أخبار عاجلةدراسات ومقالات

التنويعات الأسلوبية في شعر د. مسلم الطعان كتاب للأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف بقلم – عقيل هاشم

اصدار جديد للأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف أستاذ السرديات الحديثة بعنوان “التنويعات الأسلوبية في شعر د. مسلم الطعان.. قراءة واعية في قصيدة الومضة..
ومعروف ان الدكتور العارف يسير في مشروعه النقدي بخطوات رصينة وثابتة شكلت انعطافة معرفية في المشغل النقدي العراقي والعربي معا. فقد درس أعلام السرد والشعر والمسرح وقدم أسماء ربما تعذر ذكرها اليوم بشكل يليق بمكانتها الأدبية.تم نشر تلك الدراسات النقدية والبحوث في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي . يستفيد منها الأكاديمي والمثقف على حد سواء في بناء منظومته المعرفية ومشروعه البحثي.ألف شكر لهذه الجهود.
أما عن مقدمة الكتاب فيقول – عرفَت حركة الشعر الجديد انعطافاً تاريخياً جديداً وشَهِدت تحوّلات فنية وفكرية تتوافقُ والتحوّلَ الفكري الحضاري للعالم المعاصر، قامَ بها عددٌ من الشعراء الجُدُد وعدد مّمن قادوُا الحركة الشعريّة. وساعدت الظروف السياسية التي تمرّ بها البلدان العربية؛ حيثُ الإرهابُ الفكري وانعدام الحرية على اللّجوء إلى الرّمز والومضات النّاقذة السريعة الخاطفة.
فالومضة الشعرية هي نوع من الشعر الجديد الذي يعتمد على التكثيف عن طريق تقصيرها على معنى ودقة التعبير وعلى بضع كلمات وجمل ذات إيحاء ودلالية مكثفة قوية. ولا يفيض في الوصف والتشابيه ولا تسهب في مماطلة المضمون والشاعر فيها يهتم باللغة الشعرية إضافة إلى اهتمامه بالفكرة الشعرية.
من سمات الومضة الشعرية الاختزال والتكثيف والإيجاز هي العناصر الأساسية، إذا ما سلمنا بأنها هي المرتكز الذي تستند إليه قصيدة الومضة، أو هي الدفقة الواحدة للوصول إلى مغامرة شعرية. بمعنى ان الومضة هي لحظة أو مشهدٌ أو موقفٌ أو إحساس شعريّ خاطف يمّر في المخيلة أو الذّهن يصوغُهُ الشاعرُ بألفاظٍ قليلةٍ. وهي وسيلة من وسائل التجديد الشعري، أو شكل من أشكال الحداثة التي تحاول مجاراة العصر الحديث، معبرة عن هموم الشاعر وآلامه، مناسبة في شكلها مع مبدأ الاقتصاد الذي يحكم حياة العصر المعاصر. راجت الومضة في السبعينات من القرن العشرين وباتت تستقلّ بنفسها حتى أصبحت شكلاً شعريّاً خاصّاً. من أهم العوامل التي لعبت دوراً هاماً في نشأتها هي التحول الفكريّ والفنيّ ومتطلبات الحياة الجديدة.
تتسم (الومضة) بالسمات العامّة للقصيدة الحديثة، منها: التفرد والخصوصية، التركيب، الوحدة العضوية، والإيحاء وعدم المباشرة وتنفرد بالاقتصاد في الإيقاع والصورة واللغة والفكرة.
أما عن كتاب “التنويعات الأسلوبية في شعر د. مسلم الطعان”
أقول فقد اعتمد أستاذ السرديات الحديثة الأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف والصادر عن منشورات امارجي لصاحبها المهندس عبد الزهرة عمارة ٢٠٢٥
في تأليفه على المنهج المتكامل الذي لا يكتفي بمنهج واحد ويستند إلى المناهج المتعددة مع التركيز على المنهج الأساس. والنهج الأساس في هذا البحث هو المنهج السيميائي .
ما الومضة؟ الومضة لغةً من «وَمضَ» وومضَ البرقُ: لمع خفيفاً، وفيه شيءٌ من الإدهاش والتشويق وفيه شيءٌ آخر من الشفافية والغموض الآسر وعدم الإيضاح لكلّ شيءٍ. وفيه شيءٌ آخر مِن التكثيف والاختزال والاقتصاد اللّغويّ. «ويتداخلُ مع معنى الومضة، البرقية ولذلك يقال: «القصيدة البرقية، القصيدة الومضة وهي قصيدة مكثفة ومختزلة جدّا.
إذن فهي نصٌّ أشبه ما يكون ببرقٍ خاطفٍ يتسم بعفوية وبساطة تمكنه من النفاذ إلى الذاكرة للبقاء فيها معتمداً على تركيزٍ عالٍ وكثافة شديدة مردّها انطباع كامل واحد مستخلص من حالة شعورية أو تأملية أو معرفية عميقة إذن فهي تتوفّرُ على التركيز والغني الواضح بالإيحاءات والرّموز وتدفقُ رقراق وانسياب عضوي بديع لوعي شعريّ عميق. فالشكل نصٌّ مختصرٌ مختزلٌ بأعلى قدرة للاختزال.


ركّز الكتاب على التجربة الشعرية للشاعر د. مسلم ، بوصفه واحدا من أبرز الأصوات الشعرية المعاصرة، واستعرض الكتاب بشكل خاص استخداماته المكثّفة لقصيدة الومضة كأداة للتعبير الجمالي والوجداني. وكما تناول الكتاب دلالات النصوص وتفاعلها مع المتلقي، في إطار نظرية التلقي التي تضع القارئ في مركز إنتاج المعنى.
تجدر الإشارة إلى أن المؤلف د. العارف في كتابه والذي جاء ضمن سياق جمالي حول قصيدة الومضة شاعرها الطعان ومجمل نتاجه الشعري بوعي نقدي و معرفي مخصوص في تتبع تحولات القصيدة الومضية ، وتحليل مستوياتها الفنية والرمزية، وتسليط الضوء على نمط شعري حديث لم يحظَ بعد بقدر كافٍ من الدراسات النقدية.
أهمية الكتاب الذي بين أيدينا تتأتى من كونه كتاب نقدي عربي مخصص لرصد و التعريف بظاهرة القصيدة الومضة شاعرها الطعان
و يُعرِّف الكتاب قصيدة الومضة بأنها ” هي قصيدة الدفقة الشعورية الواحدة التي تقوم على فكرة واحدة أو حالة واحدة يقوم عليها النص, تتكون من مفردات قليلة, و تتسم بالاختزالية, و لا يتعدى طول هذه القصيدة الجمل القليلة التي تتشكل بطريقة لمّاحة واضحة سريعة
يتألف الكتاب من مقدمة و قسمين
البعد التنظير والبعد الإجرائي
الفصل الأول –
-الفرد والخصوصية والتركيب والوحدة والإيحاء والدهشة وتكثيف لوني والعنوان
الفصل الثاني : يبحث في التنويعات الأسلوبية لقصيدة الومضة
أما الجانب الإجرائي
العنوان والمقارنة التأويلية ومسرح القصيدة َتقنية الحوار والمونتاج الشعري..
الفصل الثالث – التناص –
أنواعه-الديني والادبي والاشاري…. الخ
أما قوانين التناص – الاجترار والاختصاص والحوار..
بالإضافة يناقش الكتاب قضايا أسلوبية منها.
– أثر العنوان في القصيدة الومضة
– التكثيف و طاقة المفردة
– النزعة التشكيلية
– الغموض و التمنع
– الدرامية و التكرار
– النزعة الصوفية
– جماليات التلقي
– الفاعلية و التأثير
وقد أشار المؤلف في المقدّمة أن القصيدة الومضة تمكّنت من تحقيق هذه الوظيفة الجوهرية للشعر عن طريق أسلوب الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة و المهمشة, و رصد دقائق الأشياء المحيطة بنا
فهو العمل داخل اللغة و ذلك عن طريق إحداث علاقات جديدة بين المفردات, أنها ترد كمثال على الأسلوب أسلوب الاشتغال على” اللغة” مع الاهتمام بالتفاصيل و انسجام التطبيق مع الطرح النظري في الكتاب. وما يلاحظ هنا أن ما يُسميه الكتاب التنويعات الأسلوبية لقصيدة الومضة مع الاعتراف بوجود خصوصية ما فيما يتعلق بالعنوان و التكثيف و طاقة المفردة, و لكننا لا نجد مثل هذه الخصوصية من الدرامية و التكرار و النزعة الصوفية.
القصيدة الومضة تماثل قصيدة متوسطة الحجم , و تحمل ملامح قصصية صريحة, فثمة تصعيد درامي و حبكة و لكنها مفعمة بالشعر, الكتابُ كذلك تجربة الشاعر مسلم الطعان من خلال النماذج التي قدّمها الكتاب للشاعر نجد الومضة تحتفي أكثر بالأشياء , التفاصيل , البيت , و العائلة , و الإحساس الذاتي كممثل لبداهة الاحتجاج اليومي فالنص يقوم على ما هو مأمول و بين ما هو حاصل
وعن الومضة الشعرية اقول ظهرت كتعبيرٍ عن روح العصرِ الذي صار كلّ شيء فيه يمرّ مُسرعاً مُستعجلاً وكأنّهُ ومضة خاطفة لا تدومُ طويلاً ولكن أثرها يبقي مشعاً؛ لأنّها تعبّر عن رؤى الشاعر وعالمه مهما تعقّدت تلك الرؤى ومهما تعدّدت وتلوّنَت. «ومع تطوّر الحياة وتعقّدها انطلقَ الشعراءُ في رحلة البحث، مرّة أخرى في محاولة للتجديد الشعريّ؛ هذا التجديد الذي لم يأتِ تلبيةً لمجرد الرّغبة في التجديد بل لأنّ الحياة الجديدة التي تكرّس مبدأ الاقتصاد في كلّ شيءٍ تطلُب شعراً جديداً… شعراً مختلفاً.
قصيدة الومضة هي القصيدة المبالغة في القصر، حتى لتكون الجملة الواحدة قصيدة وهذا النوع فرضته الحياة الجديدة المتّسمة بالسرعة والتكثيف اللغوي والاقتصاد في التعبير لتوصيل الرّسالة الشعريّة بأقلّ عددٍ ممكنٍ مِن الكلماتِ.» فقصيدة الومضة تجربة تستجيب لحال مجتمع مشغول بهمومه الكثار، وكأنّ الشاعر وجد ضآلته في قصيدة الومضة التي من شأنها ألا تأخذ من وقته ووقت القارئ سوى أقل القليل.
فقد شهدت القصيدة المعاصرة تحولات فنية وفكرية، تتوافق والتحول الفكري والحضاري للعالم المعاصر، حيث مال كتاب قصيدة النثر إلى اللجوء إلى التوقيعات والومضات الشعريّة الخاطفة التي كانت نصاً مكثفاً يميل إلى الإدهاش والمفارقة.
تتميز القصيدة الحديثة للشاعر د. مسلم الطعان بمجموعة من السمات والخصائص العامة التي اكتسبت من الطبيعة الشعرية الحديثة ومن طبيعة التكنيكات المستخدمة في بنائها، ولعل من المفيد في تحديد سمات «الومضة الشعريّة» في ديوانه أن نتعرف على هذه السمات قبل ان نعرض بالتفصيل لسمات الومضة الشعريّة، من أبرز هذه السمات هي:
أ: التفرد والخصوصية؛ أي لا يمكن تصنيف القصيدة الحديثة تحت أي غرض من الأغراض الشعرية العامة
ب: التركيب؛ لتنوع الأدوات الفنية التي يستخدمها الشاعر وطريقة استخدامه لها، ولميل القصيدة الحديثة إلى أن تكون كياناً متفرداً خاصاً، أصبح بناء هذه القصيدة على قدر من التركيب والتعقيد يقتضي من قارئها نوعاً من الثقافة الأدبية والفنية الواسعة.
ج: الوحدة؛ على الرغم من أن القصيدة الحديثة تتركب من مجموعة من العناصر والمكونات المتنوعة، والمتنافرة في بعض الأحيان، فإن ثمة وحدة عميقة تؤلف بين هذه العناصر، وتنحصر فيها هذه المكونات المتناثرة المتنافرة لتصبح كياناً واحداً متجانساً، لا تفكك فيه ولاتنافر.

أ.د مصطفى لطيف عارف
أ.د مصطفى لطيف عارف

د: الإيحاء وعدم المباشرة؛ من السمات البارزة في القصيدة الحديثة أنها لا تعبر تعبيراً مباشراً عن مضمون محدد واضح، وإنما تقدم مضمونها الشعري بطريقة إيحائية توحي بالمشاعر والأحاسيس والأفكار ولا تحددها أو تسميها، ونتيجة هذا، فإنّ القصيدة الحديثة لا تحمل معنى واحداً متفقاً عليه، ومن الخطأ أن نتطلب من كل قصيدة أن يكون لها معنى واقعي وحيد، لأن الشاعر لو كانت لديه فكرة محددة واضحة المعالم يريد إيصالها إلى القارئ لما لجأ إلى الشعر أسلوباً لنقلها، ولآثر عليه النثر الذي هو أكثر قدرة على تحديد المعاني والأفكار وتوضيحها.
(الإيحاء )الذي يهدف إليه بناء القصيدة الحديثة يتطلب من الشاعر ألا يصرح بكل شيءٍ لأنّه يلجأ إلى إسقاط بعض عناصر البناء اللغوي مما يثري الإيحاء ويقويه من ناحية وينشط خيال المتلقي من ناحية أخرى.
لكي يحقق الشاعر الطعان لقصيدته سمة الإيحاء فإنه يلجأ إلى استخدام مجموعة من الأدوات والتكنيكات الفنية بعضها مستمد من التقاليد الموروثة للشعر منذ أقدم عصوره، كاللغة الشعريّة، والصورة الشعرية، والموسيقي الشعريّة، المتمثلة في الوزن والقافية وبعضها الآخر من التقاليد الشعريّة الحديثة؛ كالرمز، والمفارقة التصويرية، وغير ذلك من الأدوات الفنية التي ابتكرها الشاعر الحديث، وبعضها الثالث استعاره الشاعر من الفنون الأدبية الأخرى، الحديثة أسلوب الارتداد (الفلاش – باك)، والمونولوج الداخلي، وغير ذلك من تكنيكات الرواية الحديثة، كما استعار من المسرحية أخص تكنيكاتها بها مثل تعدد الأصوات، والحوار، والصراع، بل إن بعض القصائد الحديثة استعارت القالب المسرحي بكل مكوناته وعناصره)
لقد تأثرت نصوص الشاعر د. الطعان في كتابة قصيدة الومضة .
بلغة فنية تتسم بالقصد والتركيز والتكثيف، لأنَّ الومضة من سماتها لغوياً السرعة واللمعان فهي تتسم بالاقتصاد وهذا الاقتصاد جوهري في قصيدة الومضة لأنه مظهر الشعريّة فيها،
اللغة هي المادة الأولى الّتي يشكل منها وبها البناء الشعري أي أنها الأداة الأمّ التي تخرج كل الأدوات الشعريّة الأخرى من تحت عباءتها. الومضة الشعريّة هي شكل من أشكال الحداثة التي تتناسب مع مقتضيات العصر الحديث ومتطلباته،من المفردات الموحية بتعابير ومفردات جديدة مستمدة من صميم التجربة، تستمد منابعها من قوة اليأس والحاجة إلى التعبير الذاتي باللغة الذاتية. وصارت وظيفة اللغة أن تساير تجربة الشاعر بكل ما فيها من الغني والتواتر والتناقض والحساسية. قصائد الطعان عبارة عن دفقة شعورية سريعة تتناسب مع تسارع الأشياء المذهل في هذه الحقبة الزمنية التي تحاصرنا حالياً؛ إنّها أشبه ببرقية شعرية وتتميز بالكثافة والتركيز حيث إنّ الشاعر يقول بوساطتها أشياء كثيرة، بعبارات موجزة.
من ميزاتها : الخيال المتوقد، الحساسية المرهفة، الابتعاد عن الحشو والزيادات، الاتصاف بانتقائية اللفظ وتميّز الصورة، القدرة على التأثير في المتلقي، السيطرة على توجيه انتباه المستمع، المفاجأة، الوحدة العضوية والتركيز على الجمل القصيرة المكثفة أما عن ختام الومضة فهو سرّ جماليتها، وعليه ترتكز قدرة التأثير في المتلقي ؛ لما تشكّله القفلة من أثر ارتدادي في نفس المتلقي، في تحوّله من حيز البناء إلى حيز الإنتاج والتأثير، أي انتقاله من فعل إبداعي داخلي لدى الشاعر، إلى تفاعل استقبالي لدى القارئ، وهو في الأساس نتاج حساسية خاصة بين الشاعر واللغة التي يكتب بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى