أخبار ثقافيةأخبار عاجلة

د. أماني أبو يحيى تعاين التشكيل الأسلوبي في شعر محمود فضيل التل

عمّان – أوبرا مصر

تناول كتاب “التشكيل الأسلوبي في شعر محمود فضيل التل” للباحثة الأردنية أماني حماد أبو يحيى تجربة الشاعر التل، الذي ترك إرثًا شعريًّا كبيرًا تجسده عشرات الأعمال الأدبية التي أصدرها خلال مسيرته.

وجاء الكتاب الصادر أخيرا عن “الآن ناشرون وموزعون” بدعم من وزارة الثقافة في تمهيد وأربعة فصول وخاتمة، قدم التمهيد تعريفًا موجزًا بالشاعر محمود فضيل التل، وتوضيحًا لمفهوم الأسلوب والتشكيل، وبحث الفصل الأول في الصورة الشعرية ﰲ شعره من خلال دراسة مصادر الصورة الشعرية (الطبيعة الصامتة، والطبيعة الصائتة)، وأنماط الصورة الشعرية، من تشبيه واستعارة وكناية.

وأظهرت الباحثة الدلالات البلاغية من خلال دراسة نماذج مختارة من النصوص الشعرية الدالة على ذلك، مشيرة إلى أن التل استثمر عناصر الطبيعة ﰲ شعره، واتخذ منها موضوعات صوره، إذ حفل شعره بالكثير من الصّور التي لها وقع ﰲ نفسه، وجعل منها المعبّرَ الرّئيس عمّا يريد إيصاله، مشيرة إلى أن الشاعر استثمر الطبيعية بصورتين؛ الطبيعة الصامتة متمثلة بالليل والقمر والنجوم والشمس والبحار وغيرها من الصور، والطبيعة الحية التي برزت بصورة الكائنات الحية كالطيور والخيل والذئب وغيرها.

وتناول الفصل الثاني من الكتاب ثلاثة من الأساليب اللغوية؛ أولها الأساليب الإنشائية، وتمثّلت بالإنشاء الطلبي من أمر ونهي ونداء واستفهام وتَمَنٍّ، وثانيها التقديم والتأخير، وثالثها الحذف والذكر، إذ وضّحت الباحثة الأغراض البلاغية، والدلالات لهذه الأساليب ﰲ شعر التل، ودورها ﰲ التعبير عن رؤية الشاعر.

وأكدت أبو يحيى أن التشبيه عند التل جاء وفق أنواع عدة، منها التشبيه البليغ، ومن الأمثلة على ذلك:

“صَارَ الشَّهِيدُ لَوْحَةً

رُسِمت بأَفواه البنادقِ

لونها موْتٌ وَدَم”.

وكذلك:

“أنْتِ الشمسُ والقَمرُ

عيناكِ إِنْ شئْتِ

أفدي مهجتي لهما”.

أما التشبيه التمثيلي بحسب الباحثة، فيدلّ على اتساع أفق مخيلة الشاعر، وقد ورد ﰲ شعر التل بشكل واضح، ومن الأمثلة على ذلك قوله:

“يتوحش كالذئب المتضوِّر جوعًا

يتلذّذ ﰲ قتل الإِنسانْ

عينان له؛

وفم يتَحدَّث عن صيْدٍ

له طعمانْ

طعم لخِياناتٍ عظمى

والآخر طعم دِمَاءٍ

تغلي كالنّار أوِ البُركان”.

وكذلك في قوله:

“وحيث نمضي

في شعاب الْأَرْضِ

أو ﰲ واحة الصّحراءْ

وبيوتنا أضحت خرابًا

كالحطام بلا سقوف

يوم صرنا كالسّبايا”.

