سميرة بيطام تكتب عجز القانون الجنائي الدولي في احتواء الجريمة الدولية بغزة
اذا اخترنا مستوى أعلى بالمعنى الدولي لوضع مفهوم للجريمة الدولية ، فانه لن يكون سهلا ممتنعا وهذا لأن القانون الدولي في تطور مستمر وسريع بالإضافة الى صعوبة تكييف الجريمة الدولية والتي يُنظر اليها من عدة زوايا وبحسب ظروف وقوعها وكذا أطراف النزاع فيها ومسرح الجريمة، وفي ذلك سعي القاضي والباحث “أنطونيو كاسيزي” في مؤلفه القانون الجنائي الدولي الى تحليل معمق للمشاكل والحلول التي يطرحها القانون الجنائي الدولي، معتمدا في ذلك على المعايير التي يراها ضرورية للاعتماد عليها في تحديد الجريمة الدولية منها:
1-أن يكون الفعل المرتكب مخالفا للقواعد المقررة في القانون الدولي وكذا المعاهدات.
2-أن تهدف هذه القواعد الى حماية القيم التي يعترف بها المجتمع الدولي وتكون ملزمة للدول التقيد بها وعدم مخالفتها.
3-أن تكون هناك مصلحة عالمية لملاحقة تلك الجرائم ، مما يتيح الملاحقة والمعاقبة بمعزل عن توافر المصلحة الشخصية والتي تكون مرتبطة بجنسية الفاعل عند ارتكاب الجرم ، ومنه تعتبر جرائم دولية داخلة ضمن نطاق القانون الدولي الجنائي جرائم الحرب ، الجرائم ضد الإنسانية ،جرائم الإبادة ، جرائم الإرهاب الدولي.
فاذا كان ما وصفه أنطونيو كاسيزي يلخص الجريمة الدولية وأشكالها ، فان نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نص في المادة السادسة ما يلي :
لغرض هذا النظام الأساسي، تعني ” الإبادة الجماعية” أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد اهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه اهلاكا كليا أو جزئيا :
– قتل أفراد الجماعة.
– إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
– إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا.
– فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة؛
– نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
أمور تبدو عند قراءتها لا تستدعي شرحا أو تفصيلا لكنها من منظور جنائي وبالعودة الى المرجع الالكتروني الذي يتضمن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بوصفه الوثيقة ذات المرجع : A/CONF.183/9 المؤرخة في 7 تموز /يوليو 1998 والمصوب بموجب المحاضر المؤرخة في 10 تشرين الثاني / نوفمبر 1998 و 12 تموز/يوليو 1999، و30 تشرين الثاني / نوفمبر 1999 و8 أيار/ مايو 2000 و17 كانون الثاني /يناير 2001 و16 كانون الثاني 2002 ودخل النظام حيز النفاذ في 1 تموز يوليو/ 2002 وأفتح قوس هنا لأشير الى ( أن التسلسل التاريخي للنسخة النهائية لهذا النظام مر عبر هذه المراحل مما يدل على التعديل في كل مرة حتى يستوفي الحجة القانونية الدولية بما يتماشى ومطالب هذا النظام في تكييف الجريمة الدولية ووضع الجزاء القانوني للمجرم سواء كان شخصية معنوية أو دولة قائمة بذاتها) ، لنستخلص المعنى الجوهري الذي قامت عليه هذه المحكمة الجنائية الدولية في نص الديباجة ما يلي:
ان الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي تضع في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة، وإذ تسلم بأن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم، وإذ تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب أن لا تمر دون عقاب.
لنقف عند هذه الفقرة، وعلى الجهة الأخرى من الجانب التطبيقي نجد أن الاعتداء الهمجي على قطاع غزة يعد جريمة بشعة يجرمها هذا النظام الأساسي للمحكمة التي يفترض وينتظر منها موقفا وحكما و قرارا عادلا بما يتوافق وبشاعة الأعمال الإرهابية المرتكبة وكذا عدد الشهداء الذين سقطوا في ميدان الشرف والتضحية ، وما يلاحظ أن ثمة تماطل في تسريع وتيرة التقاضي وقبله وتيرة اطلاق صفارة الإنذار بقرار من المحكمة لتعتبره الدولة المعتدية انذار بعدم التعدي على الآخرين والتوقف عن الاستمرار في مواصلة هذا العصف المأكول الغير مبرر شرعا على أرض واضحة الحدود هي للفلسطينيين ميراثهم وحق أسلافهم، هذه الأرض التي شهدت نكبات قبل طوفان الأقصى والتاريخ يحتفظ بتواريخ النكبات التي توالت على فلسطين منها :
الكارثة التي استمرت سنتين من 1947 الى 1948 (مذبحة اللد حزيران)، (مذبحة خان يونس 1956)، ( مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا 1982) (مذبحة الحرم الابراهيمي 1994)، (مجزرة جنين 2002)،(مجزرة قانا 1996).
كثيرة هي مآسي دولة فلسطين ومجتمع فلسطين، اذ بدا واضحا للعيان بعد استقراء التاريخ أنه وبسبب غزوات الآشوريين والكلدانيين اختفت دولة اليهود في فلسطين بعد أن عاشت أربعة قرون( 1000-586 ق م) كانت كلها خلافات وصراعات، اذ تعتبرهذه الفترة من أهم فترات التاريخ الفلسطيني ،حيث استند عليها اليهود في أحقيتهم للعودة الى أرض الميعاد.
واليوم نشهد عودة العجلة للوراء ضمن تاريخ السابع من أكتوبر 2023 الذي فجر أحداثا جديدة ليعيد التاريخ نفسه بنفسه والرجوع بأياد غزاوية ، لاجتثاث الاستبداد والظلم والقهر الذي طال فلسطين لسنوات، انها الحرب التي تجسدت في جريمة دولية بأركانها الكاملة ،ولكن الموقف الجنائي الدولي لم يأخذ مجراه المطلوب تجاه القضايا العادلة ، لأن ما ورد في ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لم يجسد ما صرحت به أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب أن لا تمر دون عقاب، وهو ما كان واضحا للرأي العام الدولي من عدم تحرك الدول العربية والإسلامية لإنقاذ غزة ما عدا الموقف المسجل في الهدنة والتي سعت اليها دولة قطر وكذا الهجومات التي نفذتها اليمن في البحر الأحمر لمنع السفن الاسرائيلية من العبور.
فالجريمة الدولية في غزة ورغم هذه المساعي تظل قائمة ولا يشوبها أي تكييف آخر لنوع الجرم المرتكب من خلال التعدي بالمقذوفات المحرمة دوليا واستهداف فئات الأطفال والنساء في المدارس وفي أكثر المناطق ترددا عليها ، وحتى المساعدات المقدمة من الدول لا زالت متوقفة عند بوابة المعبر كما أدلى به البعض من سكان غزة بشهادتهم أن الشاحنات لا تزال تنتظر إشارة الدخول بخلاف ما قامت به قطر والأردن من تقديم مساعدات لكنها تبقى غير كافية اذا ما قورنت بحجم الدمار المسجل على القطاع والذي بات اليوم مهددا لغزة ومن كل النواحي سواء الصحية أو الغذائية أو الأمنية على الصعيد الدولي لدول الجوار وكذا الشرق الأوسط وحتى باقي الدول، نظرا لما تسجله من مواقف وردود أفعال فهي لن تبقى متفرجة على جريمة الإبادة على الشعب الفلسطيني والذي يليه عجز كلي لقرارات مجلس الأمن الدولي التي رضخت مؤخرا لحق الفيتو الأمريكي والذي امتنع عن التصويت ضد وقف الحرب ، ما يعني أن المنظور القانوني الجنائي الدولي اليوم بحاجة لمراجعة حقيقية وجذرية للمعايير المزدوجة وكذا للتباطؤ الملاحظ في وقف العدوان اذا تعلق الأمر بفلسطين ،على النقيض من الأمر فيما يخص الدول الأخرى أين سجلت المحكمة الجنائية الدولية موقفا على الرئيس بوتين يقضي بمتابعته على جرائم حرب ارتكبها على إقليم كييف وغيره من أقاليم أوكرانيا.
لنصل في الختام الى أنه بقدر ما كانت النصوص القانونية الدولية غزيرة في ديباجتها وباقي مضمونها من المواد بقدر ما ظهرت عاجزة على التطبيق الآلي والفوري لما يقتضيه واقع الحال الدولي من ضرورة وقف الجرائم التي تهدد الأمن والسلمي و تشكل خطرا على إبادة العرق البشري بسبب عملية التهجير القسري وكذا جرائم الإبادة الجماعية المتنوعة الأشكال.