Uncategorizedالرئيسيةدراسات ومقالات

الجميلي أحمد يكتب: نهاية الحِلم ليست سلامًا… بل انفجارًا

الجميلي أحمد يكتب: نهاية الحِلم ليست سلامًا… بل انفجارًا

في زمنٍ كان الكرم فيه لا يُقاس فقط بالماديات، كان التسامح هو العملة النادرة التي لا يحملها إلا أصحاب القلوب الواسعة، أولئك الذين يغفرون، لا لأنهم لا يملكون الرد، بل لأنهم أسمى من أن ينحدروا لمستوى الأذى. كان يُقال في مجالس العقلاء: “المسامح كريم”، يُنظر إليه كرمزٍ للحكمة، وقدوة في ضبط النفس، وجبلٍ من الصبر لا تفتته الحجارة.

لكن شيئًا ما تغيّر…

في زمننا هذا، أصبح كثيرون يرون في التسامح ضعفًا، وفي الحِلم ذلًا، وكأن السكوت عن الإساءة دليل قلة الحيلة. تغيّر ميزان القيم. أصبحت السرعة، والرد الفوري، وإثبات القوة في اللحظة، هي ما يُصنف ضمن صفات “الشخص القوي”، وراح البعض يُشعل النار في وجه من يطفئها، يستخف بمن يكظم غيظه، وينهش من صبره بلا حياء.

غير أن الإنسان الذي تَربّى على الحق، وتغذّى على معاني الصدق والنبل، لا يغفر إلا من موضع قوة، ولا يصبر إلا لأنه يرى أن في الصبر حكمة. نعم، هو يعتب، مرة، واثنتين، وثلاثًا… يذكّر، ينصح، يحتمل، لا لأنه لا يرى، بل لأنه يتريّث، يترك للآخر فرصة، وربما ألف فرصة، كي يعود عن خطئه. لكن لا تعبثوا بصبر الكرام.

فحين يفيض الكيل، حين تنفد السعة، ينقلب الصمت إلى هدير، ويتحوّل التسامح إلى سيف، لا يقطر دمًا، بل حقًا، ولا يُشهر انتقامًا، بل عدلًا. ذلك الشخص الذي سامحك مرارًا، إن قرر أن ينهي دور الحليم، فهو لا يلبس قناع الغضب، بل يكشف عن وجه الحقيقة الذي حجبته مروءته عنك.

الكرم لا يعني السماح الدائم، ولا يعني أن تستهين بمن سامحك، فكل “كريم” إذا ما جُرِح حتى العمق، سيبعث كل قوى الشر التي بداخله، ليس لأنه شيطان، بل لأنه إنسان… يملك الحق، وملّ من السكوت عنه.

وفي النهاية، يظل التسامح فضيلة، لا يفهمها إلا من ذاقها، ولا يحترمها إلا من أدرك أن القوة الحقيقية لا تكمن في الرد، بل في القدرة على عدم الرد.

لكن – ويا للأسف – لا تُوقظوا الأسد النائم باسم الحِلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى