مهند طلال الاخرس يكتب اللواء ابراهيم الدخاخني “ايقونة في صفحات التاريخ”
في 7/12/2023 وعلى ارض الكنانة مصر انتقل الى رحمة الله تعالى اللواء المصري والعروبي الكبير ابراهيم محمد ابراهيم الدخاخني… صاحب البصمة الباقية والمواقف البطولية والمفصلية في تاريخ الثورة الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته مع الانبياء والشهداء وحسن اؤلئك رفيقا.
اللواء ابراهيم الدخاخني صاحب مسيرة نضالية وفدائية ناصعة منقطعة النظير عرفته ساحات الوغى في نصرة الثورة الفلسطينية في كل ساحات المواجهة مع العدو .
في سيرته ومسيرته المظفرة سجل حافل من العطاء والتضحية والتفاني؛ فاللواء إبراهيم الدخاخني شارك في جميع حروب مصر بداية من حرب 56 وحتى نصر أكتوبر 1973. وعمل في سلاح المخابرات الحربية والاستطلاع في مكتب عمان في الاردن ابان سنوات حرب الاستنزاف وسنوات العمل الفدائي الفلسطيني، حيث كان له الدور المميز في محاولة نزع فتيل ازمة احداث ايلول الاسود التي نشبت في الاردن بين قوات الثورة الفلسطينية والنظام الاردني، وله مساهمات عدة في هذه الاحداث كان ابرزها تامين خروج ياسر عرفات من الاردن الى مصر مع وفد الجامعة العربية المرافق، بالاضافة الى دوره المميز في تلك الاحداث ابان حادثة اختطاف الطائرات الاربع من قبل الجبهة الشعبية وانزالها في مطار الثورة في الاردن وتفجيرها بعد اخلائها من ركابها واخذهم رهائن، تلك الحادثة التي كان لها الاثر الاكبر في اندلاع المواجهات الدامية بين فصائل الثورة والنظام، حيث اوكل اليه الرئيس جمال عبدالناصر مهمة تسليم رسالة لجورج حبش زعيم الجبهة الشعبية تقضي بضرورة اخلاء سبيل الركاب الرهائن، حيث تسلم الدخاخني الرهائن، وتوجه بهم الى شركة الدخان في منطقة راس العين، ومن هناك ركبوا الى السفارة المصرية بعد تأمين الطريق بواسطة رئيس الاركان الاردني، حيث كان اتصال الدخاخني معه، وبعد الوصول للسفارة المصرية طلب منه رئيس الاركان الاردني التوجه الى مستشفى المعشر، وهناك تم تسليم الرهائن الى الصليب الاحمر الدولي ثم اطلق سراحهم.
وعن سيرة بطلنا ومسيرته الحافلة فهو من ابطال المخابرات الحربية ولد في عام 1934 وتخرج من الكلية الحربية في مارس 1955 التحق بسلاح المشاة وبدأ الخدمة العسكرية في موقع ام قطف وكان قائده في ذالك الوقت البكباشي احمد اسماعيل علي وزير الحربية في حرب اكتوبر.
وفي حرب 1956 كان الدخاخني ضمن كتيبة مشاة يقودها الضابط محمد احمد البلتاجي ومكلفه بالدفاع عن الإسماعيلية غير أن القوات الغازية توقفت على بعد 30كم من بورسعيد .
سافر الدخاخني في بعثة إلى الاتحاد السوفيتي وترقى إلى أن أصبح رئيسا لاستطلاع فرقة مشاه ثم انتقل للعمل في المخابرات الحربية وعمل في مكتب مخابرات غزه بقيادة (فايق صادق) وبعد حرب يونيو 67 انتقل الى الاردن وعمل ملحقا عسكريا هناك وتولى في هذه الاثناء عملية التواصل مع منظمة التحرير الفلسطينية وله في ذلك صولات وجولات.
وفي فترة عمله في الاردن ابان حرب الاستنزاف وازدهار العمل الفدائي وبسبب قرب ميناء إيلات الإسرائيلي من ميناء العقبة الأردني تقرر مهاجمة الميناء، حيث تولى صاحبنا مسئولية نقل الضفادع البشرية إلى منطقة عملهم ( 5 مرات) لضرب ميناء إيلات وكل ذلك تم بمساعدة من حركة فتح.
وقد سجل اللواء الدخاخني في اوراقه اربع عمليات (اي انه لم يسجل العملية الأولى لأنها اقتصرت على دخول الضفادع إلى الميناء والاستطلاع. أما العمليات فهي:
1- عملية الشهيد (عصام)
البدء؛؛ 15/11/1969 العودة؛؛ 16/11/1969
الغرض؛ وضع ألغام بحرية بالقطع البحرية الإسرائيلية الرأسية في ميناء إيلات.
نتائج المامورية؛؛ انفجرت العبوات في كل من:
سفينة الركاب هيدورما التي كانت تنقل الجنود من إيلات إلى الخليج .
سفينة نقل البضائع داليا كانت تقوم بنقل العتاد والجنود من إيلات إلى الخليج .
استشهد خلال المامورية الرقيب بحري محمود فوزي البرقوقي
(اختار الدخاخني الاسم الكودي للعملية نسبة إلى الشهيد عصام الدالي مجموعة 39 قتال وسبق لة ضرب ميناء إيلات الإسرائيلي ب33 صاروخ تحت قيادة الدخاخني وبمساعدة من حركة فتح).
2 – عملية الشهيد البرقوقي
البدء؛؛ 5/2/1970 العودة 6/2/1970
نتائج المامورية؛؛
زورق الإنزال بيت شيفع الذي أصيب نتيجة الانفجار بأضرار جسيمة .
سفينة النقل بيت يام التي غرقت نتيجة الانفجار (اسم الكودي نسبة إلى شهيد العملية الأولى) .
3 – عملية شدوان
البدء 27/4/1970 العودة 28/4/1970
الغرض من المامورية وضع ألغام بحرية.
نتائج العملية :
توجه الأفراد إلى الأهداف في نفس الموعد المحدد ووجد الميناء خالي، ثم عادت دون تنفيذ ( اختار الاسم الكودي لأن العملية جاءت بعد الغارة الإسرائيلية على شدوان) .
4 – عملية دخان
البدء 14/5/1970 العودة 15/5/1970
الغرض من المامورية تدمير الرصيف الحربي لميناء إيلات واعطاب بيت شيفع .
نتائج المامورية :
تم وضع الالغام بميناء إيلات، وهذه الالغام انفجرت قبل وصول القطع البحرية وتم نسف الرصيف الحربي لميناء وقد قتل عدد 7ضفدع بحري للعدو كانت تعمل في المنطقة (أطلق اللواء الدخاخني الاسم الكودي على العملية نسبة إلى اسمة هو شخصيا) .
وفي خضم حرب الاستنزاف كان لصاحبنا بصمات ذات اثر في عديد من العمليات الفدائية النوعية التي شنت بمساعدة قوات الثورة الفلسطينية [قوات عين جالوت ومجموعة ابو هاني] من على طول خط المواجهة بين الاردن وفلسطين حيث شنت وانطلقت العديد من العمليات الفدائية انطلاقا من الحدود الاردنية باتجاه فلسطين.
وفي هذا السياق كتب كثيرون من اصحاب الاقلام والقلوب الوفية مايحفظ سيرة الدخاخني ورفاقه الابطال من اسود الصاعقة المصرية فكتب في هذا المضمار كثيرون يمكن الرجوع اليهم مثل: الفريق محمود فهمي واللواء اسلام توفيق قاسم واللواء علي عثمان بتلك وعبده مباشر واحمد رجائي عطية وموقع المجموعة 39 قتال وموقع مؤرخون حرب 73 وموقع الجنرال واللواء محمود الناطور ابو الطيب قائد قوات 17 في الثورة الفلسطينية واللواء في قوات العاصفة الفلسطينية محمد البيروتي ومحمد الشافعي ونبيل عبدالوهاب وانجي جنيدي وسعيد الشحات والروائي جمال الغيطاني بالاضافة الى نبيل جعفر الخبير العسكري المصري الذي تحدث عن مساهمة الدخاخني ورفاقه في فترة حرب الاستنزاف والتي اطلق عليها اسم زمن البطولات في مواجهة اليد الطولى.
واليد الطولى مصطلح اطلقته اسرائيل على سلاحها الجوي في اشارة لقدرة الطيران الحربي الاسرائيلي على ضرب الاهداف المدنية والعسكرية في اي مكان علي ارض مصر لاحراج القيادة السياسية امام الشعب، وتصويره بانه نظام غير قادر علي حماية الشعب، وبالفعل قامت اسرائيل بضرب العديد من الاهداف مثل مصنع ابو زعبل نجع حمادي مدرسة بحر البقر بالاضافة الى الاعتدات المستمرةعلي المنشات المدنية والحيوية علي مدن القناة (السويس..الاسماعيلية..بور سعيد ) كان ذلك في الفترة ما بين ٥ يونية ١٩٦٧حتى ١ يوليو ١٩٧٠.
وكان على القيادة السياسية والعسكرية ان ترد هذة الضربات في العمق الاسرائيلي كنوع من انواع الردع حتي يكفوا عن ضرب المدنيين، ولم يكن في ذلك الوقت لمصر سلاح جوي قادر علي الوصول الي عمق اسرائيل، ولا صواريخ بعيدة المدى تمكن مصر من تحقيق الهدف، ولكن اللواء محمد احمد صادق مدير المخابرات ا لحربية كان يدرك انة لايوجد امام رجال القوات المسلحة كلمة مستحيل، وان الارادة والعزيمة قادرة علي قهر المستحيل؛ وبالفعل انشأ يد طولى لمصر من نوع اخر غير الطائرات!؟
وجد اللواء صادق ضالته في يد مصر الطويلة من خلال رجال الصاعقة المصرية . اللذين وهبوا ارواحهم فداء للوطن واقسموا علي ضرب العمق الاسرائيلي مهما كانت التضحيات وهم:
١– مقدم صاعقة ابراهيم الرفاعي استشهد في حرب اكتوبر
٢– رائد صاعقة عصام الدالي استشهد في معارك الاستنزاف
٣– رائد صاعقة سمير يوسف محافظ اسوان فيما بعد
٤– نقيب صاعقة علي عثمان
٥– مقدم مخابرات عامة عبد السلام المحجوب محافظ الاسكندرية فيما بعد.
٦– مقدم مخابرات عامة ابراهيم الدخاخني.
ولتنفيذ هذة المهام عليهم التحرك الي الاردن في سرية تامة بعيد عن اعين الحكومة الاردنية، كما ان مثل هذه العمليات يحتاج لقدر عالي من التخطيط، فكيفية الحصول على قدر كافي من
الصواريخ امر ليس بالسهل. واستطلاع وتحديد الاهداف المطلوب ضربها وكيفية الوصول اليها ثم تحديد طرق الانسحاب كل هذا بعيد عن اعين المخابرات الاردنية والمخابرات الاسرائلية المنتشرة في كل مكان، لكن هذا الصعب اصبح سهلا عندما حمل الرفاعي رسالة الى الدخاخني وانطلق بها من القاهرة لعمان، كانت الرسالة تحمل تعليمات واضحة للملحق العسكري المصري في عمان ابراهيم الدخاخني بضرورة الاتصال والتواصل مع حركة فتح ومع ياسر عرفات بالذات لتوفير كل المستلزمات والمساعدات الضرورية بما في ذلك التزويد بالصواريخ والاستطلاع والتمويه.
وبالفعل قام هؤلاء الابطال بعدة عمليات ونجحوا بضرب عدة اهداف في عمق اسرائيل مثل:
١- في ٢٧/ ٤ / ١٩٦٨ ضرب مدينة بيسان الاسرائيلية بعدد ٢٣ صاروخ ٢٤٠ملي وتم اختارها حيث تعد من اكبر المدن الاسرائيلة كثافة في ذلك الوقت خمسين الف نسمة مما يضمن تحقيق نسبة عالية في الخساير البشرية وبالفعل تكبد العدو خسائر فادحة في الافراد والمنشأت.
٢– في٩/ ٤ / ١٩٦٩ تم ضرب مدينة ايلات بعدد ٣٣ صاروخ ١٣٠ ملي واعلانة اسرائيل عن خسائرها مقتل٩٤ مدني واصابة اكثر من ٤٠٠ شخص.
٣– في١٩ /٥ /١٩٦٩ ضرب مصنع سدوم للفوسفات جنوب البحر الميت بعدد ٢٠ صاروخ١٣٠ملي واحدث خسائر فادحة في الارواح والمنشأت.
٤– في١ /٥ /١٩٧٠ ضرب مصنع تمناع للمجهود الحربي والمسئول عن انتاج الزخيرة بكل انواعها وتم ضربها اثناء موعد تغير النوبتجية لتحقيق اعلي معدل في الخسائر في صفوف العمال والفنيين وتم تدمير المصنع بشكل كامل .
ماكتبه الخبير العسكري نبيل جعفر والاخرون من الاشقاء المصريون اسهم في تسليط الضوء على سيرة البطل الكتوم وصندوق الاسرار صاحبنا ابراهيم الدخاخني، لكن الاجمل ما خطه قلم اللواء محمد البيروتي في روايته “مليحة” عن الدخاخني وعلاقته بالثورة الفلسطينية فكتب يقول:
“كان سليم الزريعي ابو حسين قد تعرف مباشرة بعد هزيمة الجيوش العربية في حزيران على الملحق العسكري المصري في السفارة المصرية في عمان مصاحبا ببضعة رجال كانوا من ضمن فدائيي مصطفى حافظ، يلقبونه الصاغ سامي. سيتعرف عليه لاحقا باسم الرائد إبراهيم الدخاخني. من خلال ما قيل له اكتشف سليم إن هذا الضابط يقود عمليات الفدائيين لقوات التحرير التابعة لجيش التحرير الفلسطيني “لواء عين جالوت” إضافة إلى تحركات ضباط وجنود الاستخبارات المصرية في سيناء من خلال مقر عمله في السفارة المصرية في عمان. بالمقابل اكتشف هذا الضابط ان سليم له باع طويلة في مجال العمل الفدائي في سيناء والنقب وقطاع غزة. أثمر هذا الاكتشاف عن شراكة عمل بين ضابط الاستخبارات المصرية وبين سليم.
مصطحبا معه أحد افراد القاعدة وبمباركة من قيادة القطاع، اجتاز سليم برفقة ضابطين مصريين الحدود الأردنية الفلسطينية في منطقة غور الصافي جنوب البحر الميت. إنطلقوا في مسير ليلي نحو سيناء. مرورا بالنقب وغزة، حيث تزودوا بالسلاح من أماكن محددة، كان عليهم جمع المعلومات عن تحركات الجيش الإسرائيلي في النقب وسيناء، والقيام بعمليات قصف للمستوطنات التي أنشأتها إسرائيل في سيناء ونصب الكمائن وغير ذلك. فعالياتهم خلال هذه المرحلة كانت تصل إلى قيادة الجيش المصري المرابط على قناة السويس عبر جهازي اتصال مركزيين مخبأين في أماكن محددة”.
وما اورده اللواء البيروتي في روايته]مليحة] من معلومات ومواقف وذكريات لا تُخفى عنه عين الباحث والمتفحص والحافظ لسير الرواد الاولين.
وهذا طبعا بالاضافة الى دور الدخاخني في العديد من العمليات الفدائية الاخرى المنطلقة من قاعدة غور الصافي والطفيلة السرية وقاعدة وادي عربة في جنوب الاردن.
وهذا كله ايضا يضاف الى عمليات أخرى معروفة لا يتسع المجال الى ذكرها في هذا المقال ويمكن الرجوع اليها عند البحث والتنقيب، إلاّ ان الاهم يبقى في صدور الرجال الرجال ومنهم صاحبنا الراحل الكبير.
هذه العمليات ودور الدخاخني فيها لم يكشف عنها النقاب الى الان؛ نظرا لحساسيتها وتعقيداتها، حيث بقيت حبيسة في صدور ثلة ممن عايشوها من ابطال قوات العاصفة من ابناء الثورة الفلسطينية والبعض الاخر من هذه الاسرار بقي مقفلا عليه في ادراج المخابرات الحربية المصرية.
بطلنا حاصل على نوطين: نوط الجمهورية ونوط الشجاعة والتي استحقها على ارض الصراع بخطوات واثقة قبل ان تُمنح له لاحقا.
بطلنا ابراهيم الدخاخني كان قد حفر اسمه مسبقا بسطور من ذهب في صفحات التاريخ التي لا يعرفها إلاّ اصحاب الخطوات الوثابة والاقدام الثابتة والقلوب الجسورة والصدور العميقة والغميقة كاتمة اعتى واشد الاسرار، فكانت تلك السمات الاثيرة احد اهم ميزات وصفات صاحبنا الراحل الكبير صاحب الاثر الذي لا يزول.
فكان صاحبنا بحق الجندي المجهول وصاحب المواقف البطولية والرجولية في زمن عز فيه الرجال، وصح فيه القول الماثور: رجل بالف والف بخف، فهو من طراز الرجال الرجال، وهو من الرجال الذين اذا حضر غاب عدوه، واذا غاب فقدوه … فهو كالبدر في مطلعه اذا غاب افتقدناه وعلى مثله فلتبكي البواكي.
امثال بطلنا اللواء ابراهيم الدخاخني تصح فيه كل اقوال العرب :-
من ( رَجُلٌ بألفْ وألفٌ بِخُفْ)الى ( رُبَّ هِمَّة،أحْيَتْ أمَّة )
الى ( وَكَم رَجُلٍ يُعَدُّ بَألفِ رَجُل ** وَكَم أَلفٍ يَمُرُّ بِلا عِدَادِ )
الى (لا تَسَلْ عَنْ سَلامَتِه** روحُهُ فَوقَ راحَتِه..
أبْدَلتْهُ هُمومُهُ ** كَفَنا ًمِنْ وِسادَتِه ).
ويبقى قول رب العزة جل وعلا يعلوا على كل قول فسبحانه وتعالى وهو القائل :-{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }
إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك ايها البطل لمحزونون ، لكن عزاؤنا الوحيد في سيرتك الطيبة الطاهرة الباقية مابقي الدهر وسلمت الذاكرة.