منال رضوان تكتب كأفئدة الطير رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي

هو الإمام:
أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي، ولد في البصرة بالعراق، عام ١٦٥ هجريًا، وعاش ومات ببغداد عام ٢٤٣، أما عن لقبه المحاسبي؛ فعرف به لكثرة محاسبته لنفسه.
روى الحارث الحديث عن يزيد بن هارون بن زاذي السلمي، والذي كان رأسًا في العلم والعمل، ثقة، حجة، حافظًا متقنًا كما جاء في سير أعلام النبلاء.
وقد أخذ الحارث عن الإمام الشافعي ( ٧٦٧ – ٨٢٠ م)
ومن أشهر كتب المحاسبي منجزه الموسوم ب.. “رسالة المسترشدين”، وقد حققها عبد الفتاح أبو غدة.
وصدرت الطبعة الأولى منها في عام ١٩٦٤م والتي قدم لها تقدمة دالة، تبعها ذلك التقريظ المحكم لفضيلة العلامة الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية آنذاك، ومن بعض ما جاء في ذلك التقريظ المهم:
( أما رسالة المسترشدين فكلما قرأتها أجد فيها لذة واستمتاعًا، وكلما قرأت تعليقكم عليها أجده من الضرورة بمكان؛ لكمال النفع بالرسالة، فلله الحمد على ما وفّق وأتاح…(
وقد توالت طبعات ذلك المنجز حتى بلغت خمس طبعات بحسب آخر طبعة اطلعنا عليها، وقد كانت بتاريخ ١٩٨٣ بالقاهرة*.
وللحارث مؤلفات كثيرة في الزهد والتصوف والمعاملات**
وقد قال الإمام الغزالي عنه: المحاسبي حبر الأمة في علم المعاملة، وله السبق على جميع الباحثين عن عيوب النفس وآفات الأعمال، وأغوار العبادات، وكلامه جدير بأن يحكى على وجهه. (للمزيد من الأقوال عنه ينظر الرسالة القشيرية أبو القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري، وسير أعلام النبلاء….)
أما عن رسالة المسترشدين.. فهي رسالة نافعة في الوعظ والإرشاد مليئة بالحكم ومن مقتطفاتها نقرأ:
(اعلم أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس ذهب الجسد كله، فإذا سمعت كلمة تغضبك في عرضك فاعف واصفح، فإن ذلك من عزم الأمور )
كما يقول في موضع آخر:
( واعلم أن فريضة كتاب الله: العمل بحكمة من الأمر والنهي، والخوف والرجاء لوعده ووعيده، والإيمان بمتشابهه، والاعتبار بقصصه وأمثاله، فإذا أتيت بذلك فقد خرجت من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن عذاب الشك إلى روح اليقين، قال الله جل ذكره ” الله وليّ الذين آمنوا. يخرجهم من الظلمات إلى النور)
كما يقول:
(فإن خفى عليك أمر فخذ فيه رأي من ترضى دينه وعقله، واعلم أن على الحق شاهدًا بقبول النفس له، ألا ترى لقول رسول الله عليه صلوات ربي وتسليماته، ‘ استفتِ قلبك وإن أفتاك المفتون)
للمزيد ينظر رسالة المسترشدين ص ٨٤ وما بعدها.
أما عن القلوب وأهلها؛ فإن للمحاسبي الكثير من الأقوال؛ يطيب أن نذكر النزر اليسير منها.
قال الحارث:
روى في معنى القلب أخبار كثيرة، منها: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: “إن من المؤمنين من يلين له قلبي” ‘مسند أحمد’.
وقال ابن مسعود: للقلوب شهوة وإقبال، وفترة وإدبار، فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها، وإدبارها، وقال ابن المبارك: القلب مثل المرآة؛ إذا طال مكثها في اليد صدئت، وكالدابة: إذا غفل صاحبها عنها هزلت.
وقال بعض الحكماء: مثل القلب مثل بيت له ستة أبواب، ثم قيل لك: احذر ألا يدخل عليك من أحد الأبواب شيء، فيفسد عليك البيت، فالقلب هو البيت، والأبواب: اللسان، والبصر، والسمع، والشم، واليدان، والرجلان، فمتى انفتح باب من هذه الأبواب بغير علم ضاع البيت.
هوامش:
*قد تكون هناك طبعات أخرى تلت الطبعة الخامسة
**من المؤلفات التي ورد ذكرها في مقدمة رسالة المسترشدين، الرعاية لحقوق الله عز وجل. طبع في أوروبا ثم في مصر، والتوهم، ورسالة الوصايا، وآداب النفوس، والمسائل في الزهد والمسائل في أعمال القلوب والجوارح وغيرها
رسالة المسترشدين الحارث المحاسبي تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. ط. ث بيروت ١٩٧١
أدب أهل القلوب محمد واضح رشيد الحسي الندوي.