المشهد الثقافى فى اليمن حاضره ومستقبله
د.رضا عبد الرحيم
في اليمن جواهر، يغفل الكثيرون عن إدراكها، والوقوف على ما أنجزته من مؤلفات وأبحاث وتحقيق للكتب وإبداع موسوعي في مجالات التأليف المتنوعة.
والأستاذ الدكتور أحمد على الهمدانى واحد من هذه الجواهر؛ مؤلف ومثقف موسوعي وباحث ومترجم.. حائزعلى وسام وجائزة بوشكين الثقافية العالمية، من جمهورية روسيا الاتحادية عام 2012، أثرىالمكتبة اليمنية بالكثير من المؤلفات القيمة (صدر له أكثر من اتنين وأربعين كتابا حتى الآن). مسيرته العلمية والثقافية داخل الجامعة وخارجها؛ تجعله الأقدر- فى الوقت الراهن- على رسم خريطة دقيقة للحاضر الثقافى فى اليمن فى مرحلة ما بعد الحرب 2015، كذا استقرأ مستقبل الحياة الثقافية اليمنية فى قادم الأيام.
كيف تقيم المشهد الثقافى بشكل عام فى اليمن منذ بداية الحرب 2015؟
يقول البروفيسور أحمد على الهمدانى إن المشهد الثقافى فى اليمن منذ بداية الحرب حتى يومنا هذا ليس شرا كله وليس خيرا كله، فالإنسان اليمنى عنيد ولا يستسلم مطلقا مهما تكالبت عليه الأحوال الصعبة والأعداء فى الداخل والخارج والمثبطون والهارفون بما لا يعرفون
ومن المعروف أن الحرب تؤثر على الحياة العامة والخاصة سلبا وإيجابيا.وقد أثرت الحرب فى اليمن تأثيرا كبيرا على الناس والحياة .وقد عانت الثقافة بدورها فى اليمن معاناة كبيرة ؛فأغلقت دور النشر أبوابها بسبب ارتفاع أسعار الورق وهرع الناس خلف الغذاء والماء وسبل البقاء الأخرى (وهذا طبيعى)،ولم تعد الأولوية للثقافة.
ومن هنا توقف إسهام الدولة فى الثقافة .غير أن عددا من المثقفين تحملوا عبء ذلك فاتجهوا نحو القاهرة ، أسسوا دار”عناوين بوكس” التى تقدم خدمات فى نشر الكتاب داخليا وخارجيا ،عربيا واجنبيا، كما أنها تعقد دورات مسابقة الجوائز في الرواية اليمنية.
وأخرى تحت مسمى”أروقة”، وقدمتا خدمة جليلة للثقافة اليمنية .فطبعوا ونشروا عناوين كثيرة بارزة فى حركة الثقافة اليمنية فى مختلف الأشكال. ولابد من الإشارة إلى أن عددا من كتابنا وأدبائنا نشروا أعمالهم فى دور نشر أردنية ومصرية وسورية.
هل هناك ما يعرف بأدباء المهجر فى اليمن؟
لا يوجد أدباء مهجر في الأدب اليمني المعاصر والحديث مثل ما هو معروف عن الكتاب والشعراء الشاميين في أمريكا الشمالية والجنوبية. وإنما لدينا أفراد خارج اليمن من كتاب السرد والدراسات الأدبية يعيشون في أوروبا وغيرها وفي بعض البلدان العربية. اذكر من هؤلاء مع حفظ الألقاب علي محمد زيد ، حبيب سروري، جدي الأدهل .علي المقري وغيرهم.على أن التجمع الأكبر من هؤلاء يعيشون في مصر.ويمارسون حرياتهم الإبداعية بكل شفافية.
ما هى أبرز دور النشر باليمن فى الوقت الراهن؟ أخر دورة لمعرض الكتاب ببلادكم؟
على الرغم أن نعرف أن نشاط اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين قد توقف تماما.كما توقف عمل الهيئة العامة للكتاب ويبدو أن آخر دورة لمعرض الكتاب كانت عام 2006، إن لم تخني الذاكرة.
لكن بالمقابل ظهر فى عدن اتحاد أدباء وكتاب الجنوب الذى برز فى عدن،ونشر وطبع عددا من الكتب والمجلات،وأحيا عددا من الفعاليات الثقافية .
كما ظهر” نادى السرد” فى عدن، الذى حرك المياه الراكدة وقدم بدوره فعاليات مهمة ،وفى صنعاء واصل “نادى المقة” للقصة اليمينة نشاطه.وأقام ندوات حية وفاعلة على مستوى الثقافة اليمنية.
ما هو دور الجامعة فى الثقافة اليمينية المعاصرة؟
من المهم الإشارة إلى أن الجامعة اليمنية فى صنعاء وعدن قدمت خدمات حليلة ومهمة فى تطوير الثقافة اليمنية.عملت الجامعة على نشر الكتاب وطباعته وتوزيعه.ولا سيما جامعة عدن.
كيف أثرت الحرب على موضوعات الأدب فى المرحلة الراهنة؟
مما لاشك فيه أن الحرب أثرت فى موضوعات الأدب اليمنى المعاصر على اختلاف أجناسه، وإن بدا أحيانا أن كُتابنا لا يزالون يتهيبون الخوض فى موضوعات الحرب وما تركته من دمار فى أخلاق الناس ومعنوياتهم
وعقليتهم وأجسادهم. ما عدا القليل من الأعمال السردية والقصائد الشعرية. ذلك أن الحرب فرضت أسلوبا جديدا من التعامل أبرزها الاغتيالات والخطف والإخفاء القسرى والتعذيب والتجويع الممنهج والتخويف وأفعال الصدمة. ومع هذا صدرت مجموعات قصصية تُعبر عن كل هذا فى وضوح وتبيان موفق.وإن كان ذلك يمضى فى خفوت رغبة أو رهبة.
هل تستطيع أن تحدثنا عن أبرز الأنشطة الثقافية التى أقيمت فى اليمن هذا العام 2024؟
لا أبالغ إذا قلت إنه من الصعب حصر الأنشطة الثقافية التى أُقيمت هذا العام،فكانت هناك إصدارات كثيرة وفعاليات تكريم واحتفالات عدة عبرت عن إصرار المثقف والإنسان اليمنى على العيش والمضى قدما رغم محاولات التشطى والتفتيت التى فشلت جميعه،ومن الممكن أن نقول إنها فى طور التشكل الذى قد يحقق فعاليات مستقبلية .
من المهم الإشارة إلى أن الحصار الثقافي المفروض على البلاد يضيق على الناس قدراتهم إلى حد كبير.فقد اختفت الصحف والمجلات العربية والأجنببة . ولم نعد نطلع على تفاعلات الواقع الثقافي في الخارج. وأصبحت العزلة الثقافية واقع بنبغي التعامل معه شئت أم أبيت.
ما هو دور المنتديات الثقافية فى اليمن وأبرز برامجها؟
المنتديات الثقافية فى بلادنا دورها فى تفعيل العمل الثقافى محدود للغاية.أغلبها مجالس أو مبارز يمضغ فيها الحاضرون”القات”، ويناقشون كل ما عَن لهم .لكن نتائجها ليست ذات دلالات البتة.
هل السلطة الحالية تدعم الحراك الثقافى فى اليمن؟ وما مظاهر هذا الدعم؟
لعلك تعلم أنه إذا كان الأدب والفن إبداع ذاتى فردى. لكن تنظيم الحركة الإبداعية هو عمل جماعى من جميع النواحى. ومن هنا لا يستطيع فرد مهما كانت عبقريته أن يقوم مقام الجماعة فى التنظيم والترتيب.وفى الحقيقة دعمت السلطة الحراك الثقافى فى اليمن. وكانت تحاول دائما تطويعه. وقد قدمت الدولة عام 2004م دعما سخيا. وهو عام صنعاء عاصمة الثقافة العربية. فطبعت ونشرت العشرات من الكتب والمؤلفات فى شتى الموضوعات. كما أقامت معارض الكتاب والاحتفالات، وكرمت عددا كبيرا من الأدباء الأحياء والأموات.
هل لديكم رؤية عن مستقبل الثقافة فى دولة اليمن فى المستقبل؟
أنظر إلى مستقبل الثقافة فى اليمن نظرة تفاؤلية، لها أسبابها المنطقية، فما زالت مُحاولات الارتقاء بالأدب والفن والثقافة قائمة لم تخمد أورارها، وما زالت عملية نشر الكتاب اليمنى قائمة داخل الوطن وخارجه..كل هذا التراكم الكمى سوف يؤدى بدوره إلى تراكم كيفى، وسوف يخلق حركة ثقافية واسعة، وحراكا أدبيا وفنيا معقولا ومقبولا. نحن بحاجة فقط إلى وقف الحرب.