د. حسين عبد البصير يكتب عالم رمسيس الثاني فرعون الحرب وصانع السلام
يعتبر الملك رمسيس الثاني هو أشهر ملوك مصر القديمة قاطبة. ويعد عالم الملك العظيم رمسيس الثاني هو العالم الأكثر شهرة وامتدادًا وآثارًا وحربًا وسلامًا في مصر القديمة. إن الملك رمسيس الثاني العظيم هو فرعون المجد والانتصار. وهو فرعون الحرب والسلام.
يعد رمسيس الثاني العظيم هو نجم الأرض وأشهر ملوك الفراعنة والذي ملأ الدنيا وشغل الناس جميعًا. لقد اعتلى رمسيس الثاني العظيم عرش مصر وهو شاب صغير، ابن الخامسة والعشرين من عمره المديد، كي يسطر أسطرًا من نور ومجد وعزة وفخار في تاريخ مصر القديمة والشرق الأدنى القديم والعالم القديم، وكأن القدر كان على موعد مع مولد وتولي حكم مصر لذلك الملك الأسطوري رمسيس الثاني ملك الملوك وسيد العالم القديم.
لقد صار هو رمسيس العظيم على الرغم من وجود عدد كبير من الملوك الفراعنة الذين حملوا اسم رمسيس من قبله، مثل جده رمسيس الأول في أسرته الأسرة التاسعة عشرة، وخلفائه من رمسيس الثالث إلى رمسيس الحادي عشر في الأسرة التالية وأعنى الأسرة العشرين، وصار علمًا واسمًا على عصر كامل، وهو عصر الرعامسة أي ملوك الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، عصر المجد في مصر القديمة. فعندما نقول رمسيس دون تحديد ترتيبه في الأسرتين أو في العصر أو في مصر القديمة عمومًا، فيعلم الجميع في العالم كله، أننا نقصد دون شك نجم الأرض وملك الملوك رمسيس الثاني العظيم الخالد.
كان رمسيس الثاني العظيم هو ابن الفرعون المحارب الخالد الملك سيتي الأول العظيم وابن الملكة تويا. ويعني اسم رمسيس “الإله رع خلقه” واسمه الكامل “رمسيس مري آمون” ويعني “الإله رع خلقه، محبوب الإله آمون”. واسم العرش الخاص به هو “وسر ماعت رع ستب إن رع” أي “عدالة الإله رع قوية، المختار من الإله رع”.
لقد تزوجت رمسيس الثاني عددًا كبيرًا جدًا من النساء، لعل أشهرهن هي الملكة الفاتنة وحلوة الحب جميلة الجميلات الملكة نفرتاري. وكذلك أنجب عددًا كبيرًا من البنين والبنات، لعل أشهرهم ابنه وولي عهده الملك مرنبتاح والأمير الزاهد الناسك الشهير خع إم واس والأميرة ثم الملكة ميريت آمون. ولم ينجب ملك مصري قديم مثلما أنجب رمسيس الثاني العظيم من أبناء كثيرين. وحكم مصر فترة طويلة تبلغ حوالي سبعة وستين عامًا. وامتاز عهده بالعظمة والمجد والضخامة في كل شئ خصوصًا في أعمال البناء والتشييد والتي امتدت في أركان الكون الأربعة خصوصًا في أرض مصر الطيبة وبلاد النوبة وبلاد الشام وعلى ساحل البحر المتوسط. ولم يشد ملك مصري قديم من معابد وتماثيل ضخمة ومسلات مثلما بنى رمسيس الثاني العظيم. وكان زمنه بحق عصر رمسيس الثاني العظيم. وامتد به العمر طويلاً ومات في سن متأخرة بعد العام التسعين من عمره المديد. وعندما مات تم دفن الفرعون المقدس بكل جلال الملكية المصرية المقدسة التي تليق بعظمة جلالة الملك رمسيس الثاني العظيم في مقبرته رقم 7 في منطقة وادي الملوك في البر الغربي لمدينة الأقصر الشهيرة بصعيد مصر الخالد. ووضع جلالة الملك رمسيس الثاني العظيم بصمته، التي لا يمكن محوها أبدًا، في ذاكرة مصر والشرق الأدنى القديم والعالم القديم. إنه رمسيس الثاني العظيم الخالد عبر العصور والأزمان.
سجل جلالة الملك رمسيس الثاني العظيم مناظر الاحتفال بنصره في معركة قادش على الحيثيين في مناظر ونصوص عديدة في آثارها التي تملأ البلاد في طولها وعرضها. وعندما كان رمسيس أميرًا صغيرًا تأثر كثيرًا بالتقاليد العسكرية التي أرساها جده الملك رمسيس الأول الذي أُطلق اسمه عليه تيمنًا به. وشارك رمسيس في سن صغيرة مع أبيه الملك المحارب العظيم سيتي الأول حملاته العسكرية ضد الحيثيين، وتم أيضًا تصوير الأمير رمسيس مع أبيه سيتي الأول في حملاته ضد الليبيين على جدران الكرنك.
كانت مع العلاقات مع الحيثيين على الحدود المصرية في سوريا غير جيدة في الفترة الأولى من حكم رمسيس الثاني العظيم. وفي عهده والده الملك سيتي الأول، سيطرت مصر على الموانئ الساحلية الفينيقية الجنوبية، بينما سيطر الحيثيون على مدينة قادش. وفي العام الرابع من حكم رمسيس الثاني حدث تمرد في بلاد الشام وفي ربيع العام الخامس عام 1275 قبل الميلاد، اضطر الملك الجديد لتحريك جيشه. فقام الملك بتجميع واحدة من أعظم تجميعات الجيش المصري وكانت تبلغ حوالي عشرين ألف مقاتل في أربع فرق وكانت كل فرقة قوامها حوالي خمسة آلاف مقاتل، وحملت كل فرقة اسمًا من أسماء آلهة مصر العظام على النحو التالي: آمون، ورع، وبتاح، وست. وصار الملك رمسيس الثاني على خطى جده المقاتل الأشهر الملك تحتمس الثالث الذي سبقه في الحكم بحوالي مائتي عام، فدخل قطاع غزة وكان على مقربة عشرة أميال من مدينة قادش في بداية شهر مايو. وفي ذلك التوقيت تم القبض على جاسوسين وبسؤالهما عن مكان الحيثيين من مدينة قادش، أفادا بأن الحيثيين على مبعدة مائة ميل إلى الشمال. وبناء على هذا، تحرك رمسيس الثاني بفرقة آمون وهي الفرقة الوحيدة التي كانت معه، وعبر نهر العاصي، وعسكر على الغرب من قادش. وكانت قادش مدينة محصنة أشبه بالجزيرة. وهنا قبض رجال الجيش المصري على جاسوسين حقيقيين وقالا لهما الحقيقة تحت التعذيب بأن الجيش الحيثي يعسكر على الجانب من مدينة قادش منتظرًا الهجوم.
كان ملك الحيثيين مواتشيلي قد جمع جيشًا كبيرًا أكبر من جيش الملك رمسيس الثاني. وكان جيشه مقسمًا إلى قسمين أحدهما كان مكونًا من حوالي 18 ألف مقاتل والآخر من حوالي 19 ألف مقاتل، بالإضافة إلى ألف وخمسمائة عربة حربية. وكانت هذه قوة عسكرية كبيرة. وانقضت على فرقة الإله رع التي كانت في طريقها للانضمام للملك رمسيس الثاني. وهاجمت القوات الحيثية جيش مصر بضراوة. واقتحمت المعسكر المصري. وسيطر الارتباك على الملك رمسيس الثاني. وصار منعزلاً عن بقية قواته. وكان معه حارسه الشخصي حامل درع المدعو مننا. وكقائد عسكري بارع، اعتمد رمسيس الثاني العظيم على قواته القليلة وأخذ يجمعها ليصد الهجوم الحيثي. وحارب الملك رمسيس الثاني بضراوة مما اضطر الملك الحيثي للتراجع في المساء. وفي اليوم التالي، تجمع الجيش المصري وحارب بشدة. وهنا عرض الملك الحيثي السلام على الملك رمسيس الثاني. فعاد الجيش المصري بسلام إلى أرض الوطن. ثم تم عقد معاهدة السلام بين المصريين والحيثيين. وتم تتويج تلك المعاهدة بزواج رمسيس الثاني من الأميرة الحيثية ابنة الملك الحيثي خاتوشيلي الثالث. ثم تزوجت الملك رمسيس الثاني من أختها بعد ذلك بحوالي سبع سنوات.
الملك رمسيس الثاني العظيم هو ملك الملوك الذي جعل من نفسه ملك الحرب والسلام ومن مصر أرض المجد والانتصارات؛ لذا فقد عاش في ذاكرة مصر والعالم أبد الأبدين.
الملكة نفرتاري جميلة الجميلات في قلب رمسيس الثاني
تعد الملكة نفرتاري هي جميلة الجميلات في قلب الملك رمسيس الثاني العظيم فرعون مصر الأشهر. والملكة نفرتارى بحق هي جميلة الجميلات والملكة الأجمل والأكثر سحرًا وجاذبية وفتنة، والزوجة الملكية الكبرى، والأجمل والأحب في قلب زوجها نجم الأرض، فرعون مصر الأشهر، ملك الملوك، الملك رمسيس الثاني الذي عاش في عصر الأسرة التاسعة عشرة في عصر الدولة الحديثة. واسمها الكامل هو “نفرتاري ميريت موت”. ويعني “نفرتاري محبوبة الربة موت”. ويعني اسمها المختصر الأشهر، “نفرتاري”، “أحلاهن”، أو “حلاوتهم” بالعامية المصرية. وكان من فرط وعظم حب وإعزاز وتقدير رمسيس الثاني لزوجته المحبوبة نفرتاري هو أن أمر بتصويرها معه في معظم آثاره، وبناء الآثار الكبيرة والجميلة لها مثل مقبرتها البديعة في وادي الملكات رقم 66 ومعبدها إلى جوار معبده في “أبوسمبل.” وتقع مدينة “أبو سمبل” إلى الجنوب من أسوان على الضفة الغربية لنهر النيل في النوبة المصرية بالقرب من حدود مصر مع السودان الشقيق. وبنى الفرعون الأشهر رمسيس الثاني بـ”أبوسمبل” معبدين في الصخر، المعبد الكبير له، والمعبد الصغير لمحبوبة قلبه الجميلة نفرتاري. وكان معبد “أبوسمبل” الكبير واحدًا من أربعة معابد بُنيت خلال فترة حكم الملك رمسيس الثاني كوحدة واحدة، والثلاثة الأخرى هي: معبد وادي السبوع (مقر المعبود آمون رع) ومعبد الدر (مقر المعبود رع حور آختى) ومعبد جرف حسين (مقر المعبود بتاح).
لقد أمر الفرعون رمسيس الثاني مهندسيه البارعين بالبدء في بناء معبديّ “أبو سمبل” في السنوات الأولى من فترة حكمه العريق. واكتمل العمل فيهما في العام الخامس والعشرين من حكمه المديد. ويطل معبد “أبو سمبل الكبير” على بحيرة ناصر في منظر جمالي رائع قلما أن يتكرر في أي مكان أثرى آخر حيث تتزاوج زرقة السماء الصافية بزرقة المياه الرائقة ورمال صحراء مصر الصفراء النقية بصخور المعبد الداكنة وخضرة الأشجار والنباتات الموجودة في المنطقة بسمرة أبناء مصر المميزة. ويعد معبد “أبو سمبل” الكبير من روائع فن العمارة في مصر القديمة. ومن أروع معالم معبد “أبو سمبل” الكبير هو اختراق شعاع الشمس باب المعبد ليصافح وجه رمسيس الثاني مرتين من كل عام فى ظاهرة هندسية وفلكية تثير الانبهار باستمرار. ويؤكد هذا على عبقرية المصرى القديم التي لها أدلة كثيرة ما تزال تحير العالم كله إلى يومنا الحالي. وتعد ظاهرة تعامد الشمس على وجه تمثال الملك رمسيس الثاني بذلك المعبد المهم حدثًا فريدًا ينتظره عشاق مصر في كل مكان في العالم.
يقع معبد “أبو سمبل” الصغير أو معبد جميلة الجميلات الملكة نفرتاري إلى جوار المعبد الكبير الخاص بزوجها الفرعون الشهير الملك رمسيس الثاني. ومن أجل الجميلة نفرتاري، بنى لها زوجها ذلك المعبد المتميز المنحوت في الصخر الطبيعي. ونُحتت تماثيل عديدة في واجهة المعبد تمثل الملك العظيم وزوجته الجميلة التي أبهرت العالم، قديمًا وحديثًا، بجمالها وجاذبيتها وعذوبتها ورقتها التي لا تُقاوم. ثم تتوالى الأجزاء المعمارية المكونة لهذا المعبد المهم. وصارت نفرتاري الزوجة العظمى للملك رمسيس الثاني، على الرغم من تعدد زيجاته ومحظياته. وكانت نفرتاري أم ستة من أهم أبناء الملك رمسيس الثاني. ومن فرط حبه الشديد لزوجته فائقة الجمال، أمر الملك المعظم بإنشاء مقبرة رائعة لها في وادي الملكات.
قد حملت منطقة وادي الملكات في مصر القديمة أسماء عدة مثل “الوادى العظيم”، و”الوادي الجنوبي”، و”تا ست نفرو”، ويعنى الاسم الأخير “مكان الجمال”، وشاع أكثر من الاثنين السابقين. وأُسس في البداية كجبانة مخصصة لدفن نساء الطبقة الحاكمة من المجتمع المصرى القديم في بداية عصر الدولة الحديثة على الشاطيء الغربى لنهر النيل المواجه لمدينة الأحياء في شرق طيبة (الأقصر الحالية). ولم تبدأ الحفائر العلمية المنظمة إلا في عام 1903، بوصول الإيطالي الشهير “إرنستو سيكياباريللى” – مدير المتحف المصرى في تورينو- وحصوله على التصريح بالتنقيب في الوادى من مصلحة الآثار، فنجح في اكتشاف مقبرة الملكة الفاتنة نفرتاري، جميلة الجميلات.
منذ العثور على هذه المقبرة الجميلة، اعتبرت واحدة من أجمل المقابر التي أبدعتها مخيلة المصريين القدماء فكرًا وأداءً، فبلغت الرسوم المصورة على جدرانها وممراتها 520 مترًا مربعًا من الجمال الساحر. وحين اكتشفها سيكياباريللى في عام 1904، فتح الباب ليطل العالم على واحدة من أجمل الإبداعات الفنية في العالم عبر تاريخ الفن البشري الطويل، وعلى واحدة من أجلّ وأجمل المقابر القادمة من مصر الفرعونية ذات الرسوم التي تخلب الأبصار، وتسحر العقول بجمال مناظرها، وتنوع موضوعاتها، ونقاء وصفاء ألوانها. وأصبح من المفضل عند عشاق الجمال الراغبين في نشدان البهجة زيارة هذه المقبرة للنهل من جمالها الأخاذ، وأصبح الجمال علامة وعنوانًا عليها وعلى صاحبتها، جميلة الجميلات، كما كانت الحال في حياتها الأولى المليئة بالجمال والحب والسعادة والعشق في عهد مليكها العاشق الأبدي لها ولجمالها التي كانت تنافس به حتحور ربة الحب والجمال عند قدماء المصريين. وتحول الطموح الفني الذي راود وساور صاحبتها ومبدعيها إلى حقيقة واقعة واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء في نهار مشمس رائق العذوبة.
ماتت نفرتاري مبكرًا في عهد زوجها الملك رمسيس الثاني، في حدود العام الرابع والعشرين من حكم الملك المديد. ودُفنت في مقبرتها الأشهر والأكبر والأهم بين مقابر وادي الملكات في البر الغربي لمدينة الأقصر.
لقد كانت جميلة الجميلات نفرتاري ملكة قوية ومؤثرة بقوة في عهد زوجها، نجم الأرض الفرعون الأشهر، الملك رمسيس الثاني. ولعبت آنذاك دورًا كبيرًا في الشئون الدبلوماسية في الدولة المصرية العريقة؛ نظرًا لما كانت تتمتع به من مهارات عديدة مثل فنون الكتابة، خصوصًا الكتابة الهيروغليفية، والقراءة وأصول وفنون علم المراسلات الدبلوماسية، فأفادت بمهاراتها الكبيرة مصر وزوجها الملك العظيم الشأن في الشرق الأدنى القديم، فضلاً عن حبها وإخلاصها لزوجها الملك المعظم مما جعل من قصة حب رمسيس الثاني ونفرتاري أعظم قصص الحب والعشاق التي خلدّها الإنسان في الحجر والفن قبل أن يخلدها في فنون الأدب والقول.
الملكة مآت حور نفرو رع
تزوج الملك رمسيس الثاني العظيم الكثير من النساء. غير أن تلك المرة كانت مختلفة تمامًا. إننا ما نزال نعيش في روعة وعظمة عهد الملك رمسيس الثاني العظيم، ونتعرف إلى المعروفات لنا من زوجاته العديدات، غير أن تلك المرة الملكة مختلفة تمامًا؛ فلم تكن مصرية كسابقتيها اللتين ذكرناهما من قبل، وأعني زوجته وأم ولي عهده الملكة إيست نفرت الأولى، أو جميلة الجميلات، الملكة نفرتاري، وإنما كانت أميرة أجنبية من بلاد الحيثيين، مما يعني أن مصر القديمة كانت مجتمعًا منفتحًا جدًا ومتسامحًا للغاية ومتعدد الثقافات والأعراق بشكل ليس له مثيل، وأن ملوكها البنائين العظام آمنوا بتلك القيم والمباديء وطبقوها في حياتهم وحكم دولهم وممالكهم وعلى رعاياهم.
لقد كانت مصر القديمة في “عهد” نجم الأرض الفرعون الأشهر الملك رمسيس الثاني القوة الضاربة العظمى في الشرق الأدنى القديم، وإن أردنا الدقة يجب أن نصف زمنه بـ”عصر رمسيس الثانى” الذي كان علامة فارقة في تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم؛ نظرًا لعظمة مصر وتجدد أمجادها مثل كانت في عهود الملوك المصريين العظام، ملوك مصر الفاتحين أمثال تحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثانى وتحتمس الرابع إلى والده الملك سيتى الأول الفاتح العظيم، ولطول فترة حكمه، ولكثرة العمران والبناء والتشييد في عهده، ولرخاء الإمبراطورية المصرية في أرجائها الفسيحة على نطاق واسع. وكان الجميع يخشى قوة مصر العظمى ويهابها بشدة، ويرجو صداقتها بكل ما أُوتى من قوة، ويتطلع إلى السلام معها بأى ثمن وبأى شكل؛ نظرًا لما كانت تمور به منطقة الشرق الأدنى القديم من صراعات عدة. وكانت هناك قوى دولية تظهر وأخرى تختفي بيد أن مصر حافظت على قوتها وعظمتها في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وكان الحيثيون (أو الخِيتيون أهل ملكة خِيتى أو بلاد الأناضول في تركيا وشمال سوريا حاليًا) من القوى البازغة على مسرح الأحداث في الشرق الأدنى القديم، وبدأت تتنافس مع مصر العظمى، وأحيانًا تتطلع للاستيلاء على ممتلكات الإمبراطورية المصرية العريقة والمترامية الأطراف في بلاد الشام المترامية الأطراف. ثم دخلت مصر في حروب مع الحيثيين انتهت بتوقيع معاهدة سلام بين رمسيس الثاني وملك الحيثيين الملك خاتوشِلي الثالث في العام الحادى والعشرين من حكم رمسيس العظيم. وتعد هذه من أقدم معاهدات السلام في التاريخ. وبناءً عليها تم إنهاء الحرب الممتدة بين القوتين العظميين.
من المعروف عن الملك رمسيس الثاني أنه كان متعدد الزوجات، وأنه كان مولعًا بالنساء بشكل كبير؛ ولذا كانت كثرة زيجاته من أميرات الشرق الأدنى القديم. وكان هذا الزواج يدخل في نطاق ما يمكن أن نطلق عليه “الزواج الدبلوماسي”، وكان الهدف منه تكوين تحالفات سياسية وعسكرية بين القوى العظمى، التى كانت مصر على رأسها، وكذلك تدعيم أواصر المحبة والتواصل بين كبار الملوك في المنطقة.
من ذلك المنطلق، كان زواج نجم الأرض، الفرعون الأشهر، الملك رمسيس العظيم، وجه مصر الأشهر في الشرق الأدنى القديم، من إحدى الأميرات الحيثيات الجميلات التى أعطاها الملك رمسيس الثاني اسمًا مصريًا، وصارت ملكة مهمة من زوجاته الكبريات، وهي الملكة “مآت حور نفرو رع”، أو “مات نفرو رع” أو “مآت نفرو رع”. ويعنى اسمها المصري “من ترى الإله حورس، وجمال إله الشمس رع “. ولا نعرف اسمها الحيثي. وكانت هذه الملكة كبرى بنات الملك الحيثي خاتوشِلي الثالث وزوجته الملكة الحيثية “بودوخيبا”. وتم الاتفاق على الزواج بين رمسيس العظيم والأميرة الحيثية. ودفع لها الملك المصرى مهرًا كبيرًا. ووصلت الأميرة إلى أرض مصر المباركة في صحبة أمها الملكة “بودوخيبا”. ودخلت إلى قصر الملك رمسيس العظيم في العاصمة بر-رمسيس في شرق الدلتا المصرية. وكان هدف الحيثيين من هذا الزواج أن يكون مقدمة لأواصر الصداقة والمحبة مع الملك المصري رمسيس العظيم. وتم الاحتفال بمراسم الزاوج في العام الرابع والثلاثين من حكم رمسيس العظيم المديد.
من عظيم تقدير الملك رمسيس الثاني للملك الحيثي خاتوشِلي الثالث وابنته أن أمر بنحت لوحة تذكارية تخليدًا وتكريمًا لزواجه من تلك الأميرة الحيثية، والأهم أنه أمر بأن يتم نصبها في واحد من أهم معابده الكبرى، وأعني معبده الكبير الأشهر بـ”أبوسمبل”. وذُكر تحت الخرطوش الذي يحتوي على اسم الملكة الحيثية “ابنة الحاكم العظيم لخيتي”. وعلى هذه اللوحة ذكر رمسيس العظيم عنها ما يلي:”الجميلة في قلب جلالته، وأنه أحبها أكثر من أى شئ”. وكانت هذه التعبيرات من العبارات المصرية التقليدية في هذا السياق. وحملت الملكة من الألقاب الملكية لقب “سيدة الأرضين”، واللقب الأهم لقب “الزوجة الملكية الكبرى”، الذي ربما حصلت عليه بضغط من أبيها الملك الحيثي. غير أن النصوص المصرية كانت تذكرها دائمًا بالوصف التالى “ابنة الحاكم العظيم لخيتي”. ويبدو أن هذا الوصف كان تمييزًا وتقديرًا وإعزارًا لها ولوالدها الملك الحيثي، وليس تقليلاً من شأنهما.
لقد أنجبت تلك الملكة طفلاً، ربما كانت أنثى مما أغاظ والدها الملك الحيثي الذي كان يأمل أن تنجب ولى العهد لرمسيس العظيم. وماتت هذه الطفلة صغيرة.
غير أنها بعد فترة زمنية، تركت العاصمة بر رمسيس. وبنى لها الملك رمسيس العظيم قصرًا منيفًا في ضيعة “مِر وُر” (مدينة غراب في الفيوم حاليًا) التي خصصها لها. وانسحبت من المشهد، وانضمت إلى الحريم الملكى في مدينة غراب. وربما ماتت صغيرة ودُفنت في مدينة غراب.
من الملاحظ أن تلك الملكة الحيثية لم تظهر مع رمسيس العظيم في آثاره كثيرًا، بل إن بعض آثارها معه تعرض للتدمير ولا نعرف السبب وراء ذلك على وجه التحديد، وربما كانت غيرة سيدات البيت المصرى الحاكم وراء محو ذكراها من مصر. فعلى سبيل المثال، يوجد في منطقة تانيس (صان الحجر بمحافظة الشرقية)، أحد التماثيل الضخمة المكسورة للملك رمسيس الثاني. وصُورت عليه الملكة واقفة إلى يسار زوجها الملك، تلامس رجله اليسرى بيدها اليمنى، ونُقش اسمها في خرطوش أمامها.
لقد كانت مآت حور نفرو رع ملكة غير مصرية ساهمت في تلطيف الأجواء بين مصر وخِيتى، غير أنها لم تصل إلى حب نفرتارى في قلب رمسيس العظيم، ولا إلى تقديره لإيست نفرت الأولى ولا لأبنائها. ولم تترك بصمتها على وجه التاريخ، وربما يعود ذلك لأصولها غير المصرية وعدم إنجابها ولى عهد للملك رمسيس العظيم.
لقد كانت حياة الملك رمسيس الثاني العظيم في السلم والحرب وفي البناء وفي الحياة الاجتماعية، وبين الزوجات، والسياسة والدبلوماسية لهي الحياة العظيمة في مصر القديمة. لقد كان عالم الملك رمسيس الثاني العظيم هو عصر مصر العظيمة وعصر الإمبراطورية المصرية الخالدة. وكانت تلك فترة مهمة من فترات تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم حين كان يحكم مصر ملك عظيم ويهابه ملوك الشرق الأدنى القديم هو نجم الأرض وملك الملوك الملك رمسيس الثاني العظيم.
د.حسين عبدالبصير
عالم الآثار المصرية ومدير متحف الآثار-مكتبة الإسكندرية