أخبار عاجلةدراسات ومقالات

الناقد والمترجم عوني سيف يكتب سيكولوجية الأنا العنيدة في روزنامة – قصيدة منال رضوان

النص:
_________
لم يهزمني العمر
لم يخذلني أحد..
أكثر من خذلان الأحلام القديمة
لم تفترس الجوارح جسد ذاكرتي
ما زلت أجيد اقتطاف وريقات
الأيام المصلوبة بين جدارين
وأعود لأركض في اقتفاء أثرها
أفهرس مهماتي جيدًا
وبقلم كاتب يتقن الإحصاء
أتأمل..
أوجاع عاهرة تغترف قداستها
مدينة بلا لون
أهرع..
خلف أوابدها في انتشاء!
أمشط..
رُءُوس دُمًى بلا عقل
تملكني كل حين
تتساقط جلودها مثخنة
بقروح امرأة كنتها
قبل زمن بعيد..
لم يهزمني شيء
وإنما أهب بعضي..
لعتبات الخوف من وجهي الجديد
وخلف أبواب موصدة
لا تكف أصواتهم عن النباح.


_________
القراءة:
عتبة النص ” روزنامة” تدل على شيء من الرتابة التى ترفضها الشاعرة بروحها العنيدة.
تقول الشاعرة:
لم يهزمني العمر
لم يخذلني أحد..
تعلن الشاعرة عن سيكولوجية عنيدة مثابرة؛ فمن منا لم يُهزّم من السنوات؟ و من منا لم يُخذّل من أحد ولا سيما من الأقارب أو الأصدقاء؟
هنا تعلن منال رضوان عن النفس البشرية العنيدة التى تتحدى خذلان العلاقات المحيطة، فهى كإنسان مختلف إلى حد ما، خذلتها فقط بعض أحلامها القديمة.
الأنا لدى الشاعرة مستقلة ، قوية ، متحدية المشاعر السلبية التي تحوم حول الأنفس من حين لآخر.
و تكرر الصورة مرة أخرى لكن بصورة بها تجسيد فى:
لم تفترس الجوارح جسد ذاكرتي
ما زلت أجيد اقتطاف وريقات
الأيام المصلوبة بين جدارين .
فهى تجمع الأمل وريقات من الأيام التي تعانى آلام الصلب.
وهذه صورة بليغة بها تناص رائع، و ما أعجبني جداً أنها قالت بين “جدارين ” و ليست جدران ، لتكتمل صورة المشهد الصعب التى تجمع رغم عنه وريقات الأمل.
و عن أوجاع المدينة ” مدينة بلا لون” تبين الشاعرة بعض مشاعر الاغتراب فى زمن المادية الحديثة، فهذه الصورة نقيضة ضمنياً للريف و جماله و جمال العلاقات و المشاعر لمن يقيمون هناك.
تقول منال رضوان:
أمشط..
رُءُوس دُمًى بلا عقل
فى هذا البيت حسب مدرسة النقد النفسانية تُظهر الشاعرة من هذه الصورة الطفلة الصغيرة الدفينة بداخلها رغم رتابة بعض الظروف الحياتية التي غزت هذه القصيدة و ربما غزت الشاعرة أيضاً.
“تملكني كل حين
تتساقط جلودها مثخنة”
هذه صورة وصفية للدمى مستوحاة من مشاهد العنف التى تحيط بمنطقتنا العربية، برعت الشاعرة فى تجسيد الصورة التى تسيطر على النص من رتابة واغتراب و ملل.
منال رضوان شاعرة متقدة اللغة و الثقافة و قراءة المشاهد المحيطة وهذا تجده بين مفرداتها و صورها.
و فى نهاية النص تعلن للمرة الثالثة أنها مخلوق غير قابل للهزيمة.
تحية للشاعرة الرائعة.

أوبرا مصر – دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى