أ.د ربيع عبد العزيز يكتب قراءة في كتاب رائدة الشعر الكويتي
الشاعرة / ندى السيد يوسف الرفاعي
دكتور / ربيع عبد العزيز
أستاذ النقد الأدبي – كلية دار العلوم – الفيوم
عن دار كليم للطباعة والنشر أصدر الشاعر الناقد / هشام شوقي في عام 2023م الطبعة الأولى من كتابه : رائدة الشعر الكويتي: الشاعرة/ ندى السيد يوسف الرفاعي، وتناول فيه بالتحليل والنقد ثمانية من دواوين الشاعرة، وقسمه أبواباً تسعةً، أفرد الباب الأول منها عن حياة الشاعرة في مراحلها المختلفة؛ فكشف عن معاناتها من قسوة المرض في مرحلة الطفولة ، واضطرارها للرحيل طلباً للعلاج في سويسرا حيث طال بها المقام ثمانية أعوام تعلمت خلالها اللغة الألمانية وبها تكلمت قبل أن تتكلم بالعربية. ولما كانت المحنُ مِنَحَاً عند أولي العزم ، فقد خرجت الطفلة /ندى الرفاعي من معاناتها أصلب عوداً وأحرص ما تكونُ على أنْ تبزَّ الآخرين. وبهذه الروح الوثابة تمكنت من حفظ القرآن وهي التي لم تتكلم العربية إلا بعد أنْ عادت من رحلتها العلاجية إلى سويسرا، كما حفظت العديد من قصائد الشعر العربي التي كانت تتعلمها ضمن منهج اللغة العربية. وبالروح الوثابة أيضاً لم تكتف بإجادة الألمانية والعربية، بل انخرطت في التعليم الجامعي، وآثرت أنْ تتخصص في اللغة الإنجليزية مما هيأ لها أنْ تقرأَ أشعار كبار الشعراء الإنجليز وفي مقدمتهم ويليام شكسبير. ولم تكتف بحصولها على درجة الليسانس من جامعة الكويت ، بل واصلت دراساتها العليا حتى حصلت على درجة الماجستير في اللغة الإنجليزية وتمكنتْ من أنْ تؤلفَ بها كتاباً عن أمير الشعراء/ أحمد شوقي. وبالروح الوثابة أيضاً تلتحق بمؤسسة المرحوم /عبد العزيز سعود البابطين لتدرس علم العروض والقوافي؛ حتى تصقلَ موهبتها الشعرية، ثم عملت أستاذة للغة الإنجليزية في مركز اللغات وكلية التربية الأساسية بجامعة الكويت.
وكشف هشام شوقي في الباب الأول أيضاً عن نشأة الشاعرة / ندى الرفاعي في بيت علم وأدب وسياسة وتصوف؛ فأبوها- رحمه الله- كان شريفاً ينتهي نسبه إلى آل البيت، وشيخاً للطريقة الرفاعية، وشاعراً، ووزيراً، ونائباً في مجلس الأمة الكويتي لأربع دورات، ومن مؤسسي رابطة أدباء الكويت ومؤسس مجلة البلاغ الكويتية وجريدة السياسة الكويتية .
وفي صفحات عديدة من كتابه يُنَوِّهُ المؤلفُ بأثر نسب الشاعرة ونشأتها في رؤيتها للحياة بما فيها من نزاعات ومظالم وغربة نفسية، فضلاً عن تعلقها بالبيت النبوي، ورفضها ثورة الربيع، وانشغالها بقضية فلسطين، وتأثر عبارتها الشعرية بذلك كله؛ ففي ديوانها (زهرة المصطفى) تستدعي شخصية النبي- عليه الصلاة والسلام- وتوثق سيرته توثيقاً فنياً تتردد فيه أنفاسها. وفي ديوانها الموسوم:( صلواتي) تتردد أصداء نشأتها في بيت صوفي.
ومضى المؤلف يدرس دواوين الشاعرة في أبواب كتابه الأخرى، باستثناء الباب الثامن الذي أفرده عن فلسطين في شعر /ندى الرفاعي، والباب التاسع الذي جعله وثائقياً يضمُّ صوراً ضوئية للمقالات والدراسات التي تضمنها كتابه؛ ذلك أنه كان قد نشر أكثر الأبواب في عدد من الصحف والمجلات العربية، ولكنه جمعها وأعاد نشرها- وحسناً فعل- تعويضاً عن تقصير النقد الأكاديمي- كما يقول- في دراسة الإصدارات الأدبية الحديثة! وهذه قضية شائكة وحرية بالمناقشة غير أن المقام لا يتسع لمناقشتها هنا ؛ لأنها كالحديث ذي الشجون؛ ذلك أن جزءاً منها يتعلق بالأديب الذي لا يتواصل مع النقاد وينتظر منهم أن يلاحقوا إصداراته ويتفرغوا لدراستها والكتابة عنها، وجزءاً ثانيا يرجع إلى ناقد أكاديمي يحبس نفسه داخل أسوار الجامعة فلا يتفاعل مع حركة الأدب إبداعاً ونشراً ، وجزءاً ثالثاً يرجع إلى سيطرة الشللية على الإعلام الأدبي الورقي والمرئي والمسموع وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، ناهيك عن تباطؤ الصحف والمجلات في النشر، وتباطؤ حركة الكتاب العربي من دولة عربية إلى أخرى، وجشع أصحاب دور النشر التي تجعل المؤلف يندم على ما ينفق من جهد ومال في طباعة دراساته.
وقد اصطنع هشام شوقي المنهج التكاملي في دراساته؛ مما منحه مساحة كبيرة من الحرية في الأخذ بقبس من كلِّ منهج، غير أنَّ المنهج الجمالي أكثر المناهج حضوراً في دراساته؛ فهو كثيراً ما يحدثنا عن جماليات القول الشعري في دواوين الشاعرة، وعن سلاسة أسلوبها وتباينه بين السردي والوصفي . وهو كثيراً ما يتوقف مع ما في قصائدها من قيم بلاغية: الاستعارات والتشبيهات والجناسات والطباقات والتكرار والخبري والإنشائي من الأساليب.لقد كشف عن نزوعها إلى تكرار دوال بعينها ؛ فمن ذلك أنها تكرر الدال (غريب) عشرين مرة في قصيدتها غريب، وتكرر أداة التمني (ليت) في قصيدتها ابنة الطاهرة، كما تكرر (كم) الخبرية في ديوان كاد المعلم أن يكون رسولا، وتكرر الدال (وطن) في ديوانها( وطني الذي أحب) ، وتكرر دال( الربيع) موصوفاً بالزيف والبهتان والكيد وغير ذلك من النقائص في قصيدة الربيع الزائف. ولا شك فيما للتكرار من نواتج دلالية وصوتية؛ فهو مرآة كاشفة عن شواغل الشاعرة وأفضلياتها اللفظية. وهو أحد العوامل التي تثري موسيقي الشعر عامة وموسيقى الحشو خاصة، والتي تشنف أذن المتلقي بما يفيض منها من ترجيعات نغمية.
وللمؤلف وقفات متأنية مع التناص على اختلاف أشكاله في دواوين ندى الرفاعي، وقد أبلى بلاءً حسناً في تتبع التناص الديني خاصةً في (ديوان الأنبياء) وديوان (زهرة المصطفى) وديوان( كاد المعلم أن يكون رسولا) وديوان (صلواتي)، مرجعاً كل تناصٍ إلى مصدره في القرآن والسنة، موثقاً إحالاته بمراجع أصيلة. ولم يفتهُ أنْ يظهرنا على تناصاتِ الشاعرة في ديوانها: (لآلئ وأسفار) مع تراثها الوطني. ولا شك في أنَّ مثل تلك التناصات تعكسُ جانباً من ثقافة الشاعرة وتمددها في الماضي البعيد بما فيه من أمجاد زاهية وفظائع مؤلمة وخاصة مقتل الحسين عليه السلام ، واتصالها الوثيق بالماضي القريب بما فيه من ارتحال ومكابدات في البحث عن اللآلئ..
ولم يكتف المؤلف بإرجاع الملفوظات القرآنية والحديثية إلى مصادرها، بل توقف بخبرته كشاعر وناقد أمام أثر التناص في أسلوب الشاعرة ؛ لافتاً إلى أثر التناص في كثرة السرد والتقرير في ديوان الأنبياء ، في حين أن الشاعرة أطلقت العنان لخيالها وقدراتها على الوصف والتصوير في ديوانها: وطني الذي أحب ؛ إذ لم تتقيد فيه بالقيود التي تمليها عليها التناصات المتعلقة بالشخصيات الدينية التي استدعتها في ديوان الأنبياء.
وللمؤلف وقفات دقيقة مع البحور التي نظمت عليها الشاعرة ندى الرفاعي؛ فقد نأت عن قصيدة التفعيلة، وآثرت النظم على الشكل العمودي دون أنْ تصابَ قوافيها بالتكلف، وحين نظمت أشعاراً للأطفال نظمت مخمسات تلائم أعمار من تستهدفهم. كما آثرت النظم على تفعيلات بحر الكامل في صورته التامة في قصيدتها يا (كويت )، وأرجع المؤلف ذلك إلى أنَّ الكاملَ أفسح للشاعرة مجالاً لكي تعبر عن مكنون نفسها وما ترتقب من تطلعات لوطنها.
وألمح المؤلف إلى ضرائر الشعر في بعض قصائد الشاعرة ؛ ففي قصيدتها (معلم الأنبياء جبريل عليه السلام) اضطرت إلى حذف همزة الاسم الممدود ولهذا تحولت ” الأنبياء” إلى ” الأنبيا ” وتحولت ” السماء” إلى “السما” ، كما اضطرت إلى صرف ما يُمْنَع صرفه ومن ثم تحولت “مريم” إلى “مريما “، ولفَتَ إلى أنَّ هذهِ الضروراتِ مجازةٌ غير أنَّ عدمَ الاعتمادِ عليها أولى.
كذلك دَقَّتْ وقفاتُ المؤلف مع القوافي (مطلقة) و(مقيدة) لافتاً إلى ما تنطوي عليه أبنية القوافي من دلالات؛ آية هذا أنه توقف بإزاء تكوينات القافية في قصيدة (مجد الحسين) التي منها قول الشاعرة:
المجـد أنت مـؤصـل فيـــه يا بن الرسول وابن فاديـهِ
هي أمك الزهراء من ورثت أصل الجمال وما نما فيـهِ
فقد لاحظ أن القافية اليائية تلائم ما يفعم الشاعرة من الشجن والألم، وأن هاء الوصل التي تلي الياء والضمير المتحرك بالكسر يزيدان الشجن والألم.
ومهما يكن من أمر فإنَّ هشام شوقي الناقد أفاد كثيراً من هشام شوقي الشاعر في تلقيه أشعار ندى الرفاعي وتذوقها وتحليلها وتقديمها للمتلقي في لغة تخلو تماماً من الرطانات والمصطلحات التي تغرق فيها بعض الدراسات زهواً من الناقد بحداثة معارفه أو تعالياً منه على المتلقي.