الفنان عبد الهادي شلا يكتب مقتطف “2” من بحث النقد التشكيلي العربي
أثر الحضارات القديمة على الفنون التشكيلية
أجمع علماء الجمال والفلاسفة على أن الفنون الراقية التي ورثناها عن “الحضارات القديمة” كان لها أهمية بالغة في التعرف على نهج الحياة عند الأمم السالفة وقد وصلتنا عن طريق ترجمتها وفك الغازها من لغتها الأصلية -كما أشرنا بمثال إلى “حجر رشيد” الذي كان مفتاحا لفك الرموز المصرية القديمة الغير محدودة وحيرت علماء الآثار والمهتمين من المؤرخين والباحثين في علوم هذه الحضارة – وأن ترجمة نهج الحياة عند هذه الأمم في كل بلد بلغته الخاصة عمل أوجد توافقا بين الآراء التي ساندت بعضها البعض في البحوث الفنية وصولا لأقرب صورة عن طبيعة الحياة في زمانها وكانت ترجمة رموزها ولغتها من أهم هذه العوامل،ومازلنا ننحاز لها في عصرنا الحديث ومنذ عشرات السنين حين التفت الفنان التشكيلي إليها و وصلته نقية واضحة فاستعان بها في خلق تصور جديد أوصلته إلى استنباط مدارس ومذاهب فنية حديثة استقرت لتشكل أُسسا ثابتة في عالم الفن التشكيلي ،وقد يساعدنا كمثال النظر إلى أعمال”بيكاسو” المستوحاة من الحضارة الأفريقية حين وصلته معانيها مترجمة بالكلمة والشكل فاستخرج منها شكلا جديدا وأضافها إلى مميزات فنون القرن الماضي بعد أن تعمق في دراستها والتعرف على معتقدات سكان القارة الأفريقية ورموزها المتعددة وما تدل عليه وكذلك مناسبتها والاحتفال بها في طقوسها الخاصة فألهمته أعمالا لنا أن نقول هي نتيجة ترجمة إحساسه بها أي أن لغة حسية ساعدته على فهمها ونقدها واستخلاص ما فيها .
وكذلك الفنان”جوجان” الذي نقل أسلوب حياة شعوب “تاهيتي”بالعيش بينهم مستقبلا كل رواياتهم ومعتقداتهم من لغتهم الأم وترجمها بمفهومه الخاص في أعماله وأخرج من أسرارها ما صار نهجا فنيا ومِيزَةً لأسلوبه والكثير من الفنانين الذين استفادوا مما وصلهم من ترجمات النقاد حين ظهرت لهم أسرارا غريبة ومن عالم غريب عليهم، وهذا يعني أيضا أن “للترجمات” أشكالا وصورا متعددة إذا ما وصلت إلى الفنان التشكيلي فإنه يطوعها بقدراته وذكائه و يطرحها فكرا ومعرفة بطريقة وبروح مختلفة تتفق مع ثقافته التي نشأ عليها في بلده.