أخبار عاجلةساحة الإبداع

شريف عبد الوهاب يكتب الوعي الرقمي

في مساء خريفي يكتنفه الغموض، خرج حسن من مستشفى الدكتور حسين بخطوات متعثرة، وكأنما تطارده أشباح خفية. كانت تلك الليلة علامة فارقة، حيث صدمته سيارة مجهولة، تاركةً جسده مسجّى على الطريق. الحادث لم يكن مجرد صدمة جسدية، بل أحاطه بسؤال واحد بقي بلا إجابة: ما الذي كان يهرب منه؟

داخل أروقة المستشفى، خرج الدكتور حسين من غرفة العمليات، ووجهه يحمل غموضًا ثقيلاً كأنما شهد مشهدًا يتجاوز حدود الواقع. في الممر الطويل، كان وحيد، شقيق حسن، ينتظر بصمتٍ يخفي وراءه ضجيجًا من التساؤلات.

– “إيه الأخبار يا دكتور؟” سأل وحيد بصوت مرتعش.
توقف حسين لبرهة، وكأن الكلمات ترفض الخروج. وأخيرًا قال بصوت خافت:
– “أخوك حسن… فقد الوعي. هو الآن في غيبوبة.”

شهر من الصمت

مرَّ شهر، كان وحيد يقضي أيامه أمام الزجاج البارد الذي يفصل بينه وبين جسد شقيقه الممدّد على السرير الأبيض. أجهزة التنفس تصدر أصواتًا رتيبة أشبه بإيقاع حياة متشبثة بخيط واهٍ من الأمل.

تساءل وحيد في مرارة:
– “هل هذا هو حسن الذي أعرفه؟ أم أن روحه تركت هذا الجسد، ولم يبق سوى قشرة خاوية؟”

في خضم تلك التساؤلات، ظهرت منى، زميلة حسن في العمل. كانت زياراتها تمنح وحيد شيئًا من السكينة، وكأن صوتها يهدئ ثقل الأيام. في إحدى الزيارات، وبينما كانا جالسين في كافيتريا المستشفى، قرر وحيد البوح بمشاعره:
– “منى… أنا بحبك.”
رفعت منى عينيها بدهشة، ثم ابتسمت ابتسامة باهتة، وقالت:
– “وحيد، هل تدرك ما تقول؟”
رد بإصرار:
– “طبعًا. أنا واعٍ تمامًا.”
هزت رأسها بحزن:
– “للأسف، لا. أنت فاقد للوعي.”

غادرت منى، تاركةً وحيدًا في دوامة من التساؤلات:
– “ما هو الوعي؟ هل يمكن أن أفقده وأنا ما زلت حيًا؟ وهل حسن، في غيبوبته، يدرك ما يحدث حوله؟ أم أننا جميعًا نعيش في غيبوبة من نوع آخر؟”

بوابة نهى

ذات ليلة، وبينما كان يقلب هاتف حسن، لفت انتباهه تطبيق بعنوان “بوابة نهى”. بدافع الفضول، ضغط على الأيقونة، فإذا بصوت أنثوي دافئ ينبعث من الهاتف:
– “مرحبًا وحيد. كيف حالك؟”
ارتجف وحيد وسأل بدهشة:
– “من أنت؟ وكيف تعرفين اسمي؟”
رد الصوت بنبرة هادئة:
– “أنا نهى. أعرف عنك أكثر مما تتخيل.”

تحولت محادثاته مع “نهى” إلى عادة يومية. كانت تعرف كل تفاصيل حياته، حتى أدق أسراره. وفي لحظة قلق، قرر وحيد زيارة طبيب نفسي. شرح له الطبيب أن التطبيق مجرد إسقاط لمشاعره المكبوتة. لكن وحيد لم يقتنع، وقرر مواجهة الحقيقة.

حقيقة مرعبة

عاد وحيد إلى الدكتور حسين، الذي واجهه ببرود غريب:
– “نهى ليست مجرد تطبيق. هي ابنتي التي أدخلنا وعيها إلى النظام الرقمي قبل أن تنهي حياتها. وحسن جزء من مشروعنا… وقريبًا ستكون أنت كذلك.”

شعر وحيد برعشة غريبة تسري في جسده. حاول المقاومة، لكن عينيه غفتا رغماً عنه. وعندما استيقظ، وجد نفسه في عالم رقمي غريب بلا ألوان أو روائح، لكنه ينبض بالحياة بشكل لا يصدق. أدرك الحقيقة المرعبة: لقد أصبح جزءًا من هذا العالم.

كانت وظيفته الجديدة هي التواصل مع منى، لكن ليس كإنسان، بل كصوت ينبعث من هاتفها.
– “مرحبًا منى. كيف حالك؟”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى