صورة في حدوتة
بقلم/ حسام عبد القادر مقبل
“الحياة ذكريات جميلة وحزينة، سعيدة ومؤلمة، قد تكون مليئة بالإنجازات، أو بالإخفاقات.. وتبقى الصورة هي التي تسجل هذه الذكريات وتحتفظ لها لتصنع تاريخنا”.
فيها حاجة حلوة
قد يكون هذا المقال تأخر قليلا، ولكني فعلا كنت محتاجا لفترة من التأمل، فما حدث في الخيمة المصرية التي أشرفت على تنظيمها في مهرجان الأورينتال بمونتريال فاق كل تصوراتي وطموحاتي، حتى سألت نفسي: ما الذي يجعل العالم كله مفتون بمصر بهذا الشكل الكبير؟
وسأسرد مشاهداتي المتواضعة والتي أرفقها بالصور، خلال أربعة أيام منهم يوم عاصف جدا مليئ بالسيول:
المشهد الأول: وهو مشهد تكرر مرات عديدة أمامي أنا فقط، ضيف أجنبي يقف مع أبنه أو ابنته ويشير له على التمثال الفرعوني، ويقول له “هل تعرف الفراعنة؟.. الفرعون ده من مصر”.
المشهد الثاني: كم غير محدود من الصور أمام التمثالين الذين يمثلون الفراعنة في مدخل الخيمة، وهذا طبيعي، ولكن غير الطبيعي عندما أجد من يسجل “ستوري” مع التمثال، أو يفتح لايف ويذكر لمتابعينه أنه الآن مع الفرعون المصري، وغيره من الصور التي جمعت بعضها في الفيس بوك تحت عنوان “سلفي مع الفرعون”.
المشهد الثالث: كان من ضمن الأنشطة بالخيمة كتابة الأسماء بالحروف الهيروغليفية، وكانت المسؤولة عنه كمتطوعة سميحة حسام “ابنتي”، لم تكن تتخيل سميحة هذا الإقبال غير الطبيعي من الجمهور على كتابة الاسم بالهيروغليفية، حتى أن بعض الحروف المطبوعة انتهت عدة مرات، فكان الضيوف يجلسون يرسمون الحروف الناقصة بأنفسهم، والبعض يأخذ الحرف الأول من اسمه، لم يكن لدى سميحة وقت لتأكل، وجاءت تطلب مني وضع متطوع بديل لتأخذ استراحة قليلا.
المشهد الرابع: كلمات مثل “تحيا مصر” و”مصر أم الدنيا” ملأت عنان الخيمة بأصوات الضيوف، مثلما ملأت دفتر الزوار، الجميع يرددها بكل فخر.
المشهد الخامس: توزيع العلم المصري على الأجانب، قوبل بترحاب غير طبيعي، وكنت أرى الانبهار في أعينهم، وهم يعطون أطفالهم العلم، ومنهم من سألني عن الثمن، على اعتبار أنه بمقابل، وعندما يعرف أنه مجانا كان يندهش ويسعد جدا.
المشهد السادس: إقبال الأخوة العرب من كل الجنسيات كان غير عادي، والسعادة كانت تملأ أعينهم بوجود الخيمة المصرية في المهرجان، خاصة أن مصر لم تشارك العام الماضي، وعبرت عبير مصري مديرة المهرجان اللبنانية عن سعادتها بعودة الخيمة المصرية، وأعلنت هذا في كل النشرات الإخبارية للمهرجان.
المشهد السابع: جاءت أسرة أجنبية تشاهد الخيمة وكنت أقف قريب منهم بالصدفة، وكنت أحاول مساعدتهم والشرح لهم، فوقفت الأسرة تتصور أمام بعض التماثيل الموجودة في “فتارين” بعينها، ثم ضحك الرجل وقال لي “أنا كنت في مصر من قريب، ولدي صور من أصل هذه التماثيل، ثم أخرج لي الصور من موبايله وبدأ “يفرجني”. كان سعيد جدا لأنه شاهد أصل هذه التماثيل، وأخبرني عن مدى سعادته بزيارته لمصر، وأنه عندما علم بوجود خيمة لمصر في المهرجان، صمم أن يأتي لزيارتها.
عدد زوار الخيمة من الأجانب الذين زاروا مصر، كان كبيرا جدا، ويقفون يحكون لي عن حكاياتهم أثناء زيارتهم لمصر، والأماكن التي زاروها وهم في قمة السعادة.
المشهد الثامن: في اليوم الأول، وفي وسط الزحمة، وقبل الافتتاح بقليل، فوجئت بالفنان المصري الجميل محمد أبو سمرة، كنا تقابلنا مرات قليلة من قبل، وبعد السلام والتحية، وشكره على حضوره، قال لي “أنا معاك الأيام كلها، أخبرني ماذا تحتاج مني”، سألته “هل عندك وقت” قالي ولو لم يكن عندي وقت، أنا لازم أكون جنبك، أنا عرفت بالصدفة، وجئت لكي أساعد، أنا عندي لبس الفلاح المصري من عمل سابق على المسرح، يمكن أن ارتديه وأقف استقبل الجمهور بهذا الزي الفلاحي الجميل، وبالفعل وكان له رد فعل رائع جدا من الجمهور، وأصبح الجمهور يتصور مع تماثيل الفراعنة، ومع الفلاح المصري “محمد أبو سمرة”.
المشهد التاسع: في يوم العاصفة، وكان يوما مشهودا، حيث تسببت الأمطار والسيول ببعض الخسائر بالخيمة، وبخسائر فادحة في خيم أخرى، كنا تقريبا نحن وخيمتين أخريتين اللذين استمر نشاطهما، مر علينا الفنان المصري كريم حمدي وهو المسؤول عن المسرح في المهرجان ككل، ومعه أخ جزائري، ليساعدونا في التغلب على أي خسائر، وقاموا بترميم بعض أجزاء الخيمة التي فسدت بفعل العاصفة، ثم مر علينا فنان الخط العربي الجميل خالد الشيخ، وجلس معنا وأخرج أدواته وبدأ يكتب بعض الأسماء بالخط العربي، ولولا ازدياد المطر وخوفنا من فساد أدواته وأوراقه لأكمل ورشته السريعة.
المشهد العاشر: وهو أهم مشهد برأيي، فقد أكون تشرفت بتنظيم الخيمة المصرية باسم جمعية الخدمات العامة لإدماج المهاجرين SPDI والتي أشرف بإدارتها مع الصديقة العزيزة علياء شافعي، ولكن الخيمة نجحت بمشاركة مصريين منتمين لمصر، ساهموا بأموالهم ومنتجاتهم ومقتنياتهم لكي تخرج الخيمة في أحسن شكل، وكانت من أكثر الخيم التي تقدم ضيافة للجمهور بدون مقابل في شكل عينات لبعض المشروبات، وهو ما لاقى استحسانا كبيرا من الجمهور، ولا يمكن أن أنسى مجهود كل من أميرة بولس، حسين حمود، سامي حنا عادل بولس، ووليد أحمد، مع الاحتفاظ بالألقاب.
ويهمني جدا أن أنفي مقولة تنتشر كل فترة، أن المصريين في الخارج لا يخدمون بعضهم البعض، وأنهم يكرهون بعضهم البعض، وأقول وبكل ثقة أن هذه المقولة لا أساس لها من الصحة، وقد تكون حالات فردية مثل أي مجتمع في العالم به الصالح والطالح، ولكن بناء على تجربتي الشخصية وليست تجربة الخيمة المصرية فقط، فإن المصريين أحسن وأجدع ناس، ووقت الجد يقفون وقفة رجالة ويبذلون ما يستطيعون من مجهود لخدمة بعضهم البعض.
حسام عبد القادر مقبل – صورة في حدوتة