع للمحتلين, وأصحاب الدين المزيف , فضلا عن تشتت الرواية لتعطي صورة واضحة ,وواقعية عن تشتت البلد , والصراعات الطائفية فيه , أكد على بعض الشخصيات المحورية الساردة للأحداث.
10- ونلحظ اللغة السردية هنا في رواية ( دماء في بحيرة الأسماك ) تختلف عن اللغة السردية عند الروائي ( عبد الزهرة عمارة ), فهي هنا بسيطة , منتبهة , حالمة أحيانا ,وخالية مما يعتري السرد من ترميز , وإيحاءات , ويبدو لي أن الروائي أراد أن يكتب شيئا خارج السرد التقليدي , وربما أراد الخروج من كل الأشكال , والتقنيات التي ألفى الكتابة بها ,وأرد للغته أن تظل عارية تماما لتعكس بكل دقة,وحرفية .
11- يمكننا أن نلمسه من خلال قراءة المتن السَّردي في رواية (في انتظار القمر)عند قراءة النَّص نحكم عليه بالخيال الفذّ دلَّت علية معطيات متعدّدة يمكن إيجادها في النص السردي ,وهذا الخيال بالمعطيات أعلاه قد أشير ومُهّدَ إليه في الاستهلال, فالاستهلال والمتن كلاهما يشيران لقصديَّة واحدة, غير أنَّ الأوَّل تمهيد والآخر استكمال وتتميم.
12- وهكذا نجد ملامح التصدير في كل قصة من قصص الرواية كونه يمثل مرتسما لبؤرة النص الدلالية، يرتفع كالايقونة تشير إلى ذاتها، وتحيل إلى غيرها , فكل قصة تضمنت حكايتها احدى الشخصيات النسوية في رواية (أعشقك حتى آخر العمر) الذي مارس البطل العزف على اوتار الحياة، التي تتحدث عن شخصية أضنتها المحاولات في الخروج مما هي فيه، يمكن أن نلمس من لغة الرواية دلالات البؤس والعسر، ومعاني تتسم بالضيق والفاقة لشخصية ربما تكون مشردة أو منبوذة من قبل واقعها الاجتماعي المتخلف.
13- والروائي (عبد الزهرة عمارة) فإنه يعتمد على راوي يروي الأحداث بصورة متسلسلة، ومترابطة، ونجد ذلك واضحا في روايته ( بغداد لا تنام )
14- يتضح لنا عبر الحوار بين الشخصيات البُعْد الإنساني الذي يحمله بطل الرواية بما قدَّمه من مساعدة للمراة الكبيرة( سوزان) التي روت له احدث قصتها الحقيقية، وعن طريق الحوار الدائر بين (الراوي) و(سوزان) ضمن رسم مشهد واقعي ومعاناة نفسية حقيقية.