أما الفصل الثالث من الكتاب فخُصّص لدراسة التشكيل الإيقاعي ﰲ مبحثين؛ أولهما الإيقاع الخارجي من وزن وقافية، وثانيهما الإيقاع الداخلي من تكرار وجناس وطباق. وأظهرت الباحثة ما تضمنته هذه الفنون البديعية من دلالات أسهمت ﰲ إحداث إيقاع مميز لجذب انتباه المتلقي، موضحة أن التلّ اعتمد على بحور شعرية عدة، إلا أن بعضها ظهر بشكل واضح وملحوظ في جميع دواوين الشاعر، ومنها البسيط والبحر الوافر، اللذان اتكأ الشاعر عليهما في أغلب قصائده، ليأتي بحر المتقارب في المرتبة التالية، تلتهما في الحضور بحور خليلية أخرى.

ووضحت الباحثة أن القافية من الأدوات التي وظفها الشاعر لإتمام الرؤية التي أرادها، ومنها قافية النون التي تمثلت في عدد من قصائد التل، مشيرة إلى أن حرف النون من الحروف الغنّة، وهي من الحروف التي تصنَّف بين الشدة والرخاوة؛ وقافية اللّام وهي من القوافي التي نالت النصيب الأوفر من قصائد التل وزخرت بالعديد من الأسماء وصفات القافية وحركاتها. وأشارت الباحث إلى أن اختيار الشاعر لقافية اللام لم يكن لإكمال البيت فقط، وإنّما انتقى الشاعر القافية ضمن معايير تظهر شاعريته في تشاكله بين الدلالة والوزن والقافية. كما اهتم الشاعر بقافية الراء، وهو من الأصوات المتوسطة وصفاته قريبة من صفات حرف اللام من حيث الشدّة والرخاوة والتكرار، بالإضافة إلى قوافٍ أخرى.

أما التكرار ﰲ شعر التل فقد ورد بعدّة محاور متنوعة وقعت ﰲ تكرار الحرف، وتكرار الكلمة، وتكرار الجملة أو العبارة، وهي من الظواهر البارزة ﰲ شعره، وقد شكّل منها بحسب الباحثة “إيقاعات موسيقية متنوعة، أسهمت ﰲ جذب أذن المتلقي ليشارك الشاعر الحدث الشعري، بالإضافة إلى مشاكلة الغرض الشعري”.

ودرست أبو يحيى في الفصل الرابع والأخير التّناص الديني والتاريخي والأدبي في شعر التل، ورأت أن التّناص الديني استدعى طبيعة التجربة الوجودية للأمة، ﰲ هذه المرحلة الصعبة المأساوية بمعانيها وصورها، وأن لغة الشاعر تتضمن رؤياه الفكرية والفلسفية التي أراد أن يمنحها عمقها وشموليتها ويشحنها بالدلالات من أجل التأثير ﰲ المتلقي نظرًا لما تتمتع به اللغة الدينية من حضور وتأثير خاصين ﰲ الوعي الجماعي فضلًا عما يمكن أن تقوم به من إثراء للنص الشعري، فاستحضر التل ﰲ إحدى قصائده مثلًا الصورة الشعرية من سورة المسد، ﰲ قوله:

“هذي فلسطين الّتي هي حُلمُنَا

في جيدها غلٌّ

وحبلٌ من مُسْد”.

كما استحضر الشاعر في التناص التاريخي عددًا من الشخصيات والقصص التاريخية، ومثالًا على التّناص التاريخي قصيدته “طارق بن زياد”، ومنها:

“لطارِق ذلك البحارُ

في خفقاتهِ السيرُ

وفي غصباتهِ العبـرُ”.

إلى جانب ذلك، وظف التل التناص الأدبي كما في قصيدته “يا ذيب” التي تحدث فيها عن قصة من التّراث، تدل على معاناة رجل وزوجته بعد فراقهما بسبب خلافات بين قبيلتيهما، فتناصَّ الشاعر مع هذه القصة التراثية، ليعبّر من خلالها عن الحزن والألم الذي يشعر به بسبب الواقع الذي امتلأ بالخيانة والغدر.

من الجدير ذكره أن د. أماني أبو يحيى من الأردن، حاصلة على درجة الدكتوراة في الدراسات النقدية والأدبية، عملت كمعلمة للغة العربية لمدة ثماني سنوات، وحاصلة على العديد من الدورات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى