أخبار عاجلةملفات وحوارات

جمال التلاوي رؤى وآراء حول العديد من القضايا الثقافية

 يرى أن سلبيات الثقافة نجمت عن الشللية، والصالونات الأدبية النسائية، وتراجع دور الجامعات.

د. جمال التلاوي: استقلال المجلس الأعلى للثقافة ضروري  لتطوير العمل الثقافي

  • وسائل التواصل الاجتماعي دشنت جمهوريات ثقافية فردية!
  • الترجمة تمثل بعدًا قوميًا بل مسألة أمن قومي.
  • التجريب خروج عن المألوف، وعدم تقليد السابقين.

حاورته: سميحة رشدي

كانت مقابلته صعبة، فهو مثقف من العيار الثقيل، مشغول دائمًا بطلابه وأبحاثه عن التعامل مع الإعلام، كانت أول الصعوبات في حوارنا معه إقناعه بالحوار، فالرجل يتجنب دائمًا أضواء الإعلام ولا يلتفت إليها، واستجاب بعد طول ممانعة، تقديرًا لما لمسه من اهتمام “سماء عربية” بأدب الأقاليم، في وقت تتجاهله معظم صفحات الثقافة بالجرائد، الصعوبة الثانية كانت في كيفية انتقاء واختصار أسئلتنا، فالمساحة لا تسمح بحوار موسع، تفرضه علينا سيرته الذاتية العامرة بالمناصب والعطاء الإبداعي، وكانت الصعوبة الثالثة تلخيص ما قاله في عدد محدود من العناوين.

إنه د. جمال نجيب التلاوي، رئیس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب ودار الكتب الأسبق، ونائب رئيس اتحاد كتاب مصر سابقًا، ورئيس مجلس إدارة المعهد العالي للغات بالمنيا سابقًا، وعضو المجلس الأعلى للثقافة – لجنة الدراسات الأدبية واللغوية، وأكثر من جهة ثقافية لا يتسع المجال لذكرها، وقبل هذا وبعده هو مبدع كبير في مجالات الرواية والقصة القصيرة والترجمة، وبقدر صعوبة الحوار كان مضمونه ثرًا وثريًا، حيث قدم ضيفنا صورة لواقع الثقافة المصرية، وروشتة لعلاج سلبياتها، وكيلا نفسد عليكم متعة متابعة المضمون نترككم مع سطوره لتنهلوا منها.

ما معوقات الحركة الثقافية في مصر وهل اثرت السوشيال ميديا على القراءة الورقية؟

         تغيرت الحركة الثقافية في مصر في العقدين الأخيرين، وظهرت جوانب جديدة أكثرها سلبي وأقلها ايجابي، نتيجة استمرار اعتماد الثقافة الرسمية المؤسسية والنقابية على نفس الآليات السابقة القديمة، وعلى الشللية كمحرك أساسي لفعاليات الثقافة في مصر، وأدى ذلك للتوجه إلى السوشيال ميديا بشكل أساسي، حتى لقد ظهر ما أسميه الجمهوريات الثقافية، بمعنى أن كل شخص صنع من مدونته أو صفحته على الفيس بوك، أو قناة اليوتيوب خاصته جمهورية خاصة به.

         حيث يضع كل شخص الخريطة الثقافية التي يريدها، وتساوى المبدع والمثقف الحقيقي مع عديم الموهبة، وتساوى المبدع والمثقف الكبير مع المبتدئ، وأصبحت المعايير الجديدة هو عدد المشاهدات وعدد اللايكات كمؤشر للإعجاب، وتحولت كل صفحة فيس بوك وكل مدونة وكل قناة يوتيوب الى مؤسسة ثقافية، تخدم صاحبها ولها روادها ومشجعوها، وانتهى تمامًا حكم القيمة والتقييم والنقد الموضوعي، ولا ننسى في هذا الصدد تراجع الأنشطة والمتابعات الثقافية للجامعات المصرية، خاصة بعد أن زاد عددها وأضيفت إليها جامعات خاصة كثيرة؛ جميعها غير مؤثر في الثقافة المصرية.

         ومن آثار ذلك أيضًا انتشار الصالونات الأدبية، ومعظمها صالونات نسائية (ولا اعرف سبب ذلك)، وانتشار منح الدرجات العلمية المزيفة، وظهور ما يسمى “أكاديمية” تمنح لنفسها صفة الدولية والعالمية تبيع الدرجات العلمية، ومن ظواهرها أيضًا التكريمات، فاتعجب عندما اتصفح السوشيال ميديا واكتشف ما يزيد عن مائة مُكرَّم يوميًا، واتعجب عندما أقابل أديبًا لم يُكرَم من هذه الهيئات، وبالمناسبة أحيانًا تشارك المؤسسات الرسمية أيضًا في عبث هذا التكريم.

حضرتك من المعنيين بالترجمة فكيف ترى واقعها وحاجتنا إلى مشروع قومي للترجمة.

         في ظل هذا المشهد العبثي الرمادي تراجعت حركة الترجمة كثيرًا، خاصة الترجمة من العربية الى اللغات الأخرى، وهذه الترجمة هى التي تصنع اسم مصر وتنقل الثقافة العربية إلى العالم أجمع، وما تقوم به المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية في مصر والعالم العربي فيما يخص الترجمة، لا تأثير له في الثقافة العالمية ولا في تشكيل وعى القارئ الآخر غير العربي، فما يتم ترجمته والحديث عنه هو مجرد عمل روتيني قليل التأثير لا يضف شيئًا للثقافة العربية عالميًا.

         كنت أدرك أهمية الترجمة، واتصور دائمًا أنها تمثل بعدًا قوميًا بل مسألة أمن قومي، وحاولت وآخرين فعل ما نقدر عليه في حدود ما كان متاحًا، وقمت بترجمة بعض الكتب، ثم عندما تم انتخابي أمينًا عامًا لمؤتمر أدباء مصر – أيام كان فاروق حسني وزيرًا للثقافة – بدأنا مشروعًا للترجمة من العربية إلى الإنجليزية، وتم ترجمة مختارات من شعر الفصحى والعامية والقصة القصيرة إلى اللغة الانجليزية، ومنها إلى الإيطالية والرومانية، وتعاون معنا مترجمون أكفاء بدون مقابل فرحًا ودعمًا للمشروع، وطبع ستة أعداد من هذه السلسلة ثم توقفت.

         وعندما توليت رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، كان معي فريق عمل مؤمن بالفكرة، ووقعنا اتفاقيات مع 5 دول للترجمة من العربية إلى لغاتها، وكان من المفترض أن نعاملهم بالمثل ونترجم عنهم عشرة كتب سنويًا، ولكن لم يدخل المشروع حيز التنفيذ ولم يستكمل فيما بعد.

ولايزال هناك أمل في بعث حركة الترجمة خاصة من العربية إلى اللغات الاخرى، ولدينا مشروع متكامل مستعد للاسهام به اذا وجدت من يتبنى ذلك.

الملاحظ في أعمالك الإبداعية من رواية وقصة قصيرة الميل إلى التجريب. ما السبب؟

أولًا: أنا لا أميل إلى كل ما هو تقليدي، فما كتبه السابقون أفدت منه لكن لم ولن أكرره أو أقلده.

ثانيًا: التجريب هو خروج عن المألوف، وكل مبدع عليه ألا يقلد السابقين وأن يقدم تصوره الخاص، وقد قدمت في خمسة مجموعات وروايتين تصوري للقصة القصيرة والرواية، وتقييم ما قدمت متروك للقراء والنقاد، والقادم من أعمال كُتبَت ولم تطبع بعد وهي أيضًا في مجال التجريب، وإن كانت كل تجربة مختلفة فلا أكرر نفسي، وأفادتني الثقافة الانجليزية والعربية كثيرًا بشكل أو بآخر.

 هل ترى أن النشر الإلكتروني أثر على الصحف والمجلات الثقافية الورقية؟

من المؤكد أن النشر الورقي قد تأثر وتراجع كثيرًا، و يلحظ ذلك في عدد مطبوعات الجرائد اليومية والاسبوعية والمجلات، التي كانت تطبع بأعداد ضخمة، وعلى مستوى العالم تراجعت الصحافة الورقية لصالح الصحافة الالكترونية، وتناقص عدد القراء التقليديين الذين يعتمدون على المطبوعات الورقية، والقائمون على المجلات والجرائد والنشر الورقي الثقافي مطالبون بوضع ذلك في الاعتبار، وإن كان النشر الإلكتروني ليس كله حسنات، فكما سبق القول أصبح لكل شخص نشره الخاص.

 وما تصورك للنهوض بالحركة الثقافية في مصر؟

من السهل على أى شخص أن ينتقد ويحدد سلبيات، والأفضل أن نقدم مقترحات تسهم في تطوير العمل الثقافي في مصر.

وأرى أن أول خطوة في تطوير العمل الثقافي في مصر وأهمها، هو فصل المجلس الاعلى للثقافة عن تبعية وزارة الثقافة، لتكون له صفة اعتبارية مستقلة، يمكن أن تتبع مجلس الوزراء او رئاسة الجمهورية، ويكون من مهامه رسم خريطة ثقافية لمصر طويلة الأجل وأخرى قصيرة الأجل، وأن يتعامل مع المؤسسات الثقافية الحكومية والنقابية والأهلية وينسق بينهم جميعًا، ويتعاون أيضًا مع الهيئات الثقافية الخارجية عربية ودولية، ويكون له دور رقابي، و لكي ينجح في هذا الدور لابد من تخفيض عدد لجانه وعدد أعضائه، وأن يضم خبرات حقيقية في كل مجال؛ حيث اتصور أن هناك خبرات في مجالات ثقافية متعددة، بعيدة عن لجان المجلس الأعلى للثقافة.

ثانياً: أن يتغير دور العلاقات الثقافية الخارجية، ويصبح أكثر فاعلية عما هو عليه الآن، وأن يسهم بالتعاون مع هيئات وزارة الثقافة المختلفة كل فيما يخصه، ويتعاون مع المجلس الاعلى للثقافة بمنظوره الجديد، في رسم صورة للثقافة المصرية والعربية في الخارج، ونفس الدور ينبغي أن تقوم به الأكاديمية المصرية في روما؛ لأنه من المتوقع ان يكون دور هاتين الجهتين أكثر فاعلية من ذلك.

ونجاح هاتين الهيئتين في تقديم صورة حقيقة وإيجابية للثقافة المصرية والعربية، يؤدي إلى دعم الدور السياسي الذي تقوم به وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية؛ فلا ينبغي أن تعمل الوزارات والهيئات في جزر منعزلة، فهناك هدف محدد يجب أن يتعاون الجميع من أجله، وهي صورة مصر فما ينجح فيه الثقافي قد لا يستطيعه السياسي.

  ثالثاً: ينبغي إعادة هيكلة وظائف هيئات وزارة الثقافة، فليس من المنطقي أن تقوم بالطباعة والنشر خمس هيئات، في حين أن هيئة الكتاب هى المسئولة عن النشر، وليس من المنطقي أن تقوم كل هيئات الوزارة بعمل ندوات ومؤتمرات، في حين أن هذه الوظيفة الرئيسة لهيئة قصور الثقافة، لما تملكه من قصور وبيوت ثقافة في كل مراكز ومحافظات مصر، ينبغي ان يُحدَّد هدف واحد ووظيفة واحدة لكل هيئة، ويُحاسَب عليها مسئولوها في نهاية كل عام.

 هناك من يزعم أن بعد رحيل عدد من رموز الثقافة المصرية، فرغت الثقافة المصرية من مثقفيها الكبار؟

 مقولة مغلوطة؛ مصر دائمًا ولادة وبها عقول مثقفة كبيرة في مختلف الحقب والأزمان، ويوجد الآن بمصر أدباء ونُقَّاد ومترجمون، وبصفة عامة مثقفون أضافوا ويضيفون للثقافة المصرية والعربية الكثير؛ فقط على الجهات المسئولة أن تبحث عنهم وتعطيهم الفرصة ومساحة من الإعلام خاصة المرئي الذي هوى، أبحثوا عنهم في أقاليم مصر .. أبحثوا عنهم في الجامعات المصرية والجامعات الاقليمية خاصةً، سوف تجدون قممًا وعقولاً تعمل في صمت، لو عَدَّدت عدد من يستحقون جوائز الدولة التقديرية على سبيل المثال، من هؤلاء المبدعين والنقَّاد والمترجمين لأحصيت أعدادًا كبيرة، خاصةً في أقاليم مصر.

علينا جميعًا أن نوسع الدائرة وألا نظل مسجونين في دائرة الشلل التي أفسدت الثقافة المصرية على مدى عقود طويلة، مصر الجديدة تحتاج لكل مثقف حقيقي على ارضها.

أوبرا مصر /ملفات وحوارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى