ا.د مصطفى لطيف عارف يكتب لوحة الغلاف والعنونة في كتاب ( رعشات الحنين لبوابات السنين)
للأديب حسن عبد الغني الحمادي
عتبة الغلاف :– إن اللوحة – بنوعيها لوحة الغلاف , واللوحة الداخلية- هي الإيقونة الأبرز في أولى العتبات , فهي علامة دالة تستقبل ضمن انساق تتفاعل فيها اللغة , واللون , والحركة والقصد العام لهذه العلامة , أي اللوحة ,وتمثل هذه العتبة الإيقونة الأولى, والأكثر وضوحا في شريط العلامات السيميائية التي يتشكل من مجموعها , أي مجموع إيقونات هذا الشريط , معرض النص, فاللوحة تمثيل للمكتوب ونقل له إلى صورة/ لوحة , وهذه الصورة / اللوحة هي اجتهاد مستمر لاختزال مقول النص الذي تتبناه هذه اللوحة سواء أكانت لوحة غلاف لعمل كامل , أم لوحة داخلية لنص محدد , فاللوحة الداخلية تمثل فعلا مساعد يستمد مقاصده من الفعل الرئيس – لوحة الغلاف – ويجتهد من اجل فتح مديات أوسع أمام المحفل النصي,وفي ضوء هذا الوصف نجد أننا أمام تقسيم بائن لهذه العتبة , يتوزع على نوعين ثابتين وقارَين للوحة في العمل الروائي هما : لوحة الغلاف , واللوحة الداخلية , وهذا التقسيم يبين أن لهذه العتبة سلطة استقصائية للمعنى الأدبي منطلقة وراءه بدء من الغلاف , الذي تتمركز فيه لوحة الغلاف , مرورا بحيثيات المتن الأدبي الذي تقدمه – داخليا – اللوحة الداخلية , وصولا إلى المعنى الدال والمراد منها – أي من اللوحة- تمثيله ونقله مبصورا إلى المتلقي, وعتبة لوحة الغلاف هي الشكل الخارجي الأكبر لهذه العتبة / اللوحة , إذ تبين – داخل متنها – أشكالا صغرى لتكون بذلك شبكة سيميائية تستطيع الإحاطة – تمثيلا- بالمنجز الذي تغلفه ,ففي كتاب ( رعشات الحنين لبوابات السنين) للأديب حسن عبد الغني والتي كانت لوحة غلافها من رسمها , تتشكل من ثلاثة ألوان متسلطة وحاكمة على المرئي من هذه اللوحة وهي :الأصفر , والأحمر ,والأسود : لقد تمكن من تغطية ثلث مساحة اللوحة تقريبا , والمعروف أن هذا الأحمر من اللوحة في الأسفل مع اللوحة المرسومة من قبل الفنان الذي صمم اللوحة , وفي الأعلى لكي يشارك في النقل / الأخذ إلى حدود عنوان الكتاب, ففي المكان الأسفل الذي يعلو الشريط الأسود في أرضية اللوحة نرى الأصفر حاضرا بكامل قواه اللونية ليتواصل بذلك مع دلالة الحياة الريفية الجنوبية التي قدمها هذا الشريط الأسود وبذلك يكون الأصفر علامة للعطاء وحقوق مدينة الناصرية المستلبة. والممثل لعنوان اللوحة , ليشير بتماهيه هذا أن له معنى أخر وهذا ما نلحظه في وصوله للمكان الأعلى الذي جاء على شكل كلمة كبيرة في أعلى الكتاب , وقد خط اسم الكتاب باللون الاحمر ليؤكد أن هذا الاسم ينتمي إلى الشريط الأسود في أرضية اللوحة , لذا كتب الاسم بالأعلى في حدود اللوحة ضمن الشكل الأصفر ليكون تعبيرا تشكيليا لما أراده العنوان , أي انه اخذ هذا الاسم إلى حدود الشمس في ارتفاعها , و تشتمل على علامات سيميائية متعددة تفضي إلى دلالات خارجية تكشف عنها بنيتها السطحية التي تحيل على البنيات العميقة التي تتمثل بالعالم الدلالي .
والعنوان هو العتبة المقدسة نصيا , فبه يتكثف المتن ومنه يأخذ هذا المتن شحنته التي تبقيه صالحا- وباستمرار- للقراءة بكل أشكالها المواجهة والفاحصة والمنتجة انه النص وعن طريق ضبطه نتمكن من إيصال طرود الانطباع والتأويل بسلامة تلق فاعل , على اعتبار أن العنوان هو الموجه الأساس الذي تسترشد به القراءة عن أخبار النص الأدبي والغاية التي يريدها, فهو أداة توجيه مهمة جدا بين الاداوات الأخرى انه تسمية النص , وجنسه وانتماؤه , ويعد العنوان أول المعايير التي يقاس في ضوئها – نصيا- مدى الاهتمام بالقارئ , ومدى الاشتغال على إغوائه عن طريق هذه العارضة الاشهارية – العنوان- أي الاهتمام بالقارئ المقصود , المخصوص بالخطاب , الذي – كما يرى وولف- يمثل فكرة النص المركزية التي تشكلت في ذهن الكاتب, فالاهتمام بالقارئ يعني الاهتمام بالنص نفسه , لان القارئ هو المتكفل بإعادة أنتاج النص وتشكيله على الدوام , فقد أصبح القارئ مشاركا ومتابعا ومفسرا لكل شفرات النص ودلالاته وفك شفراته انه مبدع ثان للنص 0 إن نظام العنوان يعمل وفق قوننة غاية في الحساسية , إذ يتبلور النص بموجبه , فإذا كان العنوان طويلا ساعد على توقع المضمون الذي يتلوه,أما إذا كان قصيرا فعندها لابد من قرائن تساعد على التنبؤ بالمضمون وهذا ما أكده الدوخي في تخطيط النص ,ومن الممكن أن يكون دالا صوتيا كان الكتاب يكون (رعشات الحنين لبوابات السنين ) للأديب حسن عبد الغني الحمادي , أو أن يكون علامة محددة بنوعها مروية مثلا , أو علامة استفهام , أو على شكل نقاط وعند ذلك يبدأ العنوان عمله بوصفه حسب امبرتو ايكو – مفتاحا تأويليا, أو مفتاحا لمدخل الكتاب ,فهو يختصر الكل , ويعطي اللمحة الدالة على النص المغلق , فيصبح نصا مفتوحا على كل التأويلات, وهنا في كتاب (رعشات الحنين لبوابات السنين ) , وعلى وجه خاص فان العنونة من كونها تشغل منطقة إستراتيجية في عملية التلقي, هي المنطقة الأولى بصريا ودلاليا , تلك المنطقة التي يحدث فيها التصادم الأول بين القارئ ,والعمل الأدبي,وفي ضوء ذلك امتلكت هذه العناصر وظيفة خطرة هي قيادة القارئ إلى جغرافية العمل الأدبي ومنحه مفاتيح استكشافه وإضاءة مجاهله,ولاسيما أن رولان بارت قد وسع مفهوم السيمياء , فلم يعد محددا-كما يرى دي سوسير- بالعلامة اللسانية ,بل بكل ما هو لفظي,أي محاولة تطبيق اللغة على الأنساق , وقد مثلت الهندسة العنوانية عند الاديب حسن عبد الغني جملة من الوظائف التي تعد وظائف ترويجية لمحتوى الكتاب , ففي العنونة (رعشات الحنين لبوابات السنين) التي تدل على معنيين الأول هو(رعشات الحنين) , والمعنى الثاني اقرب إلى الأديب (لبوابات السنين) لأنه وصل إلى مرحلة أن يقدم أوراق توثيقية للحركة الأدبية في مدينة الناصرية عن طريق التوثيق والتدوين للحركة الأدبية وتجسيدها في عنونة كتابه , ونجد الربط بين العنوان والمتن يتحقق في دراساته الموجهة للمتلقي , وبعنوانها الداخلي توجيها خاصا , وبذلك يمكن أولا أن نربط العنونة الرئيسة / الخارجية , مع العنونة الفرعية/ الداخلية , ومن الميثاق التواصلي الذي يعقد في ضوء الارتباط المتين بين العنوان الرئيس, والعنوان الفرعي يتحقق العنوان في كتاب ( رعشات الحنين لبوابات السنين ) , ( أورق توثيقية للحركة الأدبية في مدينة الناصرية )