أخبار عاجلةدراسات ومقالات

دنيا عوض تكتب الذوبان المستحيل في قصيدة ” بلا ملامح ” لمنال رضوان من ديوان أنا عشتار

بلا ملامح الذوبان المستحيل؛ كلهم في العجز سواء.

” بلا ملامح “

هنا يمر الغيم
سريعًا
زوايا أربع تتداخل بعينيك
تختزل الضوء
كمشكاة مُطفأة
تسبقك نحو النهر
صرخات تعلو
عليك الآن
ألا تعاني خذلان سقوطك
مهد مجرى آخر
لدماء تتجمد بعروقك
وأثناء وقوفك..
أعلى قمة ثلجية
لا تثقل رأسك بأسئلة
عن نور يأتيك
من وسط الليل
إياك وخائنة الأنجم
أو وثبات الظل المبتور
من أعلى الجُرْف

لا وقت للتأمل و الاستكانة فالملمات سريعة الإيقاع ، تنقض كالبرق الذي يومض كالنذير ، ذاك الآتي من الجهات الأربع ، حيث كل الزوايا قد أصبحت ملئ ناظريك تحاصرك بالغيم، فارفع رأسك و لا تخادع نفسك كالنعام ، لا مهرب من زوايا الغمة و الغمام ، فهي تنذرك و تحاصرك ، فإلى أين المفر …؟!
لم يعد أمام ناظريك من ضوء هادٍ أو دليل راشد – هكذا هي محصلة وعيك المفقود ، فيرشدنا استشراف الشاعرة ” أن بات عليك الآن أن تدرك أن المشكاة المطفأة لا يمكن أن تكون دليلاً في ليلك البهيم ، فاقشع عن نفسك عتمة أيامك و غشاوة ناظريك ، فلم يعد أمامك سوى النهر كي تتخلص ، أو ربما تتطهر من صرخات صاحبت خنوعك إثر سقوطك ، وتلك من أجمل الصور البلاغية التي أعجمتها الشاعرة ببراعة و سبحت في بحور موسيقاها و أشجانها بكل رهافة .. نعم ليس أمامك سوى أن تسلك طريقاً غير الذي سلكت ، و تمضي نحو أفق سامق غير الذي مضيت ، فقد تكلست قوائمك و مات فيها الدم .. الدم المسفوح حيث اخترت من القمم هشاشتها و برودة الثلج ..!
لا مفر- تقول الشاعرة – سوى أن تسلك الطريق القويم ، ولا يغرنك – تحذر الشاعرة – من أحلام اليقظة طيفاً ترجوه نوراً تستظل به من سرمدية ليلك الطويل .. و ما هو سوى سراب خادع محتال ..!

ليس بوسعك
أن تنتظر سماء وردية
تقترب إلى كف زرقاء
أو أمل ينبت من خيالات
تداعب ذاكرة صماء
فهذا الشكل
الذي تكور في قلب القمر
يغويك بلا ملامح تأويه
وبلا عذر
الموتور قد ضيع هوية قسمات
أما أنت(…)
إن كنت تصر!
عليك أن تلاحق ظلك مقتولًا
دون الخوف من ميتة شنعاء
وليس لزامًا
أن تعي الفرق
بين ذوبان الثلج
أو سيلان الدم.
وتمضي الشاعرة ببلاغة موسيقية ممتعة محذرة مرة تلو أخرى ألا تغرنك ( خائنة الأعين ) التي تبدو لناظريك ككوكب في المدى ، فلا تركن إلى هديها حتى وإن بدت لك في حلة المختالة و ما هي سوى مضللة ترتدي ثياب الصالحين …!
وتعود الشاعرة لمزيد من العجم البلاغي في خدرها أو ربما في سِنةٍ من هذا الخدر السابح في كنز الكلمات ، فكما أن خائنة الأنجم مضلة ، كذلك ظلك المبتور ، وهي كناية جمالية بليغة تنبئنا أن صاحب الظل قد وقع في أمرٍ جلل ، وعلى العموم فالشاعرة تقول – أن ظلك الذي هو انعكاسك وامتدادك أصبح مشوشاً و مشوهاً، فقد ضاعت ملامحه عبر تسونامي صنع ذاك الجُرف الذي تتأرجح عليه …!
ومن جديد تتبارى الشاعرة في عجم موسيقاها على تلك الصور البديعية رغم قسوة المشهد ، حيث السماء ملبدة بالغيوم ، لذا فلا تخادعن نفسك بسماء وردية و أنت في منازل تكسوها الظلمة السرمدية ، فلا يمكن لمثل هذا الإيهام أن يقترب من يدٍ أشرفت على الضياع و الموت.!

الأديبة والناقدة منال رضوان والناشر الشاعر القدير الجميلي أحمد
الأديبة والناقدة منال رضوان والناشر الشاعر القدير الجميلي أحمد

ثم تنحو الشاعرة صوب مباشرة بعد طول رمزية ، فتضع حداً لليقظة في مواجهة خيالات تحوم حول ذاكرة فقدت حسها و حدسها … فكل خيالات ناظريك صوب القمر هي محض وهم لا يغني من الحق و الحقيقة شيئاً.
و تعود الشاعرة من جديد مذكرة ببأس و إفك الموتور الذي لا شك قد دبر كل خيالات الوهم التي أضاعت في لجتها البليدة ملامح وهوية و جنس طبيعتك و قسمات ملامحك ، مصرة – مع سبق الإصرار والترصد – أن ترفع الشاعرة هاتفها محذرة إن كنت على إصرارك في السعي نحو خيالات الوهم و السراب ، فلا مفر أمامك سوى أن تصل إلى قدرك المحتوم ، حيث يكون ظلك مقتولاً بسبب حرصك طوال الوقت في الخنوع على درب الندامة الذي حسبته درباً للسلامة ، عندها … وعندها فقط ستصبح كرات الدم .. ذاك الدم المسفوح كزبد البحر أو ككرات الثلج ، وكلهم في معية العجز سواء ..!

أوبرا مصر – دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى