أخبار ثقافيةأخبار عاجلةالرئيسية

رواية “مقامات” لمصعب البدور: من تراب القرى إلى كراسي البرلمان

إصدارات

عمّان: متابعة أوبرا مصر

صدر حديثاً عن “الآن ناشرون وموزعون”، الأردن (2025)، رواية “مقامات” لصاحبها مصعب البدور، تقع الرواية في 144 صفحة، يروي فيها حكايات قرية وادعة من شمال الأردن، حيث تتعانق الأشجار مع ذاكرة الأرض، تدور أحداث رواية “مقامات” للروائي الأردنيّ مصعب البدور، وهي رواية اجتماعية تنبض بحياة الناس البسطاء وهم يعبرون دروب التغيير، حاملين أحلامهم من تراب القرى إلى مدرجات الجامعات، ومقاعد البرلمان، ومكاتب الوزارات، فالكاتب تسلسل في الأحداث ليثبت أنّ العلم هو من يبني الشخصية والمجتمع، والوطن، متمثّلا قول الشاعر:
العلم يبني بيوتًا لا عماد لها والجهل يهدم بيت العزّ والكرمِ
اهتم البدور بتوقير الكبار واحترامهم، وتوقير أهل العلم؛ فالمقام يصنعه العلم والعمل من أجل الوطن لا من أجل المصالح الشخصية كما كرّر ذلك كثيرًا بطل الرواية (حسن المسعود). حسن، شابٌ قويّ البنية، ذكيّ العقل، نقيّ السريرة، أحبّ قريته كما يُحبّ المؤمنُ موضعَ سجوده. منذ طفولته كان يرفض أن يُختصر الإنسان بلقبه العشائري.
يروي الحكاية سليم، الراوي العليم، الذي اختار أن يبدأ الرواية من نهايتها، من تلك اللحظة المفصلية التي وقف فيها حسن —بطل الرواية— على منصة البرلمان، شامخًا كالسنديان، بعد أن قهر انتماءه العشائري الذي ظلّ يقيد أبناء جيله، وآمن أن الوطن باقٍ والأشخاص راحلون، وأن المقام يُبنى على الكفاءة لا على “فلان ابن علان.” وذلك في حديث المرشح النيابي عبدالله لنفسه في صبيحة يوم الانتخابات قائلًا: “إياك وتلوّث النَّفس، والطَّمع بجاهٍ يزول، وكرسيّ عمره قصيرٌ، إيّاك وحميَّة الجاهليَّة؛ فإنَّ طواقي السّرو أهلٌ وأصهارٌ وجوارٌ، إيّاك ووسوسة النَّفس؛ فإنَّها أشدُّ حرقًا من وسوسة الشّيطان، لا تنس نفسك، إن كانت منصبًا فالمناصب لا تشرّفنا، وإن كانت أمانةً فالّلهم اختر أوعانا وأفهمنا وأقوانا.”
بنى الراوي السرد على أسلوب “الارتداد الزمني”، مبتدئًا من ذروة الحدث، ثم عاد لينسج الخيوط التي قادت إليه، مارًا بالعقبات التي اعترضت طريق حسن، من اضطهاد بعض شباب القرية، وصولًا إلى وقوفه في وجه فساد بعض النواب، وإصراره على أن يكون نائبًا لا تابعًا، ووزيرًا حرًّا.
الرواية تتخللها لغة متداخلة، قوية البيان، تتناص مع آيات القرآن حينًا، ويدرج اللغة العامية في مواطن لا يصحّ إلا أن تكون كذلك، لأنّ شخوص الرواية قرويّون. وتعكس الرواية قيم التضامن القروي والمثابرة في العلم والعمل. أمّا الشخصيات فتنمو وتتطور: فحسن المسعود عرفناه فتى في السابعة عشرة من عمره إلى طالب جامعي ومن ثم صار نائبا واختير رئيسًا للوزراء. أمَّا زمن الرواية فيعود إلى أول حكومة برلمانية في الأردن، حيث بدأت بذور التحول، وكان حسن رمزًا لجيلٍ أراد أن يكون ابن الوطن لا ابن العشيرة فقط، وهو القائل: “إذا أردتم انتخاب ابن قريتكم، انتخبوا عبد الله المسعود، وإذا أردتم عشيرتكم، فليترشَّح منكم واحدٌ، أما إن أردتم وطنًا، فانتخبوا الأصلح، انتخبوا من يعرف أنَّكم اخترتموه ليمدَّ يده لكلّ شبرٍ في هذه الأرض، لا تحكمه جهويَّة، ولا تديره يدٌ في الخفاء”.
في النهاية، ينتصر الخير؛ تنتصر الإرادة الحرة على الموروث، ويثبت حسن، كما قال الراوي سليم: إن المقامات تُبنى على العقل لا على النسب فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى