أخبار عاجلةاقتصاد وبنوك

أ.د منال خيري تكتب بريكس وتسوية المعاملات الاقتصادية الدولية

تتكون البريكس من مجموعة من الاقتصادات الناشئة، التى بلغ الناتج المحلى الإجمالى لها نحو 25.9تريليون دولار أمريكى فى عام 2022. تكوَّن تكتل البريكس فى البداية من أربع دول عام 2009، ثم توسعت عضويته فى العام التالي بضم جنوب إفريقيا. تشير مجموعة البريكس إلى مجموعة الاقتصادات الناشئة الأسرع نموا (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا) التى من المحتمل أن تهيمن بشكل جماعي على الاقتصاد العالمى بحلول عام 2050.
تسعى مجموعة البريكس إلى أن تكون بديلا للمؤسسات المالية والسياسية الدولية القائمة؛ حيث ترى الدول الأعضاء نفسها كممثلين للجنوب العالمى فى مواجهة مجموعة السبع (G7) ، التى تعد منتدى غير رسمي للدول الاقتصادية الأكثر تقدما فى النظام الدولى الحالي، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، واليابان، ولإحداث تعددية اقتصادية فى الوضع الدولى القائم بعد فترة من الهيمنة الأمريكية والغربية. تعمل مجموعة البريكس على خلق مؤسسات مالية وتمويلية بديلة لمؤسسات بريتون وودز، لذلك أنشأت مجموعة البريكس بنك التنمية الجديد، الذي يقع مقره فى شنغهاي، فى عام 2015بقيمة 50مليار دولار، لتمويل مشروعات البنية التحتية، والتنمية المستدامة فى دولها، والدول النامية. ويُنظر إلى بنك التنمية الجديد على أنه مؤسسة بديلة للبنك الدولى، ولا سيما بعد تحالفه مع البنك الآسيوي للاستثمار فى البنية التحتية الذي تقوده الصين. وسيقدم البنك ما يقدر بـ30 مليار دولار أمريكى لدعم الدول الأعضاء خلال الفترة من عام 2022إلى عام 2026.
انضمام مصر إلى تجمع البريكس:
أعلن رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوسا، خلال قمة مجموعة البريكس فى جوهانسبرج اغسطس 2023أن مصر – إلى جانب المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأرجنتين، وإيران وإثيوبيا – من المقرر أن تنضم إلى الكتلة بداية من عام 2024. تضم مجموعة البريكس بعض الاقتصادات الكبرى فى العالم. ويمثل هذا التجمع نحو 30% من الاقتصاد العالمي و43 من سكان العالم. ومن خلال إنشاء هذه الكتلة الاقتصادية، سعت الدول المؤسسة إلى تحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية والسياسية والأمنية التي من شأنها تشجيع التعاون الاقتصادي. وبشكل منفصل، سعى أعضاء البريكس إلى إنشاء نظام اقتصادي عالمي موازٍ قادر على كسر هيمنة الدولار الأمريكي بحلول عام 2050.
يعد انضمام مصر إلى تجمع دول البريكس خطوة مهمة نحو فض الارتباط بشكل تدريجي بالدولار الأمريكي؛ ما سينعكس على الجنيه المصري من عدة جوانب أهمها ارتفاع سعره أمام الدولار، لا سيما فى حالة الاتفاق على التصدير بنظام الصفقات المتبادلة، أو بنظام العملات المحلية المتبادلة مع تجمع بريكس، الذي بات يضم 11دولة من أكبر الدول الاقتصادية والتجارية في مختلف أنحاء العالم.
فوائد انضمام مصر لتجمع البريكس:
1) دفعة قوية للصادرات والاستثمارات المصرية: أن انضمام مصر إلى مجموعة البريكس يمثل خطوة قوية لدفع وتعزيز الصادرات المصرية. ويحمل هذا القرار أيضا القدرة على جذب استثمارات متنوعة من الدول الأعضاء فى هذا التحالف التجارى الكبير. أيضا، تطلع مصر إلى زيادة الاستثمارات الواردة إليها عن طريق جذب عدد كبير من المشروعات المستقبلية، خاصة مشروعات الرقمنة والتنمية الزراعية والاستثمارات البيئية الخضراء والبنية التحتية، كذلك مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. ويسمح الوجود الرسمى فى البريكس إلى دفع مزيد من الاستثمارات فى تلك المجالات التنموية المهمة، فضلا عن تبادل الخبرات والكفاءات بشكل مباشر بين الدول الأعضاء خاصة الخبرات المتعلقة بالصناعة والتكنولوجيا وتظهر إحصاءات الاستثمار لمجموعة البريكس فى مصر ارتفاعا ملحوظا؛ حيث بلغ معدل النمو 45.9% من 610.9 مليون دولار فى 2020-2021 إلى 891.2 مليون دولار فى 2021-2022. ومن المتوقع أن تستمر هذه الاستثمارات فى الارتفاع.
2)عضوية مصر فى بنك التنمية الجديد: يعزز انضمام مصر إلى تجمع البريكس من قدرتها فى دعم تنميتها المستدامة ومعالجة قضايا السيولة من خلال عضويتها فى بنك التنمية الجديد، خاصة أن دول البريكس تتمتع بإجمالي احتياطات من النقد الأجنبى 4 تريليونات دولار أمريكى، ومن ثم تستطيع مصر تنويع مصادر تمويلها بإجراءات وشروط ميسرة بوصفه بديلا اقتصاديا مهما فى مواجهة الشروط المشددة لمؤسسات الإقراض الأخرى كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى .
3) منح مصر فرصة استراتيجية للنمو الاقتصادى:ينظر إلى عضوية مصر فى تحالف البريكس على أنها فرصة استراتيجية لتعزيز نموها الاقتصادي. ومن المتوقع أن تؤدى هذه الخطوة إلى تقليل الاعتماد على الدولار وتسهيل إقامة علاقات تجارية أقوى مع الدول الأعضاء.
4) زيادة حجم التبادل التجارى: تتمتع مصر بحجم كبير من التجارة مع أعضاء مجموعة البريكس، خاصة روسيا والصين والهند. كما تعد البريكس سوقا إنتاجية ضخمة تضم نحو 42% من سكان العالم سواء من دول المجموعة أو دول تتعامل معها، ومن ثم إمكانية النفاذ والترويج للسلع والخدمات المصرية. ارتفعت صادرات مصر لدول البريكس، عام 2022، بنسبة 5.3% لتصل إلى 4.9 مليارات دولار مقارنة بـ 4.6 مليارات دولار. وبحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن قيمة التبادل التجارى بين الطرفين بلغت 31.2 مليار دولار عام 2022، بزيادة سنوية 10.5% من 28.30 مليار دولار، فى المقابل بلغت الواردات المصرية من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا 26.4 مليار دولار العام الماضي، بارتفاع 11.5% من 23.6 مليار دولار فى 2021، واحتلت السوق الهندية الوجهة الأولى للسلع المصرية ضمن المجموعة عام 2022 بقيمة 1.9 مليار دولار، تليها الصين بقيمة 1.8 مليار دولار، وروسيا بقيمة 595.1 مليون دولار، ومن ثم ستعزز عضوية مصر فى المجموعة من حجم التبادل التجارى بين الطرفين .
5) خفض الطلب على الدولار: تعمل دول “بريكس” على تشكيل أنظمة دفع بديلة وإنشاء عملة رقمية مشتركة وعملة احتياطية للتجارة العالمية من المحتمل أن تكون مدعومة بالذهب؛ إذ تعمل على التطوير التدريجي لنظام مالي بعيدا عن الدولار الأمريكي، والتوسع فى استخدام العملات المحلية فى التبادل التجارى، وبما يحقق التعاون المربح للجانبين، خاصة أن مصر تعاني أزمة دولار نتيجة الفجوة بين الطلب على العملة الصعبة والمعروض منها. ومن ثم سيخفف انخفاض الطلب على الدولار من حدة أزمة النقد الأجنبى ويقلل الفجوة التمويلية فى مصر.
6) دعم قيمة الجنيه المصرى وتخفيف الضغط على الاحتياطى الأجنبى: تتبنى دول “بريكس” الاتجاه نحو دعم العملات المحلية للدول الأعضاء، كمحاولة مبدئية لإنشاء وحدة حساب أو عملة موحدة خاصة بدول التكتل، فقد تستفيد مصر من دخولها البريكس عن طريق دعم الجنيه المصرى فى العلاقات التجارية، وهذا سوف يخفف من زيادة الطلب على الدولار، ومن ثم عدم اللجوء إلى مزيد من خفض قيمة الجنيه .
7) تأمين احتياجات مصر من السلع الاستراتيجية: مثل الحبوب كالقمح والأرز، خاصة أن هذا التجمع يستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد العالمى فى تجارة الحبوب؛ حيث تنتج دول البريكس ثلث إنتاج العالم من الحبوب. وناقشت مصر وروسيا والهند فى السابق تداول القمح والأرز، إلى جانب سلع استراتيجية أخرى، بالجنيه المصرى والروبل والروبية. ومن خلال الانضمام إلى مجموعة البريكس، يمكن أن تؤتى هذه المحادثات ثمارها. ومن المتوقع أن تستورد مصر 12 مليون طن من القمح خلال السنة المالية الحالية 2023/2024التى بدأت فى الأول من يوليو من عام 2023، وفقا لتقرير لمنظمة الأغذية والزراعة.
8) تعزيز دور مصر فى العالم وإفريقيا: سيعزز انضمام مصر إلى تجمع البريكس دورها المهم والمؤثر فى إفريقيا، من خلال الاتفاقات التجارية فيما بينهما، وستتمكن من الاستفادة من الاتفاقات التجارية مثل السوق المشتركة للجنوب، لتصبح مركزا يربط إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية .
9) توفير فرصة تمويلية كبيرة لمصر: حيث يمكن أن تحصل مصر على المنح والقروض الميسرة بفوائد مخفضة من بنك التنمية التابع للبريكس، بما يساعد على الحد من اللجوء إلى المؤسسات الدولية كالبنك والصندوق الدوليين. وتخطط دول البريكس لتطوير بنك التنمية الجديد كبديل للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى، ودعم الدول الأعضاء من خلال ترتيب احتياطي الطوارئ، وهو إطار لتوفير سيولة إضافية ومزايا أخرى لدول البريكس خلال الأزمات الاقتصادية التى خصصت له بشكل مبدئي مبلغ 100 مليار دولار.
10) تأييد تسويقي فى المحافل العالمية: ستحصل مصر بالانضمام إلى تجمع دول البريكس على تأييد تسويقي فى المحافل العالمية سواء عند اتخاذ قرار سياسي، أو ترشيح مصري فى المناصب الدولية، وستؤثر الاتفاقات الموقعة بين مصر ودول البريكس فى الاقتصاد العالمى بشكل إيجابي

وعن خطوة الابتعاد عن الدولار في التجارة العالمية، والتي أشار إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تصريحاته خلال اجتماعات المجموعة ، فهناك احتمالية قيام بعض الدول بالتجارة الثنائية وتسوية المدفوعات بعملاتها المحلية، مما يقلل الحاجة إلى التداول بالدولار الأميركي “لكن هذا لن يمثل تحولًا كبيرًا في وضع الدولار”.
ومن أجل التداول بالعملة المحلية مع شريكك التجاري، يجب على كل دولة أن تحتفظ في احتياطياتها بالمزيد من هذه العملة، واحتفاظ دول بريكس بمزيد من الاحتياطيات من العملات المحلية هو استراتيجية “مشكوك فيها للغاية” حيث يجب أن تكون العملة الاحتياطية مستقرة مع إمكانية الوصول إلى الأسواق السائلة التي يمكن التحرك داخلها وخارجها بسرعة”.
والدولار هو العملة الوحيدة التي تقدم كل هذه الفوائد في الوقت الحالي.
أن الدول الأعضاء في بريكس ستستفيد بقوة من اتفاقيات التجارة البينية بين هذه الدول، والإعفاءات الجمركية والضريبية بما يزيد من حجم التبادل التجاري، إضافة إلى عملية التكامل في مجال الصناعة والسلع والمواد الخام اللازمة للإنتاج.
“هذه المجموعة بلا شك ستشكل ثقلا اقتصاديا وسياسيا كبيرا على مستوى العالم، وبالتالي فإن انضمام الدول العربية سيساعدها على الاستفادة من مزايا هذه المجموعة والتحوط ضد نظام الاقتصاد العالمي الحالي الذي يرتبط باقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، مثلما شهدنا كيف أثر رفع أسعار الفوائد في الولايات المتحدة على باقي اقتصادات العالم وذلك للارتباط الوثيق بينهما”.

أ.د/ منال محمود خيري

أستاذ مناهج الاقتصاد – جامعة حلوان

 
 

ورئيس لجنة التعليم بحزب حماة الوطن.

 
 

اقتصاد وبنوك – أوبرا مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى