دراسة عن التابعية أم الدرداء وجهودها الثقافية
صدر مؤخرا في عمّان عن “الآن ناشرون وموزعون” الكتاب القيّم “بلوغ الجوزاء إلى مقامات أم الدرداء- سيدة التابعيات، ومعلمة التابعين” للدكتور ضرغام صالح جبارين، وهو كتاب ضخم يقع في 527 صفحة من القطع الكبير، تمكن المؤلف من خلاله الإحاطة الكاملة بسيرة هذه العالمة الكبيرة من التابعين وجهودها الثقافية في مرحلة من تاريخ المسلمين شهدت ازدهارا في العلوم الدينية واللغوية وغيرها، وظهور أسماء نسائية ما يؤكد على مكانة مرموقة للمرأة في التاريخ الإسلامي.
يتناول هذا البحث دراسة مسهبة عن التابعية أم الدرداء الصغرى، ويشمل التعريف بها، والتمييز بينها وبين الصحابية الجليلة أم الدرداء الكبرى، ثم يلْحَق التعريف بزوجها أبي الدرداء.
وعليه فإنَّ محور الأحداث ﰲ هذه الدراسة يدور حول حياة أم الدرداء الصغرى، والتعريف بها بوصفها عَالِمَة، وَعَامِلَة، وَفَقِيْهَة، وَعَابِدَة، وَذَاكِرَة، وقربها من اﷲ تعالى، وحبّها لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وزهدها، وعلاقتها مع زوجها، وزواجه منها، مع ذكر وَصَايَاهُ لَها، وذكر من خطبها بعد وفاة زوجها.
ثم يتطرق البحث للحركة العِلْمِيَّة وَالعَمَلِيَّة وَالتَّعَبُّدِيَّة، لأم الدرداء، من حيثُ نشأتها العِلْمِيَّة وَالعَمَلِيَّة، ويبين أثر ذلك ﰲ المسائل الفقيهة، ونشأتها ﰲ العبادة والنسك والزهد، وعلاقتها بالقُرْآنِ الكريم، ويذكر مَنْ لازمها مِن رجال ونساء، بإقامة مجالس العبادة والذكر، ومدى علاقتها الشخصيّة والعِلْمِيَّة بأهل الشام، وبِبَيْتِ المَقْدِسِ، وأنها تحيي مجالس العلم وتقيمها ﰲ بَيْتِ المَقْدِسِ، كما يذكر ملازمة الخليفة عَبْد المَلِكِ بْن مَرْوَان ﭬ لها ولمجالسها، وَيستعَرْض البحث مختارات من حكم ومواعظ، ورقائق، وأقوال مأثورة عنها، وبعض الفضائل، والأعمال الصالحة التي نقلت عنها، مع بيانِ شيوخها، علماء، وفقهاء، ومحدثين من الصحابة الكرام، الذين روَتْ وأخذتْ العلم عنهم، ثم تلاميذها، علماء، وفقهاء، ومحدثين من التابعين -رَحِمَهُم اﷲ تَعَالَى- الذين أخذوا العلم عنها، سواء كانوا من رواة أهل الشام وبيت المقدس ومحدثيهم، أو من غيرهم، ويترجم لكلِّ واحدٍ منهم، مع ذكر مرويَّاتها ﰲ كتب السُّنَّة، فمن الجدير الإشارة إلى أنَّ المؤلف قام بتصنيف هذه الأحاديث وترتيبها على الأبواب الفقهيّة.
يصف رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين سابقا الشّيْخ رائد صلاح الكتاب في تقديمه له بأنه كتاب قَيّم، تنبع قيمة هذا الكتاب القيّم من أكثر من سبب، فهو كتاب يتحدث عن سيرة حياة أم الدرداء الصُّغْرَى التابعية، وهي غير أُمّ الدَّرْدَاءِ الكُبْرَى الصّحَابِيّة، وهذه معلومة هامّة يَجْهَلُها الكثير من الناس، بل من طلبة العلم، فنجدهم يخلطون الأمور ويظنون خطأً أنّها قد كانت «أم درداء» واحدة فقط، وهو ما يبين خطأه الدُّكْتُور ضِرْغَام صَالِح جَبَارِين مؤلف هذا الكتاب، وأن المؤلف قد استثمر الحديث عن أم الدرداء الصُّغْرَى للحديث عن الحقيقة الصّوفية السُّنيّة، ومدرسة المجَاهَدَة، والتّهذيب، والسّلوك، على اعتبار أنّ أم الدرداء الصُّغْرَى مِن أوّل من تحقق بهذه الحقيقة، وَمِن رُواد هذه المدرسة.
ويضيف الشيخ صلاح في معرض تقديمه للكتاب أن المؤلف استثمر تعريف القارئ على أم الدرداء الصُّغْرَى للتعريف بمكانة المرأة ﰲ الإسلام.
ويتعرف القارئ في هذا الكتاب على حَياة أم الدرداء الصُّغْرَى الزوجة الوفيّة لزوجها، والعَالمة الرّبّانيّة الّتي نشرت عِلمها وأقامتْ الحَلقات العلميّة، وكانَ لها الكثير من التّلاميذ الأنجاب، ويقف على حياة الصّابرة، على عبادة الرّباط ﰲ المسجد الأقصى المبارك، وعلى نُصرة القرآن الكريم، والسّنة النّبويّة، وعلى سيرة متصدقة رحيمة حرصت على حمل الكَلّ، وإغاثة الملهوف، وكفالة الأَرْمَلة، والمسح على رأس اليتيم، وعيادة المريض، وفَكّ العاني، والتفريج عن كرب الغارم. وهي تعد مدرسة ﰲ علوم القرآن الكريم، وفي علوم رِواية الحديث الشَّريف، وفي علوم الحقيقة الصّوفيّة السّنيّة، والتّزكيّة، والتّهذيب، والسّلوك.
يذكر أن الدكتور ضرغام صالح جبارين باحث وأكاديمي فلسطيني حاصل على شهادة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية من جامعة اليرموك في الأردن، عمل مدرسا ومحاضرا ومرشدا تربويا في العديد من المدارس والمراكز التربوية والجامعات في فلسطين، وله من المؤلفات: “صحيح الإسراء والمعراج”، وألَّف بالاشتراك كتاب «التربية الإسلامية» المعتمد في المدارس الثانوية، لمناهج وزارة التربية والتعليم في فلسطين.
وهو عضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في المجلس الإسلامي للإفتاء، في الداخل الفلسطيني، وفي لجان الإصلاح المحلية والقطرية في الداخل الفلسطيني، ويعمل محكما ومصلحا معتمدا في المحاكم الشرعيّة في فلسطين.