أخبار ثقافية

سليم النجار يكتب سؤال الأيديولوجيا في رؤية إدوارد سعيد الثقافية٠

لم يهجم السؤال عليَّ، اليوم عن غربة السؤال٠ أقرأ وانصت جيدًا إلى رؤية إدوارد سعيد الثقافية غربة السؤال أراها مضاَعَفة٠ عندما اتحدث عن الأيديولوجيا التي انتهجها سعيد في رؤيته الثقافية اتجاه العالم العربي٠ فما الذي بإمكاني الكتابة عن هذا المفكر العربي ، لذا تعظم الحيرة٠

ألم يكن السؤالُ شريعة الكتاب الذين اقتنعوا بأن الطريق إلى الإدراك والإستيعاب لأي قضية يطرحها الكاتب٠
أعطتنا التفكير الأيديولوجي ما أصبح مساعدًا لنا كي نقرأ رؤية إدوارد سعيد بعيْن مختلفة٠
ويبدو لنا أن التجديد الذي اشتهر به ادوارد سعيد به للأيديولوجيا يلتقي مع المفهوم الثقافي من عدة وجوه، فسعيد من جهة يميز بين الثقافة والأيديولوجيا لاعتقاده بأن الأيدلوجيا لا تؤدي إلى ثقافة خلاقة ويراها انعكاس غير واعِ لعلاقة الإنسان بعالمه، وهي تركز على الجانب العملي، غرضها تكييف الإنسان لواقعه، كما أنها تحتوي
على حقائق غير أنها أيضا تنطوي على توليف، أي أنها قد تضم مقولات عقلانية أو لا عقلانية”١” ووهمية الإيديولوجيا- انطلاقا من هذا التحديد لا تنفي أبداً أهميتها في الإبداع الثقافي٠
إن الأيديولوجية السياسية التي انتشرت كالفطر في ثقافتنا العربية في ظل غياب منظومة نقدية أشار لها سعيد حين قال :(إنَّها مسألة صعبة، إننا نعيش في عصر المعلومات المعلًبَة والمسوقّة، وَوَسيلةٌ الإعلام هي النموذج لهذه المعلومات، وعلي أن أقول حتّى الأنترنت ايضاً٠ يمنكك أن تعرض مواد مطبوعة تحمل سمةً نوع محدّدٍ من سلطة وغايةٍ والتي يجب على العقل النّقدي أن يتفحّصها حسب ما يبدو لي)٢
الرؤى من هذا النوع لكي تنجح في هذه المهمة البرغماتبة تميل دائماً إلى أن تَدَّعي الكونية والشمولية، وعادة هذه الرؤى التي يُطلق عليها في مشهدنا الثقافي العربي ” الأيديولوجيا” التي تحتاج لرؤية نقدية، وليس كما شائع في عالمنا العربي، أن النقد العربي ذهب إلى درجة التبني التام لمنهج دون الآخر، ( ثمّ عدّ ذلك المنهج الوسيلة الوحيدة في التحليل والاستقصاء)٣. 

من المنعرجات جاءت الأسئلة عن مفهوم الثقافة وعن الثقافة العربية الحديثة، عن الذاكرة الثقافية في كتاب إدوارد سعيد” الثقافة والمقاومة محاورات مع إدوارد سعيد – ديفيد بارساميان- ت – ينال قاسه”٤، تلك اللحظاتُ الأساسية في تأمّل السؤال آخر يطرح نفسه: هل يمكن أن يبقى المعنى والجوهر في وضع استقرار؟، في هذا الجزء من السؤال يقول إدوارد سعيد( الثقافة هي شكلٌ للذَّاكرة في مواجهة الطَّمس٠ في ذاك الخصوص اعتقد أنّها هامةٌ إلى حدِّ كبير) ٥، وعلى هذا الأساس اشتَغلت العلوم الموسُومة بأنّها انسانيّة، فاهتمّت بالانسان من حيث هو كائن عاقل، وكائن ناطق، ( وكائن لهُ ثقافة، وله تاريخ ، وكائن يحيا في مُجتمع مُعين٠٠٠٠ وكان أنْ انتهت هذه العلوم المتعدّدة ( علم الاجتماع، علم التاريخ، علم النفس، اللسانيات، الانثربُولُوجيا ٠٠٠) إلى حقائق مُذهلة، فتحت آفاقا على عُلوم أخرى ارتبطت بها وتفرّعت عنها)٦، بالفعل إنها مسألة صعبة في أننا نحاول معرفة تاريخنا الأنساني من خلال العلوم على مختلف أشكالها ومعانينها، لكن آدوارد سعيد يجيب على ذلك( هي أن المعرفة والقراءة نقطتان لا نهاية لهما دوماً٠ آنّها نقطتان مسمرتِّأن على الدوام٠ إنهما تحتاجان إلى قدر لا منته من التساؤل والاكتشاف والتحدي)٧ ٠

ومن أخطر ما ذكره إدوارد سعيد حول مصطلح ” الموضوعية” المنتشر في ثقافتنا العربية، ( قد تبدو الموضوعيّة فكرةٌ عتيقة وبرجوازيّة تخدم فعليًاً كقناع خلفه شتّى أنواع المصالح السياسيّة والموساتيّة والثقافيّة٠ قدتكون كذلك فعلاً٠)١٣
ولكن إذا كان تصور الأيديولوجيا بواقعنا في تناقض صوري قلق فهل يحق لنا أستبدال التناقض الصوري بالتناقض الديالكيتكي، هذا ما عمل عليه إدوارد سعيد، ولا أبالغ إذا قلت انه مشروعه الثقافي النقدي، الذي يمكن أن نستخلص منه القول، بأن ثمة علاقة ديالكتيكية بين الأيدلوجيا ، والمطلق من حيث هو لا محدد، والمطلق من حيث هو محدد أي بين المطلق والنسبي؟
وهنا نرى أن النظر إلى الإيديولوجيا الثقافية على أنها وهمٌ فقط، يَبْعُدُ بنا عن التحليل الموضوعي لدورها في الواقع، لذلك لا يمكن النظر إلى أيديولوجبا الثقافة التي يتبناها بعض المثقفين بأنها زائفة٠ والواقع أن نسبة الزيف والحقيقة في كل إيديولوجيا تتغير من أيديولوجيا إلى إيديولوجيا وفق الشروط الموضوعية التي تُحَدِّدُ كل واحدة منها٠
يجيب على هذه الرؤية ادوارد سعيد بشكل عميق إذ يقول في كتابه الشهير( الثقافة والمقاومة)٨، ( لا يمكن لفهم البشر أن يحدث في ميزان الجماعة إلا أذا حدث أولا في ميزان الفرد٠ لقد تعرّض الوعيُ الفرديُّ في عصرنا للقصف، هذا إن لم يكن قد خمدَ أيضاً، عبركمُ هائل من المعلومات المنظَّمة والمعلَّبة)٩ ٠
المسألة برأي، تتعدّى منطق الوهم والخطأ٠ تتراءى لي أن هناك لا بد من وجود مشروع معرفي مشتبك مع الأيديولوجي لا مشروع ناقل أو في أحسن الأحوال تعيش في ثنايا الأيديولوجيا، لعل إشارة سعيد ومحذرًا في الوقت ذاته المعلومات ” المعلبة” تشير على أهمية التخلص من أشباح الأيديولوجيا٠

الهوامش :
-١- لوي التوسير البنية ذات الهيمنة: التناقض والتضافر، تقديم وترجمة فريال جبوري غزول ، ص٤٩، عمود ص٥٩ عمود٠
-٢- ديفيد بارساميان، الثقافة والمقاومة محاورات إدوارد سعيد ، ت ينال قاسة ، دار نينوى ، دمشق، ٢٠١٣، ص٢٦ ٠
-٣- د عبدالله ابراهيم، المطابقة والاختلاف، الجزء الثالث، نشر مؤسسة العويس، ٢٠٢٤، ص١٣٤ ٠
-٤- مصدر تم ذكره “٢” ٠
-٥- مصدر تم ذكره “٢” ٠
-٦- الاثنوموزيكولوجيا بين إشكالية الموضوع والخيارات المنهجّيّة، أمين احمد الزاوي، تونس، دار مفاقس، ٢٠٢٢ ، ص١٩ ٠
-٧- مصدر تن ذكره” ٢” ص٩٦ ٠
-٨- مصدر تم ذكره “٢” ٠
-٩- مصدر تم ذكره “٢” ص ٩٧ ٠
-١٠- مصدر تم ذكره “٢” ٠
-١١- مصدر تم ذكره”٢” ص١٧٣ ٠
-١٢- إدوارد سعيد في ثقافات متصادمة، يحي بن الوليد، دار عائدون للنشر والتوزيع، عمّان،ط١، ٢٠٢٥، ص٦١ ٠
-١٣- إدوارد سعيد ، السلطة والسياسة والثقافية، تقديم فسواناثان، ت، د نائلة قليقلي حجازي، دار الآداب، ٢٠٠٨، ص ٣٢٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى